الأسئلة الحديثية

ما قولكم في قول من قال: إنّ حديث الصحابي الموقوف الذي ليس من قبيل الرأي أنّه يقبل؟

ما قولكم في قول من قال: إنّ حديث الصحابي الموقوف الذي ليس من قبيل الرأي أنّه يقبل؟

الصحابة – رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم جميعاً – هم أخوف الناس من القول على الله بغير علم، وهم أول الناس التزاماً بمثل هذه الآية: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ  إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾ ([1]) وقوله تعالى﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾([2]) فالصحابي إذا روى خبراً في أمور الآخرة، فقال مثلاً: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال له: كذا، فيقول: كذا، فيقال له كذا؟ هل يليق بنا أن نقول: إن هذا الصحابي يتهجم على الغيب، ويذكر هذه المسألة، دون أن يكون معه من نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذن بهذا؟ هذا أمر مستبعد، ولذلك فكثير من أهل العلم يقولون: إنّ هذا ليس من قبيل الرأي، أو ليس من قبيل الاجتهاد، أو ليس للاجتهاد فيه مسرح أو مدخل، فمن هنا يرجحون أن يكون له حكم الرفع، وأن يكون موقوفاً لفظاً مرفوعاً حكماً، واشترطوا مع هذا الأمر أن لا يكون هذا الصحابي من المعروفين برواية الإسرائيليات، مثل: عبدالله بن عمرو بن العاص صاحب الزاملتين([3]) ومثل أبي هريرة الذي كان يأخذ عن كعب الأحبار([4])، ومثل: ابن عباس([5]) – على بحث في ذلك -، وعبدالله بن سلام – رضي الله عنهم -، فلا يقبل منهم الكلام في الأمور الغيبية؛ لأنّهم ربما أخذوه عن بني إسرائيل، أمّا إذا كان الراوي لا يحدث عن بني إسرائيل، ويتكلّم في المسائل الغيبية، فلا نقول: إنّه من اليقيني أنّه قد سمعه من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن نقول إنّه من الراجح أن يكون أخذه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وغلبة الظن يُعمل بها، وبهذا يترجح لدينا أن يكون من قبيل المرفوع حكماً، وأن يحتج بمثل هذا، والله أعلم[6].


([1]) سورة الإسراء الآية: 36.

[2])) سورة الأعراف الآية: 33.

([3]) عبدالله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سُعّيْد بالتصغير السهمي: أبو محمد، وقيل: أبو عبدالرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «النكت» (2/533): فإنّه حصل له في وقعة اليرموك كتب كثيرة من كتب أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان بعض أصحابه ربّما قال له: حدّثنا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا تحدثنا عن الصحيفة، فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر به من الأمور التي قدمنا ذكرها الرفع لقوة الاحتمال، والله أعلم.

([4]) كعب الأحبار هو: كعب بن مانع الحميري اليماني، العلامة الحبر، الذي كان يهوديّاً فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد قدم المدينة من اليمن في أيام عمر رضي الله عنه -، فجالس أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان يحدّثهم من الكتب الإسرائيلية، ويحفظ العجائب ويأخذ السنن عن الصحابة وكان حسن الإسلام متين الديانة، من نبلاء العلماء. اهـ «السير» للذهبي (3/489-490).

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في «تفسيره» (3/378-379) (سورة النمل آية: 44) بعد ذكره لبعض القصص الإسرائيلية قال: «والأقرب في مثل هذه السياقات أنّها متلقاة عن أهل الكتاب مما وجد في صحفهم كروايات كعب ووهب، سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه الأ/ة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان، وما لم يكن ومما حرف وبدل ونسخ… إلخ.

هذا وقد نسب إلى أبي هريرة، رواية الإسرائيليات بسبب روايته عن كعب الأحبار.

قال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (8/138): وقال مسلم بن الحجاج: ثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي: ثنا مروان الدمشقي: عن الليث بن سعد حدثني بكير بن الأشج، قال: قال لنا بشر بن سعيد: اتقوا الله وتحفّظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويحدث عن كعب الأحبار، ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كعب وحديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي رواية يجعل ما قاله كعب عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما قاله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كعب، فاتقوا الله وتحفظوا في الحديث.

وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: أبو هريرة كان يدلس أي يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يميِّز هذا من هذا، ذكره ابن عساكر… إلخ اهـ.

هذا وقد دافع الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في «فتح الباري» (6/353) عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال: وفيه أنّ أبا هريرة لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب، وأنّ الصحابي الذي يكون كذلك إذا أخبر بما لا مجال لرأي والاجتهاد فيه يكون للحديث حكم الرفع. اهـ والأول أصح وهو مشهور عن أبي هريرة والله المستعان.

([5]) انظر مقدمة الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسير القرآن العظيم» (1/13) بتحقيق شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى -.

([6]) قال ابن حجر رحمه الله تعالى -: ومثال المرفوع من القول حكماً لا تصريحاً أن يقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات ما لا مجال للاجتهاد فيه ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح غريب كالأخبار عن الأمور الماضية، وبدء الخلق، وأخبار الأنبياء، أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة، وكذا الأخبار عمّا يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص. انتهى من «نزهة النظر» (ص:141) وانظر كذلك «توضيح الأفكار» (1/281).

للتواصل معنا