الأسئلة الحديثية

ما هي طريقة معرفة الاتصال في السند؟

ما هي طريقة  معرفة الاتصال في السند؟

يُعْرف الاتصال بطرق ، وهي :

(1) التصريح.

(2) الترجيح.

(3) الاستنباط.

فأما ثبوت الاتصال بطريق التصريح؛ فإنه يُدْرك بأحد أمرين:

(أ) التنصيص من عارف بهذا الشأن، كأن يقول إمام : إن فلانًا سمع من فلان ، أو رواية فلان عن فلان متصلة ، أو نحو ذلك .

(ب) التصريح من الراوي في إسنادٍ ثابت إليه بالسماع من شيخه، كأن يقول: حدثني فلان، أو سمعت فلانًا، أو سألت فلانًا….إلخ.

ويُشْترط لقبول دعوى الاتصال من هذا الوجه شروطٌ:

(1) ثبوت الإسناد إلى مَنْ صَرَّح بالسماع.

(2)ألا يكون هذا الراوي واهمًا في تصريحه بالسماع ، أو كذابًا .

ويثبت وهمه في ذلك بنص إمام – كما سيأتي في الشرط الثالث – أو بجمع الطرق .

(3) ألا يعارض ذلك نصُّ إمامٍ على عدم سماع ذلك الراوي من شيخه، فإن نَفَى أئمة الحديث سماع هذا الراوي من شيخه؛ فكلامهم مقدم على مجرد ما جاء في السند ؛ لاحتمال أن يكون مَنْ دون الراوي وَهِمَ فصرح بالسماع,ظانًّا أن شيخه قال : سمعت فلانًا، وليس الأمر كذلك، ولاحتمال التصحيف أو التحريف في النسخ أو الطباعة، أو تَجوُّز الراوي في إطلاق السماع ممن لم يسمع منه ، كقول الحسن : حدثنا أبوهريرة ، يعني بذلك أن أباهريرة حدَّث أهل بلده ، لا أنه سمع بنفسه منه ، وهذا تجوُّز ، ولا شك أن المعلوم عند أئمة هذا الشأن بعدم السماع أولى، لاسيما عند وجود لاحتمال ، والله أعلم .

وأما ثبوت الاتصال بطريق الترجيح:

فكأن يختلف الأئمة في سماع الراوي من شيخه، ما بين مُثْبِتٍ ونافٍ ،فهنا يقال: “المثْبِت مُقَدَّم على النافي” وذلك: أن الإثبات يَثْبُتُ باطلاع المثْبِت على السماع ولو مرة واحدة، بخلاف النافي: فإنه يَدَّعي دعوى عريضة , لا تثبت إلا باطلاع كافٍ ومُسْتَوْعِبٍ لأحوال الراوي وشيخه، وفي هذا مشقة وتعسر، ولذا كان الإثبات – في الجملة – أولى، ومن عَلِمَ حجة على من لم يَعْلَم.

( تنبيه ): قاعدة: “المثبت مقدم على النافي” هي الأصل, ما لم يكن المثبت ليس من المتأهلين, أو كان للنافي مزية أو قرينة ترجح قوله في هذا الباب، والمثبت عارٍ عن هذه المزية، فإن كان الأمر كذلك؛ فلا يعتمد على كلام المثبت، ويبقى النافي مُسْتَصْحِبًا للأصل، وهو عدم ثبوت السماع إلا بدليل.

وأما ثبوت الاتصال بطريق الاستنباط ، فله صورتان:

(أ) أن يُدرِك الراوي شيخه إدراكًا بينًا، ويكون اللقاء ممكنًا .

ويُعْتَدُّ بهذه الطريقة في إثبات الاتصال بشرط: ألا يغمز إمام في سماع ذلك الراوي من شيخه ـ فضلاً عن تصريحه بعدم السماع – .

ومثال ذلك: ما إذا كان الراوي وشيخه كلاهما من أهل المدينة مثلاً , وكان سنُّ الراوي حين وفاة شيخه عشرين سنة – مثلاً – فهذا إدراك بيِّن، لأن الراوي في هذا السن – بل قبله ـ يكون متأهلاً لتحمل الحديث، وأَخْذِهِ عن المشايخ ، بخلاف ما إذا مات الشيخ والراوي ابن سنتين أو ثلاث، أو نحو ذلك.

ثم إن لقاء الراوي بشيخه ممكن لأنهما في بلدة واحدة، أو بلدتين قريبتين, وذلك بخلاف ما إذا كان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ، فإن اللقاء –حينئذ- يكون فيه مشقة, واحتمال عدم وقوعه قوي، ولا يُحْكَم بالاتصال مع الاحتمال القوي لعدمه، والله أعلم.

فإثبات السماع بهذه الطريقة إنما هو بالاستنباط لا التنصيص.

واشتراط عدم غمز الإمام في السماع ، مع وجود الإدراك البين؛ سببه: أنه قد يدركه ولا يسمع منه، كأن يكون الراوي لم يُبَكِّر في طلب الحديث- وإن كان كبير السن- حتى مات الشيخ ولم يسمع منه، وقد يلقى الراوي الشيخَ حال امتناعه عن التحديث, أو يلقاه حال اشتغاله بأمر عارض يمنعه من التحديث ,ونحو ذلك.

فإن قيل: إن مسلمًا – رحمه الله – يرى أن الاتصال يَثْبُتُ إذا كان اللقاء ممكنًا , مع البراءة من وصْمة  التدليس!!.

فالجواب: أن هذا الكلام صحيح ومقبول من مسلم ومن غيره,لكن بشرط ألا يغمز أحد من الأئمة في سماع الراوي من شيخه, فإنْ غَمَزَ أحدٌ من الأئمة في ذلك السماع؛ فعند ذلك لا نقبل دعوى الاتصال, وهذا هو الذي عليه المحققون ,انظر “شرح علل الترمذي” لابن رجب و”النكت على ابن الصلاح” للحافظ ابن حجر.

وسيأتي شيء من الكلام على ذلك في مبحث الحديث المعنعن -إن شاء الله تعالى-.

والذي جعلني أرجح تقييد كلام مسلم بالشرط السابق: أن مسلمًا – رحمه الله – إنما يحمل عنعنة من أمكن لقاؤه بشيخه مع براءته من التدليس على الاتصال, ولم يصرح بأن هذا اتصال صريح, وإنما هو محمول عنده على الاتصال, فإذا طعن إمام في الاتصال؛ فطعْنُه صريح، والصريح يقدم على المحتمل .

وهل يُلْحَق بالطعن الصريح في السماع ما إذا قال الإمام منهم في الراوي: “لا أعلمه سمع من فلان؟”  أو: “ما أُراه سمع منه؟” أو: “ما أدري أسمع أم لا؟ “ونحو ذلك؟.

والجواب: أن النفس تميل إلى إلحاق هذا بذاك أيضًا؛ لأن الأمر إذا كان محتملاً في نفي السماع وإثباته ؛ فالأصل عدم الإثبات ؛صيانة للسنة من أن يدخل فيها ما ليس منها، والله أعلم.

فإن قيل: نسلِّم بما ذكرتَ في حق الأئمة، باستثناء ابن المديني والبخاري ، فإنهما لا يؤخذ بغمزهما في رد المذهب الذي ذهب إليه مسلم ؛ لأنهما يشترطان في الاتصال ثبوت السماع ولو مرة واحدة.

فالجواب أن يقال: هل ثبت أنهما أطلقا اشتراط ذلك، أم خصصاه بما إذا وقع تنازع في الاتصال وعدمه ؟ فإن للبخاري بعض المواضع يُثْبِت فيها الاتصال دون توافر هذا الشرط (1).

وإن صح أنهما أطلقا الاشتراط ؛ فهل انفردا بذلك؟ أم تابعهما عليه غير واحد؟! فإن ظاهر كلام ابن رجب في “شرح العلل” أن هذا الذي أنكره مسلم , وشنع على مخالفه ؛ هو الذي عليه المحققون, وليس خاصًّا بابن المديني والبخاري، والله أعلم.

(ب) ومن صور ثبوت الاتصال بطريق الاستنباط: أن يحكم أحد الأئمة باتصال رواية راو عن شيخ له, مستدلاًّ بأنه قد سمع من فلان الأكبر أو أنه قديم الموت ، فمن سمع من الأكبر أو قديم الموت؛ فمن باب أولى أن يسمع من الصغير ، أو متأخر الوفاة، وهذا فرع عن الاستنباط من الإمام، وهو مقبول مالم يصرح أحد بعدم سماعه ، والله أعلم.








(1) كما في ” العلل الكبير ” للترمذي ( ص 241 ) برقم ( 437 ) باب ما قُطع من الحيِّ فهو ميت ، قال الترمذي : ” سألت محمدًا عن هذا الحديث ، فقلت له أترى هذا الحديث محفوظًا ؟ قال : نعم ، قلت : عطاء بن يسار أدرك أبا واقد ؟ قال : ينبغي أن يكون أدركه ، عطاء بن يسار قديم ” اهـ .


فتأمل كيف أثبت الاتصال بين عطاء وأبي واقد ، ومن ثَمَّ حكم بأن الحديث محفوظ ، والله أعلم .

للتواصل معنا