الأسئلة الحديثية

إذا تعارض جرح مفسر مع تعديل، فقد قالوا: الجرح مقدم على التعديل، فهل إذا كان الجرح مجملاً يقدم التوثيق؟

إذا تعارض جرح مفسر مع تعديل، فقد قالوا: الجرح مقدم على التعديل، فهل إذا كان الجرح مجملاً يقدم التوثيق؟

هناك من يقول: إنَّ الرجل إذا ثبتت له منزلة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي([1])، وهو تفسير الجرح، وهذا يحمل على من اشتهر توثيقه، فمن تكلّم فيه بعد ذلك، فلا يسلم له إلا بأمر جلي واضح، أمَّا من اختُلِف في توثيقه وتضعيفه، كان يقول ابن معين: ثقة، ويقول أحمد: ضعيف، فلا تتنزل عليه هذه القاعدة، وكون العلماء يقدمون الجرح على التعيل، إذا كان مفسراً، لِمَا مع الجارح من زيادة علم، فلا يلزم من ذلك أن يقدموا التعديل، ويهدروا الجرح؛ لأنَّه مجمل([2])، والظاهر من صنيع الحافظ في «التقريب» أنّه يجمع بين هذين القولين السابقين، بقوله: «صدوق»، وبين قول أحدهم: ثقة، والآخر يقول: متروك، بقوله: ضعيف، وانظر جوابي على السؤال رقم (77).



([1]) عرفت هذه القاعدة عن جماعة من الأئمة، منهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى -؛ فقد نقل عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «التهذيب» (7/273) ترجمة عكرمة البربري، مولى ابن عباس؛ أنّه قال: «وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه»، ونقله كذلك الحاظ السخاوي عن محمد بن نصر المروزي كما في «فتح المغيث» (1/308).

قال السخاوي: وترجم به البيهقي باب لا يقبل الجرح فيمن ثبتت عدالته إلا بأن نقف على ما يجرح به، وكذا قال ابن عبدالبر من صحة عدالته، وثبت في العلم إمامته وبانت همته فيه وعنايته لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي الجارح في جرحه ببينة عادلة يصح بها جرحه على طريق الشهادات والعمل بما فيها من المشاهدة، لذلك بما يوجب قبوله. اهـ

وليس المراد إقامة بينه على جرحه، بل المعنى أنّه يستند في جرحه لما يستند إليه الشاهد في شهادته وهو المشاهدة ونحوها وأوضح منه في المراد ما سبقه به محمد بن نصر المروزي فإنّه قال: وكل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد، حتى يبين ذلك بأمر لا يحتمل أن يكون غير جرحه. اهـ من كلام السخاوي.

وانظر كلام الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله حول هذه القاعدة، في «التنكيل» (ص:265-268).

([2]) أقول: وهذا هو صنيع العلماء، فإنّه لا مناص من أخذ تلك الجروح المبهمة بالاعتبار لئلا يتعطل النقد، وقد ذهب إلى ذلك القاضي أبوبكر الباقلاني ونقله عن الجمهور، وذلك فيما نقله الخطيب البغدادي رحمه الله في «الكفاية» (ص:178) قال: حدّثني محمد بن عبيدالله المالكي قال: قرأت على القاضي أبي بكر محمد بن الطيب قال الجمهور من أهل العلم: إذا جرح من لا يعرف الجرح، يجب الكشف عن ذلك، ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن.

والذي يقوى عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالماً والدليل عليه نفس ما دللنا به على أنّه لا يجب استفسار العدل عما به صار عنده المزكى عدلاً؛ لأنّنا متى استفسرنا الجارح لغيره فإنّما يجب علينا بسوء الظن والاتهام له بالجهل بما يصير به المجروح مجروحاً، وذلك ينقض جملة ما بنينا عليه أمره من الرضا به والرجوع إليه… فأمّا إذا كان الجارح عامياً وجب لا محالة استفساره.

قال السخاوي في «فتح المغيث» (1/307) وهو المعروف عن القاضي كما رواه الخطيب عنه في «الكفاية» بإسناده الصحيح واختاره الخطيب أيضاً، وذلك أنّه بعد تقرير القول الأول الذي صوبه، قال: على إنّا نقول أيضاً: إن كان الذي يرجع إليه في الجرح عدلاً مرضياً في اعتقاده وأفعاله، عارفاً بصفة العدالة والجرح وأسبابهما عالماً باختلاف الفقهاء في أحكام ذلك قبل قوله، فيمن جرحه مجملاً ولا يسأل عن سببه. اهـ.

وفي «طبقات الشافعية» (2/21-22) قال السبكي: «… إنا لا نطلب التفسير من كل أحد، بل إنَّما نطلبه حيث يحتمل المجال شكاً، إما لاختلاف في الاجتهاد أو لتهمة يسيرة في الجارح أو نحو ذلك مما لا يوجب سقوط قول الجارح ولا ينتهي إلى الاعتبار به على الإطلاق، بل يكون بين النقاد فلا نتلعثم عن جرحه، ولا نحوج الجارح إلى تفسير… إلخ اهـ.

للتواصل معنا