الأسئلة الحديثية

إذا قال بعض أئمة الجرح والتعديل في راوٍ: «غير مشهور بالطلب» فهل يكون مجهولاً؟

إذا قال بعض أئمة الجرح والتعديل في راوٍ: «غير مشهور بالطلب» فهل يكون مجهولاً؟

يُرْجَع في ذلك إلى عدد الرواة عنه، فإذا كان الرواة عنه جمعاً، فينتقل من جهالة العين إلى جهالة الحال، وإذا كان الراوي عنه واحداً، فهو في هذه الحالة يكون مجهول عين([1])، – على تفاصيل في ذلك سبق شرحها إلا أنني ألفت النظر إلى أنّهم قد يقولون في الراوي: «ليس مشهوراً بالطلب» أي: كشهرة غيره من المشاهير، وليس اهتمامه بالعلم، كاهتمام يحيى بن معين، وأحمد وابن المديني، والثوري، وفلان وفلان([2])، ومعلوم أنَّ هناك طبقة من الثقات، كثيرٌ عددهم، لم يصلوا إلى منزلة هؤلاء الأفذاذ والكبار المشهورين، مع كونهم ثقات، فالكلمة في ذاتها إذا لم تكن هناك قرينة تدل على نفي الكمال، أو أن الراوي ثقة وإن كان مقلاً في باب الراوية فهي تدل على أنَّه في حيز الجهالة، جهالة عين أو حال، على حسب عدد الرواة، ولكن مسألة عدد الرواة هذه، ليست قاعدة مطردة، إنّما هي تقريبية، فقد يروي واحد عن الرجل، ويرفع جهالة عينه([3])، وقد يروي جماعة عن الرجل، ولا يرفعون جهالة عينه، فالعبرة مع العدد بحال الرواة، فقد يروي عنه جماعة متروكون وكذّابون، وقد يروي عنه إمام ينتقي كالإمام أحمد، وشعبة، وابن مهدي، وابن المديني، وهم ينتقون غالباً، وإلا فقد ثبت أنّهم رووا عن ضعفاء، بل وعن قوم هلكى([4])، الشاهد من هذا كله أنّه لا بد من الرجوع إلى عدد الرواة وحالهم، إلا أن يكون في الترجمة مع هذا القول أن أ؛د الأئمة يقول: هو ثقة، لا سيّما إن كان قائل هذه الكلمة المسؤول عنها هنا، هو الذي يقول: إنّه ثقة، فإذا كان ذلك كذلك فلا بد أن تحمل هذه الكلمة على أنّه ليس مشهوراً كشهرة غيره من المشاهير، وإن كان ثقة في نفسه, والله أعلم.



([1]) قلت: ومثال ذلك ما جاء في «الكامل» لابن عدي ترجمة بشير بن زياد الخراساني قال ابن عدي رحمه الله «غير مشهور» ليس بالمعروف لم أرَ أحداً روى عنه غير إسماعيل بن عبدالله بن زرارة (2/455) وفي «تهذيب التهذيب» ترجمة الضحاك بن عثمان العرزبي لم يذكر الحافظ عنه راوياً إلا محمد بن حماد وقال المزي: «غير مشهور» وترجم له الحافظ في «التقريب» بقوله: «غير مشهور».

([2]) قال المؤلف حفظه الله تعالى في كتابه «شفاء العليل»:

يطلق ذلك ويراد أنّه ليس بمشهور كالمشاهير الكبار مثل يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وأحمد ويحيى بن معين وغيره، وكثيراً ما يقف الباحث على هذا اللفظ في «الكامل» وفي «تاريخ بغداد» وكتب الذهبي، وقد يكون بمعنى ليس بالمشهور كأقرانه كما في «تعجيل المنفعة» ترجمة محمد بن أيوب بن ميسرة. قال أبو حاتم: «صالح لا بأس به ليس بمشهور» قال الحافظ: «قلت واورده النباتي في «الضعفاء» في ذيل «الكامل»، قال الذهبي في «الميزان»: وما فيه «مغمز» انتهى.

قال الحافظ: «ولعل مستند النباتي قول أبي حاتم: ليس بمشهور ففهم من ذلك أنّه عند أبي حاتم مجهول وليس كذلك بل مراد أبي حاتم أنّه لم يشتهر في العلم اشتهار غيره من أقرانه مثل سعيد بن عبدالعزيز وأنظاره». اهـ (ص:359).

قال المؤلف: ويؤيد كلام الحافظ أنَّ أبا حاتم قرن قوله هذا بقوله صالح لا بأس به، والله أعلم. «شفاء العليل» (ص:427).

([3]) قال يعقوب بن شيبة: قلت ليحيى بن معين: متى يكون الرجل معروفاً؟ إذا روى عنه كم؟ إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي وهؤلاء أهل العلم فهو غير مجهول.

قلت: فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق، قال: هؤلاء يروون عن مجهولين. اهـ.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى في «شرحه لعلل الترمذي»: وهذا تفصيل حسن وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي، الذي تبعه عليه المتأخرون أنَّه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعداً عنه «شرح العلل لابن رجب» (1/378).

([4]) سبق تفصيل ذلك في السؤال السابع، والتعليق عليه كما تراه في رقم (64-67)، والله أعلم.

للتواصل معنا