الأسئلة الحديثية

قولهم في الراوي: «فلان أخطأ في أحاديث، ولم يتراجع» هل هذه العبارة من عبارات الجرح أو التعديل؟ ومتى تكون جرحاً ومتى تكون تعديلاً؟

قولهم في الراوي: «فلان أخطأ في أحاديث، ولم يتراجع» هل هذه العبارة من عبارات الجرح أو التعديل؟ ومتى تكون جرحاً ومتى تكون تعديلاً؟

هذه العبارة من عبارات الجرح بلا شك، فقولهم: «أخطأ في أحاديث» معناه أنَّ الثقات رووا الحديث على غير الوجه الذي رواه هذا الراوي به، ويعبرون عن ذلك أحياناً، بقولهم: «فلان أخطأ ويُصِرُّ»، أو «يُصِرُّ على الخطأ»، وقد جعل شعبة وابن مهدي وغيرهما الإصرار على الخطأ من أسباب ترك الرجل، وترك روايته، لكن لامسألة هنا فيها تفصيل ذكرته في «شفاء العليل»([1])، فالإمام من الأئمة قد يصر، ولا يضره شيئاً، كرواية مالك بن أنس في حديث: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم»([2]) ([3] ) أمَّا إذا لم يكن المصر من هؤلاء الأئمة الكبار، ويخطئ خطأ فاحشاً، والعلماء يراجعونه فيه ولم يرجع، كأن يقلب الثقةَ بضعيف، أو الضعيفَ بثبة، أو يأتي في المتن بزيادة منكرة مخالفة لأصول الشريعة، ففي هذه الحالة يُضَعَّف الراوي ويُجِرَّح([4]).

فعُلِم أنَّ المصر على هذه الهيئة لا يقبل، بل يترتب على ذلك ترك روايته، كما صرَّح بذلك شعبة رحمه الله حين سئل: من نقبل روايته، ونم نرد روايته؟ فقال: تقبل رواية… إلا مبتدعاً، فصرَّح بأن لا تقبل رواية المبتدع الذي يدعو إلى بدعته، أو من يصر على خطئه أو يكذب في حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إلى غير ذلك([5])، ولكن المهم التفرقة بين من هو إمام من الأئمة، حصلت له ثقته بحفظه وبكتابه، وبَيْن آخر يُحْكَم عليه بأنّه من المتوسطين، وينبغي أن ينظر أيضاً في نوع الخطأ، هل هو خطأ فاحش خفيف؟ كل هذا ينبغي أن يراعي عند الحكم على الراوي، حتى يحكم عليه بالعدل الذي ليس فيه بخس ولا شطط.



([1]) «شفاء العليل» (1 ص:348-350).

([2]) أخرجه البخاري (1588، 4283)، ومسلم (1614) اهـ المؤلف.

([3]) أصر الإمام مالك رحمه الله على قوله في هذا الحديث عن عمر بن عثمان بضم العين المهملة، والصواب عمرو بن عثمان بفتح العين المهملة.

([4]) في «التنكيل» (ص:34) ترجمة الهيثم بن خلف الدوري، قال المعلمي رحمه الله -: الخطأ الذي يضر الراوي الإصرار عليه هو ما يخشى أن تترتب عليه مفسدة، ويكون الخطأ من المصر نفسه وذلك كمن يسمع حديثاً بسند صحيح فيخلط فيركب على ذلك السند متناً موضوعاً فينبه أهل العلم فلا يرجع… إلخ اهـ.

وفي «الكفاية» (ص:228) ساق الخطيب إسناده إلى الحسين بن منصور قال: سئل أحمد بن حنبل: عمن يكتب العلم؟ فقال: عن الناس كلهم، إلا عن ثلاثة: صاحب هوى يدعو إليه، أو كذاب فإنّه لا يكتب عنه قليل ولا كثير أو عن رجل يغلط فيرد عليه فلا يقبل وفيه كذلك عن الحميدي أنّه قال:

فإن قال قائل: فما الحجة في الذي يغلط فيكثر غلطه؟ قلت: مثل الحجة على الرجل الذي يشهد على من أدركه ثم يدرك عليه في شهادته أنّه ليس كما شهد به ثم يثبت على تلك الشهادة، فلا يرجع عنها، ولأنّه إذا كثر ذلك منه لم يطمأن إلى حديثه وإن رجع عنه لما يخاف أن يكون مما يثبت عليه من الحديث مثل ما رجع عنه وليس هكذا الرجل يغلط في الشيء فيقال له فيه فيرجع ولا يكون معروفاً بكثرة الغلط.

وفي (ص: 232) قال الخطيب: قال السهمي: سألت أبا الحسن الدارقطني عمن يكون كثير الخطأ؟ قال: إن نبهوه عليه، ورجع عنه فلا يسقط، وإن لم يرجع سقط. اهـ.

([5]) بوب الخطيب رحمه الله في «الكفاية» (ص:229) باب: «فيمن رجع عن حديث غلط فيه وكان الغلب على روايته الصحة أن ذلك لا يضره» ثم قال:

قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا، عن عبدالله بن المبارك، وأحمد بن حنبل، وعبدالله بن الزبير الحميدي الحكم في من غلط في رواية حديث، وبين له غلطه فلم يرجع عنه وأقام على رواية ذلك الحديث أنّه لا يكتب عنه، وإن هو رجع قبل منه وجازت روايته، وهذا القول مذهب شعبة بن الحجاج أيضاً.

ثم ساق سنده إلى نعيم بن حماد قال: حدثني عبدالرحمن بن مهدي قال: كنّا عند شعبة فسئل: يا أبا بسطام! حديث من يترك؟ قال: من يكذب في الحديث، ومن يكثر الغلط، ومن يخطئ في حديث مجتمع عليه فيقيم على غلطه فلا يرجع، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون اهـ وفي سنده نعيم بن حماد الخزاعي «ضعيف» إلا أن ذلك من الأقوال المشهورة عن شعبة وعن غيره كما سبق، والله أعلم.

للتواصل معنا