الأسئلة الحديثية

ذكرتَ أيضاً أنَّ بعض المدلسين قد تردَّ روايتهم، وإن صرَّح بالتحديث، فكيف توضيح ذلك؟

ذكرتَ أيضاً أنَّ بعض المدلسين قد تردَّ روايتهم، وإن صرَّح بالتحديث، فكيف توضيح ذلك؟

تفسير هذا أنَّ التصريح قد يكون من أوهام بعض تلامذة المدلس، كما ذكروا ذلك في تلامذة بقية بن الوليد([1])، أو أنَّه يدلس تدليس التسوية، فمثلاً: الوليد بن مسلم يقول: حدّثنا الأوزاعي، وفوق الأوزاعي عنعنة بين الأوزاعي وشيخه، فبعض الطلبة يغتر ويقول: الوليد بن مسلم مدلس، وقد صرَّح بالسماع، فزالت العلة، مع أنَّ العلة موجودة فيما بين الأوزاعي وشيخه وأيضاً الذي يدلس تدليس السكوت، أو الحذف، أو القطع، مثل عمر بن علي المقدمي يقول: حدّثنا، ويسكت، ويقول: فلان؛ فلا يحتج به وإن صرح بالسماع أي: نحن نعتبره مدلساً وإن صرَّح بالسماع([2])، وكذلك تدليس فطر بن خليفة، في غير قوله: «سمعت» والله أعلم([3]).



([1]) قال ابن رجب رحمه الله في «شرح العلل» (ص:218): ذكر أبو حاتم الرازي أن بقية بن الوليد كان يروي عن شيوخ ما لم يسمع فيظن أصحابه أنَّه سمعه فيروون عنه تلك الأحاديث ويصرحون بسماعه لها من شيوخه ولا يضبطون ذلك، وحينئذ ينبغي التفطن لهذه الأمور ولا يغتر بمجرد ذكر السماع والتحديث في الأسانيد، فقد ذكر ابن المديني أنَّ شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه الأخبار عن شيوخه ويكون منقطعاً.

فائدة:

في «فتح الباري» للحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى (3/54):

ذكر البخاري أثراً معلقاً فقال: وقال ابن أبي مريم: أخبرنا يحيى بن أيوب: ثنا حميد: ثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

قال ابن رجب: ومقصود البخاري بهذا تصحيح رواية حميد عن أنس المرفوعة، وقد نازعه في ذلك الإسماعيلي، وقال: إنَّما سمعه حميد من ميمون بن سياه عن أنس قال: ولا يحتج بيحيى بن أيوب في قوله: ثنا حميد: ثنا أنس؛ «فإن عادة الشاميين والمصريين جرت على ذكر الخبر فما يروونه لا يطوونه طي أهل العراق، يشير إلى أنَّ الشاميين والمصريين يصرحون بالتحديث في رواياتهم، ولا يكون الإسناد متَّصلاً بالسماع وقد ذكر أبو حاتم الرازي عن أصحاب بقية بن الوليد أنَّهم يصنعون ذلك كثيراً». اهـ.

وانظره كذلك في «الفتح» (ص:95، 106)، (4/398).

هذا وقد سألت شيخنا أبا الحسن حفظه الله عن مدى صحة كلام الإسماعيلي رحمه الله فقال: في ذلك نظر، ولو عملنا بهذا الإطلاق ما قبلنا رواية مدلس شامي صرَّح فيها بالسماع  أضف إلى ذلك أنَّ يحيى بن أيوب الغافقي له بعض الأوهام فلعل تصريحه بالسماع في الموضع الذي ذكره الإسماعيلي على أسوأ تقدير أنّه من أوهامه فكيف لو نوزع الإسماعيلي دعواه عدم السماع من الأصل؟! اهـ.

أقول: وقد كان في نفسي شيء من هذا الجواب، لإقرار ابن رجب رحمه الله كلام الإسماعيلي حتى وفقني الله عزّ وجلّ بالوقوف على نحو جواب شيخي من كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله وذلك في «الفتح» (1/593 رقم393).

قال الحافظ: قال الإسماعيلي: وحديث يحيى بن أيوب لا يحتج به يعني: التصريح بالتحديث -، قال: لأنَّ عادة الشاميين والمصريين ذكر الخبر فيما يروونه، قلت أي: الحافظ -: هذا التعليل مردود، ولو فتح هذا الباب لم يوثق برواية مدلس أصلاً ولو صرَّح بالسماع، والعمل على خلافه… إلخ.

فذهب ما كان في نفسي والحمدلله على توفيقه.

([2]) قال ابن سعد في عمر بن علي المقدمي: كان ثقة، وكان يدلس تدليساً شديداً، وكان يقول: سمعت وحدّثنا ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عروة، أنَّ الأعمش، «الطبقات» (1/29).

قال الحافظ في «طبقات المدلسين»: وهذا ينبغي أن يسمى تدليس القطع. اهـ.

هذا وقد ذكره رحمه الله كذلك في «مقدمة الفتح» (ص:452) عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي البصري، أثنى عليه أحمد، وابن معين، وغيرهما، وعابوه بكثرة التدليس، وأما أبو حاتم فقال: لا يحتجّ به وأورده ابن عدي في «الكامل» ولم أرَ له في الصحيح إلا ما توبع عليه واحتجَّ به الباقون» وقد نقل هذه العبارة الشيخ الألباني رحمه الله في «تمام المنة» (ص:70)، ثم قال: ولم يوثقه في «التقريب»؛ فإنَّه اقتصر على قوله فيه: وكان يدلس تدليساً شديداً» اهـ.

فمثله لا يحتجُّ به ولو صرَّح بالتحديث إلا إذا توبع فكيف إذا خولف؟! اهـ.

([3]) في «سير أعلام النبلاء» (7/32) ترجمة فطر بن خليفة.

العقيلي: ثنا محمد بن عيسى: ثنا عمرو بن علي: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدّثنا فطر، عن عطاء، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم…؛ الحديث، فقلت ليحيى بن سعيد: أقال: حدّثنا عطاء؟ قال: وما ينتفع، بقول: حدّثنا عطاء ولم يسمع منه! سمعته يقول: ثنا: أبو خالد الوالبي، قال الفلاس، ثم قدم علينا يزيد بن هارون فحدّثنا عن فطر عن أبي خالد الوالبي نفسه، ثم قال العقيلي ثنا محمد: ثنا صالح: ثنا علي، قال: قلت: ليحيى في حديث فطر خرَجَ علي وهم قيام فقال يحيى: إنَّما هو، فقال ليّ: ثنا أبو خالد الوالبي، قلت ليحيى: إنَّهم يدخلون بينهما زائدة، وابن نشيط، قال يحيى، فإنَّه أيضا قد قال لي: ثنا أبو الطفيل في حصى الجمار، ثم أدخل بعد ذلك بينهما رجلاً فيما بلغني، قلت ليحيى: فتعتمد على قوله: حدّثنا فلان…

قال: ثنا فلان موصول؟ قال: لا، قلت: كانت منه سجيَّة؟ قال: نعم. اهـ.

وفي «فتح المغيث» قال ابن عمار: كان فطر صاحب ذي سمعت: سمعت يعني: أنّه يدلَّس فيما عداها اهـ (1/182-183).