قد يذكر بعض الأئمة في بعض الرواة أنَّه لا يعتبر بحديثه، أو لا يمكن أن يعتبر بحديثه، فما سبب ذلك؟
هذا اللفظ يقال كثيراً في المتروكين أهل التخليط الفاحش والاضطراب الشديد، ولا يجوز أن يستشهد بحديثهم، لكن قد يقال على غير ذلك، فمن ذلك أنَّ الراوي إذا كان مقلاً، فلا يمكن أن يعتبر بحديثه، أي: لا يمكن أن نعرف حاله ونحكم عليه بما يستحق، بسبب قلة حديثه؛ لأنَّ الراوي إذا كان مقلاً، فلا يتمكن الناقد من تبحر حديثه وسبره ومقارنته بغيره، فقد يكون ثقة، لكنه وهم في هذا القدر القليل من الحديث، فيُحكم عليه بالترك، وقد يكون سارقاً لكنّه سرق أحاديث مشهورة، فيُوثَّق، وكلا الأمرين فيه تأمل، ولذلك تجد ابن عدي في «الكامل» يقول: «وفلان في مقدار ما يرويه لم يتبين لي صدقه من كذبه»، وانظر «الجرح والتعديل» (5/222-223).
وقد يكون السبب في هذا القول أنَّ الراوي انفرد بالراوية عنه ضعيف، وقد يكون شيخه أيضاً ضعيفاً، أو يكون أحد الأمرين، فحينذاك من أراد أن يحكم عليه، ورأى نكارة في السند أو المتن، وأراد أن يعرف سببها، فإنَّه لا يظهر له ذلك؛ لأنَّ النكارة قد تكون من هذا المجهول، وقد تكون من تلميذه أو شيخه اللذين ثبت ضعفهما من قبل، وانظر «الجرح والتعديل» (3/437-438) وممن يكثر من ذلك ابن حبان – رحمه الله – في كتاب «المجروحين».
وقد يقال هذا في المدلسين الذين لا يعتبر بحديثهم في الحكم على مشايخهم وتلامذتهم؛ لأنَّه من المحتمل أن يكون السبب في النكارة من أسقطه المدلس، والله أعلم.1