الأسئلة الحديثية

هل هناك فرق بين قولهم في راوٍ: «ليته حدث بما سمع» وبين قولهم: «ليته اكتفى بما سمع»؟

هل هناك فرق بين قولهم في راوٍ: «ليته حدث بما سمع» وبين قولهم: «ليته اكتفى بما سمع»؟

نعم بينهما فرق، وهو:

أنَّ القول الأول يدل على أنَّ الراوي سماعه صحيح من مشايخه، ولكنّه عسر في الراوية، ولا يحدث بما عنده، فإذا جاء رجل وظن به سوءاً وقال: إنَّه يسرق أ, يدلس، أو غير ذلك، أجيب عليه بذلك: «ليته حدث بما سمع»1، أي: هذا الذي لم يحدث بصحيح حديثه، هل يروي حديث غيره الذي لم يسمعه؟!!

كلا، فليس لهذه التهمة وجه، لأنَّ السارق أو المدلس يحمله الشره على رواية الحديث والاستكثار منه، وإن كان لكل منهما سبيل وحكم يختلف عن الآخر، أمّا العسر في الراوية فعكس ذلك تماماً.2

وأما القول الثاني فإنهّ يدل على أنَّ الراوي كان له سماع صحيح في بداية أمره، لكنّه لم يصبر على ما رزقه الله، فوثب على حديث غيره، وكذب وسرق، وادعى سماع ما لم يسمع، ولقاء من لم يلق3، وفي مثل هؤلاء يقول ابن حبان متهكماً: «فلان أخرجت له الأرض أفلاذ أكبادها» فالله المستعان.4

الحواشي


([1]) مثاله ما جاء في ترجمة سعيد بن سليمان بن سعدويه البزار في «تاريخ بغداد» (9/86) قال صالح بن محمد: سمعت سعيد بن سليمان، وقيل له: لمَ لا تقول حدّثنا؟ فقال: كل شيء حدثتكم به فقد سمعته ما دلست حديثاً قط ليتني أحدث بما قد سمعت. اهـ.

([2]) قال المعلمي – رحمه الله – في «التنكيل» (ص:445).

والتعسر في الراوية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد وهذه الصفة تنافي التزيد ودعوى سماع ما لم يسمع، إنّما يدعي سماع ما لم يسمع من له شهوة شديدة في ازدحام الناس عليه وتكاثرهم حوله، ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس بدعوهم إلى السماع منه ويرغبهم في ذلك، فأما من بأبي التحديث بما سمع إلا بعد جهد فأي داعٍ له إلى التزيد؟ اهـ.

([3]) انظر «الشفاء» (ص:462).

([4]) مثال ذلك ما جاء في «المجروحين» (2/264) ترجمة محمد بن عبدالرحمن البيلماني، قال ابن حبان: «كان ممن أخرجت له الأرض أفلاذ كبدها، حدث عن أبيه بنسخة شبيهة بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج بها ولا ذكره في الكتب إلا على جهة التعجب». اهـ.

وانظر ذلك بتوسع في «الشفاء» (ص:276)، والله أعلم.