الأسئلة الحديثية

ما الأصل في الحديث الذي يتصل إسناده برواية العدل الضابط؟

ما الأصل في الحديث الذي يتصل إسناده برواية العدل الضابط؟

ذهب بعض أهل العلم من المحدثين والفقهاء إلى أن الأصل في الحديث الذي يتصل إسناده برواية العدل الضابط : الصحة؛ إلا أن يظهر أنه شاذ أو معلل، والراجح: أن الحديث لايكون صحيحا إلا بتوافر ما يجب توافره، وانتفاء مايجب انتفاؤه ، ولو كان انتفاء الشذوذ والعلة ليس شرطًا في الحديث الصحيح؛ لما ذُكِر هذا في تعريفه .

نعم، قد يقال فيما جمع الشروط الإيجابية الثبوتية ، وهي الاتصال ، والعدالة ، والضبط : ” إسناده صحيح ” أما إطلاق الصحة على مجرد ذلك، ثم يُنْشَر ذلك الحديث في الناس، وتُستنبط منه أحكامُ يُستحل بها الدم، والمال، والعرض، دون النظر في سلامته من العلل؛ ففي هذا استرواح وتوسع غير مرضي ، والله أعلم (1) .

لكن إذا أطلق الإمام الناقد منهم قوله في الحديث :”إسناد صحيح ”  فالأصل أنه لا يُطْلق ذلك لمجرد وجود الشروط الثلاثة : الاتصال , والعدالة , والضبط ؛ لأن الإمام منهم يحفظ معظم السنة , ويحفظ كلام الأئمة في الأحاديث , هذا هو الأصل حال في الإمام منهم , فإذا سئل أحدهم عن الحديث :فإنه يجول بفكره في كل مايعلم عن هذا الحديث , من طرق , وأقوال للأئمة فيه , ونحو ذلك , فلو كان يعلم أن فيه علة خفية تقدح في صحته ؛ لما استجاز إطلاق القول بصحة السند, لأنه – والحالة هذه – يكون مُلبِّساً على الناس , إذ يغترون بقوله :” إسناد صحيح ” ويعملون بالحديث , والإمام يعلم أن فيه علة , وحاشا الإمام منهم أن يسلك هذا المسلك .

ولا شك أن إمعان الإمام النظر في الحديث وما يتعلق به , من خلال ما يحفظه ؛ فإنه أقوى في النفس من مجرد بَحْثِ باحث في الكتب , ولم يجد للحديث علة , فإذا كنا سنعمل ببحث الباحث ؛ فمن باب أولى أن نعمل بنقد الناقد البصير .

نعم , إذا عُلم أن الإمام منهم يعْدل عمداً عن قوله :” حديث صحيح ” إلى قوله :” إسناد صحيح ” فإن ذلك يورث ريبة في نسبة تصحيح الحديث إلى ذلك الإمام .

وكذا إذا عُلِمَ من صنيع إمام منهم أنه يُفرِّق بين العبارتين في الحكم على الحديث ؛ فيؤخذ بما عُلِم من صنيعه , وإلا فالأصل ما قدمته في حقه وحق أمثاله, وقد أشار إلى ذلك ملخصًا ابن الصلاح , حيث قال :”……غير أن المصنِّف المعتمد منهم ؛ إذا اقتصر على قوله: إنه صحيح الإسناد , ولم يذكر علة , ولم يقدح فيه؛ فالظاهر منه : الحكم له بأنه صحيح في نفسه , لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر , والله أعلم ” أ.هـ .

وقد فهم بعضهم كلام ابن الصلاح على غير وجهه؛ فانتقدوه ,مع أن كلام ابن الصلاح فيه عدة قيود , وهي :

أ- أنه لم يطلق أن الأصل عدم العلة والقادح في حق كل أحد , إنما قيَّد ذلك بالمصنف المعتمد , والمصنف هو الذي يؤلف في الأبواب , فيذكر حديثاً تحت باب , في مقام الاحتجاج به على الباب , ويصرح بأن إسناده صحيح ,   وهو رجل معتمد في هذا الفن , فيستبعد أن يجازف في هذا الحكم , إلا بعد أن يحول بفكره في كل معلوماته عن هذا الحديث، كما سبق .

ب – لم يجزم ابن الصلاح بأن الإمام يصحح الحديث بهذا القول، وإنما استظهر ذلك .

ج – لم يجعل ابن الصلاح الحكم بالصحة عامًّا عند المحدثين ؛ بل جعله مقصورًا على القائل :”إسناده صحيح ” والعالم لا يلزمه أن يقلِّد العالم , لكن العامي أو العاجز عن الاجتهاد مطلقًا , أو في بعض الحالات ؛ له أن يأخذ بقول العدل بهذه الضوابط , والله أعلم .

فان قيل: فإذا ثبتت عدالة الراوي وضبطه ؛كان الأصل :أن يحفظ ما روى ,حتى يتبين خلافه اهـ (1) .

فالجواب: قد سبق الرد على ذلك في الكلام على الضبط , وردَّ قول من قال : إن اشتراط الضبط يغني عن اشتراط نفي الشذوذ , وخلاصة ذلك: أن شرط الضبط شرط عام, وشرط نفي الشذوذ شرط خاص برواية معينة , ولا يلزم من ثبوت العام ومدح الراوي في الجملة , تحقق الشرط الخاص، وهو نفي الشذوذ عن هذه الرواية بعينها , ولا شك أن الشذوذ والمخالفة قد وقعت في أحاديث الأئمة الكبار – فضلاً عمن دونهم – فاذا اكتفيا بمجرد الضبط ؛ فهذا تصحيح للحديث مع الشك , وفيه ما فيه , والله أعلم .







(1) قاله السيوطي في ” التدريب ” ( 1 / 66 ) .

للتواصل معنا