الأسئلة الحديثية

إذا روى الثقة حديثاً من حفظه، وخالفه ثقة روى الحديث من كتابه الذي مدحه الأئمة، فمن نقدم؟

إذا روى الثقة حديثاً من حفظه، وخالفه ثقة روى الحديث من كتابه الذي مدحه الأئمة، فمن نقدم؟

إذا تعذرت وجوه الجمع، وتجرد الأمر من قرائن أخرى: نقدم قول صاحب الكتاب الذي ضبطه صاحبه؛ لأن الحفظ قد يخون، وقد جُرِّب على الحفاظ الوهم وإن كان قليلاً ([1]) ولذلك كان أمير المؤمنين في الحديث وهو الإمام أحمد رحمه الله يؤكد على النظر في الأصل حال التحديث أو الإملاء([2])، وكان العلماء يشددون في النكير على من لم يكتب، لعلمهم أن الحفظ خوّان، حتى قال ابن معين: إذا رأيت المحدث لا يحمل قرطاساً ولا قلماً، فاعلم أنه قد عزم على الكذب([3])، أي: أن الأوهام ستقع في حديثه إذا لم يكن معه أصل يرجع إليه عند الشك أو الريبة.

لكن بقي للسؤال بقية، وهي: ماذا نفعل إذا عارض الثقةَ الذي روى من حفظه رجلٌ صدوق روى من أصله الذي أتقنه؟ الظاهر أيضاً تقديم الكتاب، وهل ذلك أيضاً إذا روى سيئ الحفظ من كتابه؟ محل بحث. والله أعلم.



([1]) في «تاريخ بغداد» (9/26) ترجمة سليمان بن الجارود، أبو داود الطيالسي. قال أبو مسعود: كتبوا إليّ من أصبهان أن أبا داود أخطأ في تسعمائة أو قالوا ألف فذكرت ذلك لأحمد فقال: يحتمل لأبي داود. قال الخطيب: كان أبو داود يحدث من حفظة والحفظ خوان فكان يغلط مع أن غلطه يسير في جنب ما روى على الصحة والسلامة. اهـ.

([2]) في «سير أعلام النبلاء» (12/289) ترجمة يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي.

ثنا محمدُ بن صالح بن هانئ: ثنا يحيى بنُ محمد، سمعتُ علي بن المديني يقول: عهدي بأصحابنا وأحفظهُم أحمدُ بن حنبل فلما احتاج أن يحدث لا يكاد يحدِّث إلا من كتاب.

قال الذهبي: لأن ذلك أقرب إلى التحري والوَرَع وأبعدُ عن العُجْبِ. وفي (11/200) وعن علي بن المديني، قال: أمرني سَيِّدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب. وعن الحسين بن الحسن أبو معين الرازي: سمعتُ ابن المديني، يقولُ: ليس في أصحابنا أحفظُ من أحمد، وبلغني أنه لا يُحدِّثُ إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة. اهـ من «السير».

([3]) قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (16/181) ترجمة حمزة بن محمد:

وقد ساق سنده إلى عباس الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا رأيتَ الرجلَ يخرجُ من منزلة بلا محبرة ولا قلم يطلبُ الحديث، فقد عَزَمَ على الكِذبة. اهـ وفي «تذكرة الحفاظ» (3/934) فقد عزم على الكذب. والله أعلم.

للتواصل معنا