الأسئلة الحديثية

ما معنى قولهم في حديث ما: ظاهره الإرسال؟

ما معنى قولهم في حديث ما: ظاهره الإرسال؟

هذا يكون موجوداً في بعض الأحاديث، فيقول واحد من العلماء: هذا حديث ظاهرة الإرسال، كأن يروي – مثلاً – عروة بن الزبير قصة وقعت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعائشة – رضي الله عنها -، فمن المعلوم أنَّ عروة لم يدرك زمان هذه القصة، فإنّه ما أدرك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا أدرك كلامه مع عائشة،، ولا كلام عائشة معه، فإذا جمعنا الروايات؛ ووجدنا أنَّ عروة – في رواية أخرى – أسند الحديث، وحدث بالحديث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فنقول – حينئذ – في الراوية الأولى: وهذا الحديث ظاهرة الإرسال، أي: لكن حقيقته الاتصال لمجيئه من طريق أخرى متّصلة([1])، وبعضهم يحتمل – وإن لم يأت من طريق أخرى مسندة – أن عروة أخذه عن عائشة، فإن مثل هذا الشيء الذي يقع بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزوجته في داخل الغرفة، لم يطلع عليهما أحد من البشر، فإنّه ما يعقل أنّ عروة يتكلّم عن شيء ما رآه، وهو مكثر عن عائشة، وعائشة خالته فما الذي يمنع أنّها قد أخبرته بمثل هذا الحديث([2])؟ وقد ذكرت رواية عروة عن عائشة مثالاً للراوي المكثر عمن يروى، لا أن هذا الحكم مختص بهذه الترجمة، والله أعلم.



([1]) مثاله: ما أخرجه البخاري (5/200 رقم 2538 فتح): ثنا عبيد بن إسماعيل، ثنا أبو أسامة، عن هشام، أخبرني أبي: أنَّ حكيم بن حزام رضي الله عنه أعتق في الجاهليّة مائة رقبة، وحمل على مائة بعير، فلمّا أسلم حمل على مائة بعير وأعتق مائة رقبة، قال: فسألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم… الحديث.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله -: (قوله أنَّ حكيم بن حزام أعتق)، ظاهر سياقه الإرسال لأنَّ عروة لم يدرك زمن ذلك لكن بقية الحديث أوضحت الوصل وهو قوله: قال: فسألت، فقائل قال: هو حكيم، فكأن عروة، قال: قال حكيم، فيكون بمنزلة قوله عن حكيم، وقد أخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام فقال: عن أبيه عن حكيم» اهـ.

([2]) قال ابن رجب رحمه الله في «شرح العلل» (222-224): فأمّا قول الراوي: أنَّ فلاناً قال، فهل يحمل على الاتّصال أم لا؟ فهذا على قسمين:

فذكر القسم الأول ثم قال:

القسم الثاني: أن يكون ذلك القول المحكي عن المروي عنه، أو الفعل مما لا يمكن أن يكون قد شهده الراوي مثل أن لا يكون قد أدرك زمانه كقول عروة: أنّ عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كذا وكذا، فهل هو مرسل لعدم الإتيان بما يبين أنّه رواه عن عائشة أم هو متّصل لأنّ عروة قد عرف بالراوية عن عائشة، فالظاهر أنّه سمع ذلك منها، هذا فيه خلاف.

قال أبو داود سمعت أحمد قيل له: أنّ رجلاً قال: عن عروة قالت عائشة: يا رسول الله! وعن عروة عن عائشة سواء، قال: كيف هذا سواء، ليس هذا بسواء.

قال ابن رجب: الحفاظ كثيراً ما يذكرون مثل هذا ويعدونه اختلافاً في إرسال الحديث واتصاله وهو موجود كثيراً في كلام أحمد وأبي زرعة وأبي حاتم والدارقطني وغيرهم من الأئمة، ومن الناس من يقول هما سواء كما ذكر ذلك لأحمد، وهذا إنما يكون فيمن اشتهر بالراوية عن المحكي قصته كعروة مع عائشة، أمّا من لم يعرف له سماع منه فلا ينبغي أن يحمل على الاتصال ولا عند من يكتفي بإمكان اللقي، وانظر «التنكيل» للمعلمي (ص:274).

وفي «النكت» للحافظ ابن حجر رحمه الله في (2/590-591) قول ابن الصلاح: «فروينا عن مالك أنّه كان يرى «عن فلان» وأ، فلاناً سواء وعن أحمد بن حنبل أنّهما ليسا سواء، قال الحافظ.

قلت: ليس كلام كل منهما على إطلاقه، وذلك يتبين من نص سؤال كل منهما عن ذلك، أمّا مالك، فإنّه سئل عن قول الراوي «عن فلان أنّه قال: كذا وأن فلاناً قال: كذا، فقال هما سواء وهذا واضح وأمّا أحمد فإنّه قيل له: إنّ رجلاً قال عن عروة عن عائشة وعن عروة أنّ عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هل هما سواء؟ فقال: كيف يكونان سواء؟ ليسا سواء فقد ظهر الفرق بين مراد مالك وأحمد.

وحاصله:

أنّ الراوي إذا قال: عن فلان، فلا فرق أن يضيف إليه القول أن الفعل في اتصال ذلك عند الجمهور بشرطه السابق، وإذا قال: إنّ فلاناً، ففيه فرق، وذلك أن ينظر، فإن كان خبرها قولاً لم يتعد لمن يدركه التحقت بحكم «عن» بلا خلاف كأن يقول التابعي: إنّ أبا هررة رضي الله عنه قال: سمعت كذا، فهو نظير ما لو قال عن أبي هريرة أنّه قال: سمعت كذا، وإن كان خبرها فعلاً نظر إن كان الراوي أدرك ذلك التحقت بحكم عن وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها.

فكون يعقوب بن شيبة قال في رواية عطاء عن ابن الحنفية، أن عماراً مر بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا مرسل.

إنما هو من جهة كونه أضاف إلى الصيغة الفعل الذي لم يدركه ابن الحنفية وهو مرور عمار إذ لا فرق أن يقول أن الحنفية: أن عماراً مر بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بعمار فكلاهما سواء في ظهور الإرسال، ولو كان أضاف إليها القول كأن يقول: عن ابن الحنفية أنّ عماراً قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكان ظاهر الاتصال.

وقد نبه شيخنا على هذا الموضع فأردت زيادة إيضاحه، ثم إنّه نقل عن ابن المواق تحرير ذلك واتفاق المحدثين على الحكم بانقطاع ما هذا سبيله، وهو كما قال، لكن في نقل الاتفاق نظر… إلخ اهـ.

للتواصل معنا