الأسئلة الحديثية

ثبت أنَّ مِنَ الرواة من يدفن كتبه، فما هي الأسباب التي تحملهم على ذلك؟ أليس ذلك من باب كتمان العلم وإضاعته؟

ثبت أنَّ مِنَ الرواة من يدفن كتبه، فما هي الأسباب التي تحملهم على ذلك؟ أليس ذلك من باب كتمان العلم وإضاعته؟

سبق قبل قليل أنَّ العباد فعلوا ذلك خوفاً على أنفسهم من الشهرة(1)، وقد يفعل ذلك بعض الأئمة خوفاً من أن تقع في يد إنسان واهٍ، فيزيد فيها أو يغيرها، كما ذكر الذهبي في «النبلاء» (7/213) ترجمة شعبة(2)، وقد فعله غير واحد من الأئمة ولعلهم لا يرون صحة التحمل بالوجادة، كما ذكر الذهبي في ترجمة ابن راهوية في «النبلاء) (11/317)(3)، وقد يظن بعضهم أنَّ في الكتب شيئاً ليس من حديثه، ولم يستطع تمييزه، وهذا كله موجود بتوسع في «شفاء العليل»، والعلماء حين فعلوا ذلك يرون أنَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد اشتهر عند غيرهم وأنَّهم إن حرقوا هذه الأوراق أو دفنوها أو غسلوها؛ فإن ذلك لا يضر لوجود ذلك عن غيرهم من الثقات، وعلى ذلك فليس كتماناً للعلم، لكن لا شك أنه لو بقي إلينا لكان أولى ومن المؤكد أننا نزداد حسرة؛ إذا علمنا أنَّ ممن فعل ذلك الثوري وشعبة وابن المبارك وابن راهويه ومحمد بن يحيى الذهلي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



([1]) انظر ذلك في السؤال رقم (182).

([2]) قال سعد بن شعبة: «أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه فغسلتها».

قال الذهبي رحمه الله قلت: «وهذا قد فعله غير واحد بالغسل، أو الحرق أو بالدفن، خوفاً من أن تقع في يد إنسان واهٍ فيزيد فيها أو يغيرها». اهـ.

([3]) قال أبو عبدالله الحاكم: «إسحاق وابن المبارك ومحمد بن يحيى وهؤلاء دفنوا كتبهم» قال الذهبي رحمه الله -.

«قلت: هذا فعله عدة من الأئمة وهو دال على أنَّهم لا يرون نقل العلم وجادة فإن الخط قد يتصحف على الناقل وقد يمكن أن يزاد في الخط حرف فيغير المعنى ونحو ذلك، وأمّا اليوم فقد اتّسع الخرق وقلّ تحصيل العلم من أفواه الرجال بل ومن الكتب غير المغلوطة، وبعض النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى». اهـ، وانظر «شفاء العليل» (1/404-405).

أقول: ومن الأسباب كذلك وجود المنقطعات والواهيات في كتابه الذي روى منه بالانتخاب فيخشى المحدث أن يأتي من بعده من يقف على ذلك فيحدث بها فيقوم بحرقها أو دفنها لذلك.

ومثاله ما جاء في «السير» (11/396) ترجمة أبي كريب محمد بن علاء.

قال مطيَّن: أوصى أبو كريب بكتبه أن تدفن فدفنت.

قال الذهبي: فعل هذا بكتبه من الدفن والغسل والإحراق عِدَّة من الحافظ خوفاً من أن يظفر بها محدث قليل الدين، فيغير فيها ويزيد فيها فينسب ذلك إلى الحافظ، أو أن أصوله كان فيها مقاطيع وواهيات ما حدَّث بها أبداً وإنّما انتخب من أصوله ما رواه، وما بقي فرغب عنه، وما وجدوا لذلك سوى الإعلام، فلهذا ونحوه دفن رحمه الله كتبه. اهـ.

للتواصل معنا