نرى في بعض التراجم قولهم: «فلان يصل المرسل» و«فلان يرسل المتّصل» فما معنى ذلك؟ وهل بينهما فرق أم لا؟
الراوي الذي يوصف بأنَّه يصل المراسيل، يكون مضعفاً؛ لأنَّ هذا معناه: أنَّ هذا معناه: أنَّ الثقات يروون الحديث مرسلاً، أمّا هو فلضعف في حفظه، يروي الحديث مسنداً، ومن كثر هذا في حديثه، ضعفه العلماء بلا شك، بل وقد يترك([1]).
وأمَّا قولهم: «فلان يرسل المتصل» فالظاهر من التراجم والمواضع التي يُذْكر فيها هذا اللفظ أو ما في معناه: أنَّ الراوي ورع وعنده خوف من الله، فإذا شك في الحديث: هل هو متصل أو مرسل؛ فإنَّه يرسله احتياطاً، وممن شهر بذلك ابن سيرين ومالك وحماد بن زيد([2])، ويضاف إليهم: مسعر وعفان بن مسلم الصفار، ويضاف إليهم أيضاً كل من وُصف بأنَّه شكاك في الراوية، وقد تكلمت على ذلك في «شفاء العليل»؛ فليرجع إليه([3]).
ونحن نستفيد فائدة من ذلك، وهي: أنَّ من وصف بالقول الثاني، وروى حديثاً مرسلاً، وخالفه ثقة آخر – وإن لم يكن في منزلته الرفيعة – فمن الممكن أن نقبل الزيادة في الإسناد من ذلك الثقة؛ لما علم من حال هذا الإمام، وليس هذا على إطلاقه، والله أعلم.
([1]) في «سير أعلام النبلاء» (6/129-130) ترجمة يزيد بن أبي زياد قال فيه شعبة: كان رفاعاً، قال: الذهبي يعني: الآثار التي هي من أقوال الصحابة؛ يرفعها.
أقول: ويقال فيمن يسند «المراسيل» و«يرفع الموقوفات»: فلان «يوصل الحديث» أو فلان: «كان رفّاعاً» أو: «كان من الرفاعين» وهذه الألفاظ تطلق على الرجل إذا كان «وصل المرسلات» و«رفع الموقوفات» منه على سبيل الوهم ويكون محلها في الشواهد إلا إذا غلب ذلك أو فحش في حديثه.
أمّا إذا كانت على سبيل العمد؛ فلا، انظر ذلك في ترجمة يعقوب بن حميد بن كاسب (11/383) «تهذيب التهذيب» وانظر الألفاظ السابقة في «شفاء العليل» (ج1/164، 178، 204) وقد سبق شيء من ذلك أيضاً في السؤال رقم (43).
(تنبيه):
قد يقع مثل هذا من بعض الحفاظ الكبار ويكون سببه كثرة الحفظ فمثل هذا لا يضر بحاله، مثاله: ما جاء في ترجمة سليمان بن داود الطيالسي – كما في «تهذيب التهذيب» (4/184) – قال عمرو بن علي: «ثقة» وإذا جاورت في أصحاب شعبة معاذ بن معاذ، وخالد بن الحارث ويحيى القطان وغندر؛ فأبو داود خامسهم وله أحاديث يرفعها، وليس يعجب من يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها يرفع أحاديث يوقفها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنَّما أتى ذلك من حفظه وما أبو داود – عندي وعند غيري – إلا متيقظاً ثبتاً. اهـ.
([2]) قلت: وقد نص الدارقطني – رحمه الله تعالى – في «علله» أنَّ من عادة ابن سيرين التوقف عن رفع الحديث توقياً، انظره في (9/160 برقم169)، و(10/17 برقم 1820) وفيه (ص:25 رقم 1827) وكذا (ص:27/ برقم 1829).
ونص كذلك على أنَّ من عادة الإمام مالك، إرسال الأحاديث وإسقاط رجل، المصدر السابق (6/برقم 980) أمّا عن حماد بن زيد فقد صرَّح الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – في «تهذيبه» (3/11) قال: وقال يعقوب بن شيبة: حماد بن زيد أثبت من ابن سلمة وكل ثقة غير أن ابن زيد معروف بأنّه يقصر الأسانيد ويوقف المرفوع كثير الشك بتوقيه، وكان جليلاً لم يكن له كتاب يرجع إليه فكان أحياناً يذكر فيرفع الحديث وأحياناً يهاب الحديث ولا يرفعه… إلخ. اهـ.
([3]) انظر «شفاء العليل» (1/379-380).
وهذا وقد زاد الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى – مجاهداً في شرحه لـ «علل الترمذي» (1/430) وقد ذكر الحاكم نحو ذلك عن يحيى بن يحيى جاء ذلك في «النبلاء» (10/515) قال الحاكم: سمعت محمد بن يعقوب الحافظ يقول: سمعت مشايخنا يقولون: لو عاش يحيى بن يحيى سنتين لذهب حديثه فإنَّه إذا سئل في حديثه أرسله، هذا في بدء الأمر ثم صار إذا شك في حديث تركه ثم صار يضرب عليه من كتابه. اهـ.
ومن هؤلاء أيضاً أبو هلال الراسي كما جاء في «العلل» للدارقطني (8/116).
قال الدارقطني: كان أبو هلال كثيراً ما يتوقى رفع الحديث. اهـ.
وكذا جاء عن محمد بن النوشجان السويدي كما في «تاريخ بغداد» (3/326) قال فيه أبو داود: ثقة حدثنا عنه أحمد كان صاحب شكوك رجع الناس من عند عبدالرزاق بثلاثين ألفاً ورجع بأربعة آلاف، وكذلك ما جاء في ترجمة علي بن الحسن بن شقيق من متقدّمي أصحاب أبي حمزة كما في «تهذيب التهذيب» (7/299) قال: أبو عمار الحسين بن حريث، قلت له – أي: لعلي بن الحسين -: هل سمعت كتاب الصلاة من أبي حمزة السكري؟ فقال: نعم، سمعت، ولكن نهق حمار يوماً فاشتبه علي حديث فلا أدري أيَّ حديث هو؟ فتركت الكتاب كله اهـ. ونقل عن ابن عون كذلك أنه كثير التوقي كما ذكر ذلك أبوبكر البزار في «التهذيب» (5/348) وفيه قول شعبة: لأن أسمع من ابن عون حديثاً يقول فيه أظن أني سمعته أحب إلي أن أسمع غيره يقول: قد سمعت، ويضم شعبة إليهم كذلك. ففي «تاريخ بغداد» (9/265). قال سفيان الثوري ما رأيت أحداً أورع في الحديث من شعبة، يشك في الحديث الجيد فيتركه. اهـ. والله أعلم.