ابن عدي – رحمه الله تعالى – يقول في بعض الرواة: «فلان ليس حديثه بالكثير» هل يقصد به توهين الراوي؟
قول أحد النقاد في الراوي: «إنَّه قليل الحديث»، أو «ليس بكثير الحديث» كل هذا يدل على أنَّ الراوي ليس من المشتغلين بهذا العلم كاشتغال غيره من الثقات، والراوي إذا لم يكن في ترجمته أي تعديل ولا تجريح إلا مثل هذه الكلمة؛ فإنَّها تدل على أنَّه لين، وقد سبق أن ذكرت أنَّ من أسباب الحكم بالجهالة على الراوي؛ قلة روايته، فإذا كان كذلك، فحينئذٍ يُحكم عليه بالجهالة إذا لم يُوثَّق ولم يُجرَّح، وقد سبق أيضاً قول ابن عدي في «الكامل»: «فلان في مقدار ما يرويه لم يتبين لي صدقه من كذبه»([1])، أي: أنَّ حديثه قليل، ولا أستطيع أن أحكم عليه بأنَّه ثقة أو ضعيف، لأنِّي لو قارنت حديثه بحديث غيره من الثقات، فربّما يكون كذاباً سرق هذا الحديث، فوافق حديث الثقات، فأوثقه، وليس الأمر كذلك، وربّما أن يكون ثقة ووهم في هذا الحديث، فأضعفه، أي وليس الأمر كذلك، المهم أنَّ الراوي إذا كان مقلاً في الراوية، فلا يتأتى للناقد أن يحكم عليه بما يستحق – غالباً – فلذا يحكم عليه بالجهالة، وقلة الراوية قد تكون سبباً في الحكم بالجهالة على الراوي، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر وغيره، وذكر أيضاً أن تصرف المدلسين في اسم الرجل، وكنيته، ولقبه، أو ما يعرف به قد يؤدي هذا كله في النهاية إلى تعمية أمر الرجل، فيظن الظانُّ أو الواقف على رواية هذا الرجل، أنَّهم عدة رجال، فيحكم على كل رجل بعينه بأنَّه مجهول([2])، ولو تنبه وعلم أنَّ هذه أسماء وكني وألقاب لرجل واحد، لجمع عدد الرواة الذين رووا عنه، ولرفعه من جهالة العين على الأقل إلى جهالة الحال، أو عرف عين الرجل وحاله من مواضع أخرى، فالحكم على الرجل بأنَّه قليل الحديث يدل على تليينه أو جهالته، ما لم يكن قد وثّقه أحد، والحكم بقلة الحديث أو الراوية، دليل على قلة اشتغال الراوي بهذا العلم، وقلة الاشتغال بهذا العلم، دليل على قلة الضبط والإتقان لهذا الأمر، لكن المهم أن النظر في الترجمة من جميع جوانبها، والنظر في المراد من قولهم: «ليس بمكثر» هل المراد بذلك القلة؟ أم أنَّه ليس بمكثر بالنسبة لغيره من المكثرين، أو ليس بكثير الراوية كابن المديني وابن معين وفلان وفلان، أمَّا إذا كان ذكر القلة هنا أمراً نسبياً، أي: بالنسبة إلى غيره من الأئمة، فقد يكون ثقة، بل قد يكون ثقة ثبتاً، لكنَّه مقل بالنسبة لغيره من هؤلاء، والله أعلم.
([1]) ومما يدل على ما سبق أيضاً ما جاء في «الميزان» (2/343) ترجمة الحكم بن عتبة بن نهاس، قال الذهبي: وقال ابن الجوزي: إنّما قال أبو حاتم: هو مجهول؛ لأنّه ليس يروي الحديث وإنّما كان قاضياً بـ «الكوفة»… إلخ اهـ.
فانظر كيف كان عدم الاشتغال بالحديث سبباً في جهالة الراوي عند المحدثين وإن كان مشهوراً من جهة أخرى، والله أعلم.
وانظر ذلك موسعاً في السؤال رقم (7).
([2]) بل قد يشعر هذا التصرف بضعف الراوي فقد ذكر المعلمي – رحمه الله – في «تنكيله» (ص:432) ترجمة الحارث بن عمير، قال: وساق الخطيب في «الموضح» فصلاً في ابن زنبور فذكر أنَّ الرواة عنه غيروا اسمه على سبعة أوجه، وهذا يشعر بأن الناس كانوا يستضعفونه لذلك كان الرواة عنه يدلسونه. اهـ.