الأسئلة العامة

رجل وسَّعَ الله عليه , ويريد أن يعرف أيّ الأضاحي أفضل , فيضحي به ؟

السؤال  : رجل وسَّعَ الله عليه , ويريد أن يعرف أيّ الأضاحي أفضل , فيضحي به ؟

الجواب : قد ذهب أبو حنيفة , والشافعي , وأحمد إلى تفضيل الإبل ثم البقر ثم الغنم , فقال الشافعي : ” والإبل أحب إلي أن يضحي بها من البقر, والبقر أحب إلي أن يضحي بها من الغنم , وكل ما غلا من الغنم كان أحب إلي مما رخص , وكل ما طاب لحمه كان أحب إلي مما يخبث لحمه” , قال : ” والضأن أحب إلي من المعز , والعفر – أي البيض – أحب إلي من السود ” . اهـ من ” الأم ” (2/349) .


 

وقال النووي : وسَبْعٌ من الغنم أفضل من بَدَنَةٍ أو بقرة , على أصح الوجهين , لكثرة إراقة الدم …” وقال: “ويستحب التضحية بالأسمن الأكمل ” قال : ” وقال أصحابنا : ” كثرة اللحم أفضل من كثرة الشحم , إلا أن يكون لحما رديئا , وأجمع العلماء على استحباب السمين في الأضحية …” قال : ” والصحيح أن الذكر أفضل من الأنثى , ومنهم من قال : الأنثى التي لم تلد أفضل من الذَّكر الذي كثر نزوانه , فإن كان هناك ذَكَرٌ لم يَنْـُز , وأنثى لم تلد ؛ فهو أفضل منها , والله أعلم ” . اهـ من ” المجموع ” (8/396- 397) وتكلم على لون الأضحية , وقد خولف في بعض ما قال , وكلامهم محمول على من ضحى عن نفسه وأهل بيته ببدنة كاملة , لا بسُبع بدنة . وذهب الإمام مالك إلى أن الأفضل الجذع من الضأن , ثم البقرة , ثم البدنة اهـ من ” المنتقى ” للباجي (3/88) و” المغني ” (11/98) وانظر ” المعونة ” للبغدادي (1/658) و” الكافي ” لابن عبد البر ( 1/364) و” المفهم ” للقرطبي (5/356) .

وقد استدل الجمهور بأدلة منها :

1 – قوله تعالى: ] وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ[ وفسره بعضهم باستسمان الهدي واستحسانه , وليس ذلك بمتعين .

2 – وقوله تعالى : ] وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ [ إلا أن الصنعاني -رحمه الله- قال في ” سبل السلام ” (4/177): ” إن البُدْنَ تطلق لغة على الإبل , والبقر , والغنم … وذكر أن استعمالها في الأحاديث , وفي كتب الفقه في الإبل خاصة ” اهـ .

3 – حديث أبي ذر , قال : سألت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : أي العمل أفضل ؟ قال : ” إيمان بالله , وجهاد في سبيله ” قلت : ” فأي الرقاب أفضل ؟ قال : ” أغلاها ثمنا , وأنفسها عند أهلها ” قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ” تعين ضائعا , أو تصنع لأخرق ” قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ” تَدَعُ الناس من الشر ؛ فإنها صدقة , تصدق بها على نفسك ” أخرجه البخاري برقم (2518) – واللفظ له- ومسلم برقم (84) قالوا : والإبل أغلى ثمنا من البقر , والبقر أغلى ثمنا من الغنم .

4 – حديث أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة , ثم راح ؛ فكأنما قرَّبَ بدنة , ومن راح في الساعة الثانية ؛ فكأنما قرَّبَ بقرة , ومن راح في الساعة الثالثة ؛ فكأنما قرَّب كبشًا أقرن , ومن راح في الساعة الرابعة ؛ فكأنما قرَّبَ دجاجة , ومن راح في الساعة الخامسة ؛ فكأنما قرَّبَ بيضة, فإذا خرج الإمام ؛ حضرت الملائكة يستمعون الذكر ” أخرجه البخاري (881) ومسلم (850) .

5 – واستدل الشافعي بأن كل ما كان نفيسا في التقرب إلى الله ؛ كان أعظم لأجره … اهـ . ” الأم ” (2/350) وذَكَرَ الشربيني في
” مغنى المحتاج ” (6/127) أن البدنة أكثر لحما , والقصد التوسعة على الفقراء اهـ .

واستُدِلَّ للإمام مالك بأدلة ومنها :

1- حديث أبي هريرة , أن جبريل – عليه السلام – نزل إلى الرسول – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – : ” يا جبريل , كيف رأيت عيدنا ؟ ” فقال : ” لقد تباهى به أهل السماء : الجذع من الضأن خير من السيد من المعز
– والسيد : المسن , وقيل : الجليل – وأن الجذع من الضأن خير من السيد من البقر , وأن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل , ولو علم الله ذبحًا خيرًا منه ؛ فدى به إبراهيم – عليه السلام –
” أخرجه الحاكم وغيره , وسنده ضعيف , من أجل إسحاق بن إبراهيم الحنيني , وقد شنع ابن حزم في ” المحلى ” (7/372) على من قال : إن إبراهيم فُدِيَ به .

2- واستدلوا بحديث عبادة بن الصامت وأبي أمامة مرفوعا : ” خير الكفن الحلة , وخير الأضحية الكبش الأقرن ” أخرجه أصحاب السنن وغيرهم , وسنده ضعيف . وانظر ” التلخيص الحبير” (4/256-257) و” الميزان” (3/83) ترجمة عفير بن معدان .

3- واستدلوا بتضحية النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بكبشين , وما كان – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يختار لنفسه وخاصته إلا الأفضل , وهذا أقوى أدلتهم , ومع ذلك فقد أجاب عنه ابن حزم بأن ذلك محمول على التخفيف , لدفع المشقة اهـ من ” المحلى ” (7/371) . واستدلوا أيضا بأنه قد ثبت من فعل النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنه ضحى بالبقر ؛ كما في حديث عائشة عند البخاري (294 , 5548) ومسلم (1211) وإن كان الحديث قد ورد في سياق الحج , ومنهم من عَدَّ هذا هَدْيًا , ومنهم من ثبت على كونه أضحية للحاج .

ثم ذكر أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أشار إلى التضحية بالإبل , فقال في حديث البراء : ” إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا : أن نصلي , ثم نرجع فننحر , فمن فعل ذلك ؛ فقد أصاب سنتنا … ” الحديث , وهو عند البخاري برقم (965) ومسلم برقم (1961) قال : والنحر عند مالك – وهو الذي يخالفنا في هذه المسألة – لا يجوز البتَّة في الغنم , وإنما هو عنده في الإبل , وعلى تكره في البقر اهـ .

فالراجح من حيث النوع : أن الأفضل الإبل , ثم البقر , ثم الغنم ، وهذا لمن كان سيضحي عن نفسه وأهل بيته ببدنة كاملة ، أما إذا كان سيضحي بسُبع بدنة ؛ فالغنم أفضل ، والله أعلم.

ومن حيث الجنس : أن الذكر أفضل من الأنثى في الجملة .

ومن حيث الثمن : أن الأغلى ثمنا – لجودة لحمه – أفضل من الرخيص , والسمين أفضل من الهزيل .

أما من حيث اللون فما كان من الغنم أبيض , قد اختلط بسواد في قوائمه – أي يمشي في سواد – , وفي مرابضه – أي يبرك في سواد – , وفي محاجره – أي ينظر في سواد – فهو الأفضل ؛ لأن ذلك أضحية رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وفي بعض الروايات ” أنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ضحى بكبشين أملحين … ” والأملح قيل : الأبيض كالملح , وقيل : الأبيض المختلط بالسواد , وانظر ” المفهم ” للقرطبي (5/360) .

وقد رُوِيَت أحاديث وفيها : ” دم عفراء – أي بيضاء – أحب إليَّ من دم سوداوين ” أخرجه الحاكم , وأحمد , وغيرهما , وسنده ضعيف , وحديث ابن عباس مرفوعاً ” استوصوا بالمعزى خيرًا , فإنها مال رقيق , وهو في الجنة , وأحب المال إلى الله الضأن , وعليكم بالبياض … ” الحديث , وفيه : ” وأن دم الشاة البيضاء أعظم عند الله من دم السوداوين ” إلا أن فيه حمزة النصيي , وهو متروك .

والراجح : أن اللون الأبيض الذي يخالطه قليل سواد في القوائم والمرابض والمحاجر أفضل من غيره , وغيره مجزئ بلا خلاف .

والأقرن أفضل من الأجم ؛ لورود الحديث بذكره في فضيلة التكبير ليوم الجمعة , كما مرّ في حديث أبي هريرة المتفق عليه , ولأنه أضحية رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – , ولأنه الأكمل في منظره, وكلما كانت الأضحية أكمل في ثمنها ، ولحمها ، وشكلها ؛ كان ذلك أعظم للأجر , وصدق الله إذ يقول : ] لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [ وقد عاب الله على من هُمْ خلاف ذلك فقال : ] وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ [ والله المستعان .

للتواصل معنا