الأسئلة الحديثية

ما معنى قول بعض المحدّثين: هذا حديث غريب؟

ما معنى قول بعض المحدّثين: هذا حديث غريب؟

الشيخ الألباني – رحمه الله – كثيراً ما يفسر قول الترمذي: حديث غريب، وكذلك قول الزيلعي في «نصب الراية» حديث غريب، بأنّه ضعيف، وأحياناً يقول: لا أصل له، وكثيراً ما يقول: يعني أنّه ضعيف([1]) والحديث الغريب: هو رواية الراوي عن شيخه عن شيخه، وليس له طرق أخرى تخرجه من حيز الغريب إلى حيز العزيز أو غيره، فهو رواية الواحد عن الواحد عن الواحد، وقد يكون في بعض الطبقات أو أ:ثرها ليس غريباً، لكن يصدق عليه التعريف بوجوده من طريق واحد فقط، ولو في طبقة واحدة،([2]) ولا يلزم من كونه غريباً أن يكون ضعيفاً، فقد يكون غريباً وصحيحاً، كما في حديث: «إنّما الأعمال بالنيّات» فإنّه غريب الأصل، جاء من جهة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسمعه عمر، وعمر حدّث به، فرواه عنه علقمة، وعلقمة حدّث به، فرواه عنه محمد بن إبراهيم التيمي، والتيمي حدّث به، فرواه عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وبعد يحيى بن سعيد الأنصاري انتشرت الطرق، وكثرت، حتى ذكر بعض العلماء أنّه من بعد يحيى بن سعيد الأنصاري رواه سبعمائة نفس، لكن الحافظ ابن حجر ردّ هذا القول، فذكر أنّه تتبع السنن، والمسانيد، والأجزاء، والراويات بقدر استطاعته فلم يبلغ المائة([3]).

على كل حال فالحديث الغريب، قد يكون صحيحاً أو حسناً، وقد يكون ضعيفاً، ولكن الترمذي يكثر من إطلاقه بمعنى الضعيف، والله أعلم.



([1]) قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في «الضعيفة» تعليقاً على حديث: «من صلّى خلف عالم تقيّ؛ فكأنما صلّى خلف نبي»، قال: لا أصل له، وقد أشار لذلك الحافظ الزيلعي، بقوله في «نصب الراية» (2/26) «غريب» وهذه عادته في الأحاديث التي تقع في «الهداية» ولا أصل لها فيما كان من هذا النوع «غريب» فاحفظ هذا فإنّه اصطلاح خاص به اهـ (2/44 رقم 573) وفي «الإرواء» (3/359) قال الترمذي في حديث: «غريب»، فقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى معلقاً عليه: يعني ضعيف وكذا في (4/150) والله تعالى أعلم.

([2]) قال القسطلاني: الغريب ما انفرد راوٍ بروايته زيادة، فيه عمن يجمع حديثه، كالزهري أحد الحفاظ في المتن، أو السند، ويقسم إلى غريب صحيح كالأفراد المخرجة في «الصحيحين» وإلى غريب ضعيف وهو الغالب وإلى غريب حسن، «نقلاً من معجم مصطلحات توثيق الحديث» (ص:56).

وقال الجرجاني في «التعريفات»: الغريب من الحديث ما يكون إسناده متّصلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن يرويه واحد إمّا من التابعين أو من أتباع التابعين أو من أتباع أتباع التابعين (ص:208)، وقال الحافظ ابن حجر في «النزهة» (70) الغريب: وهو ما يتفرّد بروايته شخص واحد في أي موضع وقع التفرد به من السند على ما سيقسَم إليه الغريب المطلق والغريب النسبيّ، اهـ. وهو الأصح والله أعلم.

([3]) قال الحافظ رحمه الله تعالى في «فتح الباري» (1/11): «وعرف بهذا التقدير غالط من زعم أنّ حديث عمر متواتر؛ إلا إن حمل على (التواتر المعنوي) فيحتمل نعم قد تواتر عن يحيى بن سعيد فحكى محمد بن سعيد النقاش الحافظ: أنّ رواه عن يحيى مائتان وخمسون نفساً، وسرد أسماءهم أبو القاسم ابن مندة فجاوز الثلاثمائة، وروى أبو موسى المديني، عن بعض مشايخه مذاكرة، عن الحافظ أبي إسماعيل الأنصاري الهروي، قال: كتبته من حديث سبعمائة من أصحاب يحيى.

قلت: وأنا أستبعد صحة هذا فقد تتبعت طرقه من الروايات المشهورة والأجزاء المنثورة منذ طلبت الحديث إلى وقتي هذا فما قدرت على تكميل المائة… إلخ اهـ.

وقال رحمه الله في «التلخيص الحبير» (1/97) في الوضوء: «تتبعته من الكتب والأجزاء، حتى مررت على أكثر من ثلاثة آلاف جزء، فما استطعت أن أكمل له سبعين طريقاً». اهـ.

وانظر كذلك «مقدمة تهذيب التهذيب» (1/4-5) والله أعلم.

ذكر هذه العلّة الإمام الزركشي رحمه الله تعالى في تعقبه على أبي الوليد الباجي، قال أبو الوليد: ذهب جمهور أصحاب الحديث إلى أنّ الراوي إذا روى عنه واحد فقط فهو مجهول، وإذا روى عنه اثنان فصاعداً فهو معلوم انتفت عنه الجهالة، قال: وهذا ليس بصحيح عند المحققين من أصحاب الأصول لأنّه قد يروي الجماعة عن الرجل لا يعرفون حاله، ولا يخبرون شيئاً من أمره، ويحدّثون بما رووا عنه، ولا تخرجه روايتهم عنه عن الجهالة، إذا لم يعرفوا عدالته.

قال الزركشي: قلت: مراد المحدثين ارتفاع جهالة العين لا الحال، وعمدتهم أنَّ رواية الاثنين بمنزلة الترجمة في الشهادة، والله أعلم «البحر المحيط» (4/283).

للتواصل معنا