الأسئلة العامة

رجل يريد أن يضحي , ويريد أن يعرف سن الأضحية , كي لا يضحي بغير الجائز شرعًا , فما هي السنة في ذلك ؟

السؤال: رجل يريد أن يضحي , ويريد أن يعرف سن الأضحية , كي لا يضحي بغير الجائز شرعًا , فما هي السنة في ذلك ؟

الجواب : هناك خلاف بين أهل العلم في التضحية بالجذعة , فمنهم من منعها مطلقًا , ومنهم من رخص فيها مطلقًا , ومنهم من رخص في جذع الضأن فقط , ومنهم من رخص في جذع الضأن عند عدم المسنة .

واستدل من منع من التضحية بالجذع بحديث البراء , أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” إن أول من نبدأ به في يومنا هذا : نصلي ، ثم نرجع فننحر , فمن فعل ذلك ؛ فقد أصاب سنتنا , ومن ذبح قبل الصلاة ؛ فإنما هو لحم قدّمه لأهله , ليس من النسك في شيء “ وكان أبو بردة بن نيار قد ذبح , فقال : عندي جذعة خير من مُسِنَّة , فقال : ” اذبحها , ولن تجزئ عن أحد بعدك ” أخرجه البخاري (965) ومسلم (1961) .

واستدل من قال بجواز التضحية بجذعة الضأن , بحديث أبي هريرة مرفوعًا : “نعمت الأضحية الجذع من الضأن” أخرجه الترمذي (1499) وأحمد (2/444-445) وغيرهما , وفي سنده كدام بن عبدالرحمن , وأبو كباش , لا يحتج بهما للجهالة .

واستدلوا أيضًا حديث عقبة بن عامر : ” ضحينا مع رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بجذع من الضأن ” أخرجه النسائي برقم (4382) ولا يصح بهذا اللفظ .

فالرواية في ” الصحيحين ” أن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أعطى عقبة بن عامر غنمًا يقسمها على صحابته, فبقى عتود , فذكر عقبة للنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقال : ” ضح به أنت ” .

والعتود : من أولاد المعز ما رعي ، وقوي ، وأتى عليه الحول , كما في ” اللسان ” (3/280) .

وكذا استدلوا بحديث هلال الأسلمي مرفوعًا : ” تجوز الجذع من الضأن أضحية ” أخرجه أحمد (6/368) وابن ماجه (3139) وفي سنده امرأة مجهولة .

وعن بعض أزواج النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أنها قالت : ” لأن أضحي بجذع من الضأن ؛ أحب إليّ من أن أضحي بمسنة من المعز ” أخرجه الحاكم (4/226) وسنده حسن , فهذا الأثر مع حديث أبي هريرة , وحديث هلال الأسلمي , يدل على أنّ للتضحية بجذع الضأن أصلاً , والله أعلم .

وكذا أثر أبي هريرة أنه ضحى بجذع الضأن , انظر “المحلى” (7/361) .

واستدل من قال بجواز التضحية بالجذع مطلقًا , بحديث مجاشع بن مسعود السلمي أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – قال : ” إن الجذع يوفى مما توفى منه الثنية ” أخرجه أبو داود (2799) وغيره من طرق ، وهو حديث حسن , وقد صححه شيخنا الألباني في ” الإرواء ” برقم (1146) .

واستدل من رخص في جذع الضأن عند عدم المسنة من المعز ، بحديث جابر عند مسلم برقم (1963) وغيره مرفوعًا : ” لا تذبحوا إلا مسنة , إلا أن يعسر عليكم ؛ فاذبحوا جذعة من الضأن ” .

وممن قال بجواز الجـذع مطلقًا : عطـاء ، والأوزاعي , انظر ” المغني ” (11/99) .

وممن قال بعدم الجواز مطلقًا : ابن عمر , والزهري , وأثر ابن عمر عند ابن حزم في ” المحلى ” (7/361) بسند صحيح .

وقد قال أبو حنيفة , ومالك , والشافعي , وجماعة بجواز جذع الضأن والثني من غيره . انظر ” المغني ” (11/99) و” المعونة ” (1/659) وهو قول أحمد , كما في ” سؤالات عبدالله ” (ص267) برقم (990) وعليه العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسـلم – قاله الترمذي (5/356) .

وقد حمل الجمهور حديث جابر على الاستحباب , جمعاً بينه وبين أدلة جواز التضحية بجذع الضأن , والأحاديث التي في التضحية بالجذع مطلقاً تحمل على ما فُصِّل من جذع الضأن انظر ” المجموع ” (8/395) و” سبل السلام ” (4/174) .

وأما حديث عقبة في التضحية بجذع المعز , فقد حاول بعضهم رده بدعوى النسخ , أو مخالفته الإجماع , وكل هذا لا يُعوّل عليه , وفي النفس شيء من دعوى الخصوصية لعقبة بذلك , لأن سندها لا يصح , وقد حاول القرطبي تأويله , فانظر ” المفهم ” (5/359-360) إلاّ أن التضحية بجذع المعز كان المشهور فيه عند الصحابة المنع , بدليل سؤال أبي بردة وعقبة , واستشكالهما التضحية بجذع المعز , فقد يقال : إن الرخصة لعقبة ولغيره إذا لم يجد إلا جذع من المعز , قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية , كما في ” الاختيارات ” (ص120) : ويُحمل قوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -” ولن يجزئ عن أحد بعدك ” أي بعد حالك” اهـ .

بقي الكلام على تعريف الجذع والثني , وفيه كلام كثير لأهل اللغة , وهناك من فرَّق منهم بين سنة الخصب وسنة الجدب , وهناك من فرق بين ابن الهَرِمَينِ وابن الشابين , وأكثر أقوال أهل اللغة أن الجذع من الضأن ما بلغ سنة , ومن المعز ما بلغ سنتين , فإذا دخل في الثالثة فهو ثني .

أما البقر : فالمشهور أنه إذا دخل في الثالثة فهو ثني , وقد سوى بين البقرة والشاة في ذلك ابن الأثير والفيروزبادي وابن عبدالبر .

وأما الإبل : فالجذع ما دخل في الخامسة , ولا يكون ثنيًّا إلا إذا دخل في السادسة .

والأصل أن الرجل إذا كان من أهل الخبرة ، وعرف الجذع والثني , وظهرت له علامات ذلك ؛ وإلا رجع إلى تحديد العلماء بالأسنان السابقة , والأشهر من كلام أهل اللغة ما سبق , والعمل بالأحوط أولى , إلا إذا رأى علامة الجذع على الضأن قبل بلوغ السنة كالكبش ينـزو يريد السفاد , أو ينام الصوف الذي على ظهره , انظر ” الشرح الممتع ” (7/460) .

وعلى كل حال : ثمن رجح قولاً من هذه الأقوال ؛ عمل به ، ولا يحكم على أضحية غيره التي لم تبلغ السن الذي رجحه بأنها لا تجزئ ؛ للخلاف في ذلك بين علماء اللغة ، وللخلاف في العلامات التي يعرف بها الجذع والثني ، وللفارق بين حال بهيمة الأنعام في سنة الخصب وسنة القحط ، ونحو ذلك ، والله أعلم .

للتواصل معنا