فإن قال قائل: لو سلمنا لكم بأن الحكام ليسوا بكفار؛ فنحن نرى الخروج على الحكام؛ لأن هذا أمر قد اختلف فيه السلف، وطالما أن المسألة خلافية؛ فلا يجوز لكم أن تلزمونا برأيكم، وهو عدم الخروج على هؤلاء الولاة!!
والجواب: أن الخلاف بين السلف كان قبل أن تظهر مفاسد هذا الأمر بجلاء، وكان للحق أعوان وأنصاركُثُر– في نظر من خرج– ولمالم يأت الخروج بخير؛ اتفقت كلمة السلف على ترك الخروج على الأئمة – وإن جاروا –.
وقد نص غير واحد على هذا الاتفاق، فمن ذلك:
1 ـــ ما أخرجه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة ))([1]) بسنده إلى البخاري في ذكر ما يعتقده البخاري – رحمه الله تعالى – قال: ((لقيتُ أكثر من ألف رجل من أهل العلم: أهل الحجاز، ومكة، والمدينة، والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد، والشام، ومصر، لقيتهم كرّاتٍ، قرنًا بعد قرن، ثم قرنًا بعد قرن ([2])، أدركتهم وهم متوافرون، منذ أكثر من ستة وأربعين سنة: أهل الشام، ومصر، والجزيرة مرتين، والبصرة أربع مرات، في سنين ذوي عدد، بالحجاز ستة أعوام، ولا أُحْصي كم دخلتُ الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان، منهم:…))فذكر بعض أسمائهم، ثم ذكر بعض مسائل الاعتقاد، ومنها قوله: ))… وألا ننازع الأمر أهله… وألا يرى السيف على أمة محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وقال الفضيل: لو كان لي دعوة مستجابة؛ لم أجعلها إلا في إمام؛ لأنه إذا صلح الإمام؛ أَمَّنَ البلاد والعباد، قال ابن المبارك: يا معلم الخير، من يجترئ على هذا غيرك )).اهـ.
2 ـــ وذكر اللالكائي – أيضًا– ([3]) سنده إلى ابن أبي حاتم الرازي في بيان معتقد أبيه وأبي زرعة، فقال: ((سألت أبي وأبا زرعة عن مذهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك ؟
فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار: حجازًا، وعراقًا، وشامًا، ويمنًا، فكان من مذهبهم... )) فذكر أمورًا كثيرة منها: ((ولا نرى الخروج على الأئمة، ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله – عز وجل – أمرنا، ولا ننـزع يدًا من طاعته، ونتبع السنة والجماعة، ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة )).اهـ.
3 ـــ وقال النووي – رحمه الله تعالى –: ((وأما الخروج عليهم وقتالهم؛ فحرام باجماع المسلمين – وإن كانوا فسقة ظالمين – وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرتُهُ… )).اهـ.
ثم قال: ((قال القاضي: وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الاجماعَ، وقد رَدَّ عليه بعضهم هذا بقيام الحسين وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية، وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث… ثم قال: قال القاضي: وقيل: إن هذا الخلاف كان أولًا، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم )).([4]).اهـ.
4 ـــ قلّما تجد إمامًا مُصَنِّفًا في بيان معتقد أهل السنة؛ إلا ويذكر عدم الخروج على الولاة – وإن جاروا – والسمع والطاعة في المعروف، وجعلوا هذا من أصولهم، وأن من خالفهم في ذلك؛ فهو من أهل الأهواء والبدع، ومن المارقين عن الجماعة.
قال الأشعري في ((رسالة أهل الثغر))([5]): ((وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وعلى كل مَنْ وَليَ شيئًا من أمورهم عن رضًى أو غلبة، وامتدت طاعته – من برٍّ وفاجر– لا يلزم الخروج بالسيف جار أو عدل... )).اهـ.
وقال الإسماعيلي في ((اعتقاد أهل السنة)) ([6]): ((ويروْن الدعاء لهم بالإصلاح، والعطف إلى العدل، ولا يرون الخروج بالسيف عليهم )).اهـ.
5 ـــ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – ([7]): ((… كان من العلم والعدل المأمور به: الصبر على ظلم الأئمة وجورهم، كما هو من أصول أهل السنة والجماعة)).اهـ.
وذكر ([8]) كلامًا طويلًا، منه قوله – رحمه الله تعالى –: ((… ولهذا استقر أمر أهل السنة على تَرْك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وصاروا يَذْكُرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جَوْر الأئمة، وترْك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خَلْقٌ كثير من أهل العلم والدين… ((إلى أن قال: ))… ولم يُثْنِ – أي: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على أحد لابقتال في فتنة، ولا بخروج على الأئمة، ولانَزْع يدٍ من طاعة، ولا مفارقة للجماعة )).اهـ.
وقال شيخ الإسلام ([9]) بعد أن بين أن مفسدة الخروج على الولاة تربو على مصلحته: ((ولهذا كان مذهب أهل الحديث: ترك الخروج بالقتال على الملوك البغاة، والصبر على ظلمهم، إلى أن يستريح برٌّ، أو يُستراح من فاجر )).اهـ.
وقال – أيضًا –: ((ولهذا كان من أصول أهل السنة والجماعة: لزوم الجماعة، وترك قتال الأئمة، وترك القتال في الفتنة، وأما أهل الأهواء–كالمعتزلة– فيرون القتال للأئمة من أصول دينهم…)). ([10]) .اهـ.
وقال – رحمه الله تعالى –: ((وأما أهل العلم والدين والفضل؛ فلا يُرَخِّصون لأحد فيما نهى الله عنه: من معصية ولاة الأمور، وغشهم، والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرِف من عادات أهل السنة والدين قديمًا وحديثًا، ومن سيرة غيرهم )).([11]) .اهـ.
وقال – رحمه الله تعالى –: ((ولا يُزال المنكر بما هو أنكر منه، بحيث يُخْرَج عليهم بالسلاح، وتقام الفتنة، كما هو معروف من أصول أهل السنة والجماعة، كما دلت عليه النصوص النبوية، لما في ذلك من الفساد الذي ( يربو ) على فساد ما يكون من ظلمهم... )).([12]) .اهـ.
وقال – رحمه الله تعالى –: ((ومن أصول هذا الموضع: أن مجرد وجود البغي من إمام أو طائفة؛ لا يوجب قتالهم، بل لا يبيحه، بل من الأصول التي دلت عليها النصوص: أن الإمام الجائر الظالم يُؤْمر الناس بالصبر على جوره، وظلمه، وبغيه، ولا يقاتلونه… ))([13]) .اهـ. كلامه – رحمه الله تعالى –.
6 ـــ وقال الإمام ابن القيم في ((حادي الأرواح))([14]):
((هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الآثار، وأهل السنة المتمسِّكين بها، المقْتَدَى بهم فيها من لدن أصحاب النبي– صلى الله عليه وعلى آله وسلم – إلى يومنا هذا، وأدركتُ من أدركتُ من علماء أهل الحجاز، والشام، وغيرهم عليها، فمن خالف شيئًا من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها؛ فهو مخالف، مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق.
وهو مذهب أحمد، وإسحاق بن إبراهيم، وعبد الله بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسْنا، وأخذنا عنهم العلم، وكان من قولهم …)) فذكر أمورًا، وفيها: ((... والانقياد لمن ولاّه الله – عز وجل – أمْركم، ولا تنـزع يدًا من طاعة، ولا تخرج عليه بسيف، حتى يجعل الله لك فرجًا ومخرجًا، ولا تخرج على السلطان، وتسمع وتطيع، ولاتنكث بيعته، فمن فعل ذلك؛ فهو مبتدع، مخالف، ومفارق للجماعة...)). .اهـ.
وقال– رحمه الله تعالى –:
((فصْل فيما اجتمعت عليه الأمة من أمور الديانة، من السنن التى خلافها بدعة وضلالة...)) فذكر أمورًا، ومنها:
(( والسمع والطاعة لأئمة المسلمين، وكُلُّ من وَلىَ أمر المسلمين عن رضًى أو عن غلبة، واشتدت وطْأته من بَرٍّ أو فاجر؛ فلا يُخرج عليه: جار، أو عدل... )).
إلى أن قال: ((وكل ما قَدمنا ذكره: فهو قول أهل السنة، وأئمة الدين، والفقه، والحديث على ما بيَّنَّاه )).([15]) .اهـ.
7 ـــ ذكر الحافظ ابن حجر في ((تهذيب التهذيب))([16]) في ترجمة الحسن بن صالح بن حي، أن منهم من قال فيه: كان يرى السيف، فقال الحافظ: ((وقولهم:كان يرى السيف، يعني كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك؛ لما رأَوْه قد أفضى إلى أشد منه، ففي وقعة الحَرَّة، ووقعة ابن الأشعث، وغيرهما؛ عِظةٌ لمن تدبّر )).اهـ.
8 ـــ وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ – رحمه الله تعالى –:
)) ولم يَدْرِ هؤلاء المفتونون: أن أكثر ولاة أهل الإسلام، من عهد يزيد بن معاوية – حاشا عمر بن عبد العزيز ومن شاء الله من بني أمية– قد وقع منهم من الجراءة، والحوادث العظام، والخروج، والفساد في ولاية أهل الإسلام، ومع ذلك فسيرة الأئمة الأعلام، والسادة العظام معهم معروفة مشهورة: لا ينـزعون يدًا من طاعة فيما أمر الله به ورسوله من شرائع الإسلام، وواجبات الدين... )).([17]) .اهـ.
ومعلوم أن هذا الحكم في السمع والطاعة ليس خاصًّا بالأمراء العادلين، بل هو شامل للجائرين أيضًا، وذلك لأمور:
أ ـــ أن هذا مقتضى الأدلة الواردة في الباب.
ب ـــ أن الأئمة الذين صرَّحوا بذلك لم يكونوا معاصرين لأمراء العدل والاستقامة، بل عاصروا الجَورة من الحكام، وما كانوا ليذكروا ما ذكروا على زمان قد مضى، ويبقى كلامهم بعيدًا عن الواقع، والناس في أمسِّ الحاجة إلى معرفة الحكم الشرعي في زمانهم الحاضر!!
ج ـــ أن من هؤلاء الأئمة من صرَّح بأن هذا الحكم شامل لأهل العدل والجوَرة من الحكام، ومنهم من أوصى بالصبر حتى يجعل الله للناس فرجًا ومخرجًا، ولا يكون ذلك في زمن الأئمة العادلين الصالحين، كما لا يخفى، والله أعلم.
والنصوص عن الأئمة في ذلك كثيرة مشتهرة، وقد سبق كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وفي كلاميهما ما يدل على أنه لا تكاد تُعْرف طائفة خرجت على إمام ظالم؛ إلا وجاءت بشَرٍّ مما أرادت إزالته، وأن ذلك سَبَبُ الفتن الكبار والصغار التي دخلت على الإسلام إلى آخر الدهر، فارجع إلى كلاميهما وكلام غيرهما في موضعه من هذا الكتاب.
فمن احتج بالخلاف القديم – بعد هذا وغيره – فهو محجوج بالإجماع اللاحق، ولا يخالف الإجماع هذا؛ إلا من ضل السبيل، كما صرح بذلك السلف، لاسيما وما سيترتب على هذه المخالفة من إهلاك الحرث والنسل، وانفلات الزمام، وتصدُّر الجهلة، وترؤس السفلة، وانفراط النظْم، والله المستعان.
(تنبيه ): قد يقول قائل: الإجماع اللاحق لا يرفع الخلاف السابق، لأن الأقوال لا تموت بموت أهلها!!
والجواب: نعم، لا تموت الأقوال بموت أصحابها، ولا زلنا نقول: كان ابن الأشعث يرى الخروج على الحجاج… وهكذا، لكن لا يلزم من ذلك بقاء كون المسألة خلافية اجتهادية بين أهل العلم إلى هذا الزمان، بعد ما أجمع العلماء على صحة أحد القولين، وفساد القول الآخر، وأنها أصبحت من مسائل الإجماع والأصول، لا من مسائل النـزاع السائغ بين الأئمة الفحول، فالأمة لا تجتمع على ضلالة،وفيها طائفة ظاهرة على الحق، فكيف تتفق الأمة على فساد قول – وفيهم تلك الطائفة – ثم يأتي من يقول: إذا كانت الأقوال لا تموت بموت أهلها، إذًا فليس ما اتفقت الأمة على فساده فاسدًا ؟! فهل هذا الكلام الذي يصادم ما عليه مجتهدو أهل السنة والجماعة طبقة بعد طبقة، له سمع أو قبول ؟! ) نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( ([18]).
فإن قيل: لقد ذكر ابن الوزير – رحمه الله تعالى – في ((العواصم والقواصم ))([19]) أن الفقهاء لا يروْن الخارج على إمام الجور باغيًا، ولا آثمًا، وأن الكلام في ذلك عندهم من المسائل الظنِّية، وأن من خرج على الجائر مستحلًا لذلك فهو غير آثم!!
فالجواب على ذلك من وجوه– إن شاء الله تعالى – :
أ ـــ أن ما ادعاه ابن الوزير– رحمه الله تعالى – مصادم لما سبق من نقلٍ عن الأئمة، ولما طفحتْ به كتب المصنفين في عقيدة أهل السنة، وكلام هؤلاء مقدم على من سماهم ابن الوزير – إن سلمنا بأن كلام جميعهم يدل على ما ذهب إليه –!!
ب ـــ لقد نقل ابن الوزير عن بعض العلماء كلامًا عامًّا، مع أنه قد جاء عن بعض هؤلاء الأئمة بأعيانهم كلام خاص في موضع النـزاع، والقاعدة أن الخاص من كلام الأئمة – أيضًا – يقضي على العام، وكذلك فقد نقل عن بعضهم كلامًا، ووجه الدلالة فيه على ما قاله ابن الوزير بالمفهوم لا المنطوق، هذا مع وجود كلام صريح عمن نقل عنه بخلاف ذلك.
مثال ذلك النووي – رحمه الله تعالى – فقد سبق كلامه الصريح في دعوى الاجماع، ونقل عنه ابن الوزير من ((روضة الطالبين )) أنه قال:
((الباغي في اصطلاح العلماء: هو المخالف لإمام العدل، الخارج عن طاعته بامتناعه من أداء واجب عليه، أو غيره )).اهـ.
ومعلوم أنه قد استدل بمفهوم قوله: ((لإمام العدل )) على أنه المخالف لإمام الجور لا يسمى باغيًا، ومن ثم لا يُنْكَر عليه، ولا يُؤَثَّم!! فأين هذا من قول النووي: ((وأما الخروج عليهم وقتالهم؛ فحرام باجماع المسلمين – وإن كانوا فسقة ظالمين – وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرتُهُ… ))؟!
ثم نقل النووي – رحمه الله تعالى – عن غيره أن الخلاف كان أولًا، ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم، فأين الاستدلال بذاك المفهوم أمام هذا المنطوق الصريح ؟!
كما نقل ابن الوزير – رحمه الله – فيما نقل كلامًا محتملًا، وليس نصًّا في موضع النـزاع، ويمكن حمله على أن من جوَّز الخروج يقيده بما إذا لم يكن في الخروج مفسدة، كاضطراب الأحوال، وإراقة الدماء، ولا شك أن هذا لا يعارض الإجماع السابق، ومع ذلك فهو كلام نظري، وإلا فالغالب الأشهر أن الخروج لا يأتي إلا بشر أعظم، وقد سبق أن التجربة تبين ذلك، وأنه سبب الفتن الكبار والصغار على الإسلام عبر التاريخ!!
على أننا نقول: لو سلمنا بصحة ما قاله ابن الوزير عمن نقل عنهم؛ فهم محجوجون بالإجماع المتقدم، وقد سبق أنه عن طبقة بعد طبقة من المتقدمين، فلا عبرة بخلاف من خالف من المتأخرين.
ج ـــ ونقل ابن الوزير عن النووي– رحمهما الله – أن القهر أحد طرق الإمامة، لكنه إن كان عادلًا لم يأثم، وإن كان جائرًا أَثِمَ، وعصى بالتغلُّب.
وهذا ليس فيه دليل على ما ذهب إليه ابن الوزير؛ لأن كلام النووي في العدل يحتمل أنه خرج بقوة وشوكة على جائر ضعيف جدًّا دون حدوث مفسدة، وتمكَّن من عزل الجائر، وأقام حكم الله في الأرض، وهذا لا يعارض الإجماع السابق، كما لا يخفى، وقد سبق أن هذه مسألة افتراضية في الجملة!!
أضف إلى ذلك أن قول النووي: ((وإن كان جائرًا أَثِمَ، وعصى بالتغلُّب ((دليل على ابن الوزير لا له، حيث أطلق كلامه في الخارج، ولم يُفصِّل، وقد فَصَّل النووي!!
د ـــ لقد نقل ابن الوزير– رحمه الله – هذا المذهب عن بعض المتكلمين كالرازي، والكيا الهرّاسي، وغيرهما، ولا شك أن نقل هؤلاء ليس حجة على من ادعى اجماع أهل الحديث والأثر على ترك الخروج، وعَدَّ ذلك من معتقَدهم، الذي من خالفه فهو مبتدع ضال، فلا يُدفع في نحْر ذلك بكلام المتكلمين!!
هـ ـــ كما صرح ابن الوزير بأن مذهب أهل البيت يقتضي ذلك، وهذا ليس بحجة على إجماع أهل الحديث، كما هو ظاهر.
و ـــ لقد عاش ابن الوزير– رحمه الله – بين معتزلة وزيدية وغيرهم ممن يرى الخروج على الإمام الجائر، وقد وفَّقه الله– عز وجل – وعافاه بالسنة من مصائب عظيمة، ومزمنات أليمة، ولا يمنع ذلك وجود بقايا، أو رواسب، أو مجرَّد التأثُّر – إلى حد ما – بما حوله، وهذا من ذاك، فقد سلَّم ابن الوزير للشيعي الذي أرجف على أهل السنة بافتراءاته وتهاويله ببعض ما يقول؛ ليدافع بذلك – في نظره – عن أهل السنة، والواجب ألا يُسَلم لأهل البدع بقليل أو كثير من باطلهم، والله أعلم.
فإن قيل: إذا كان مذهب أهل السنة لا يرى الخروج على الظلمة؛ فيلزم من ذلك أن أهل السنة راضون بما عليه الحكام الظلمة من ظلم وجور!!
فالجواب: ليس هذا بلازم، ولقد سبق إلى هذا الافتراء ذاك الشيعي الذي يرد عليه ابن الوزير، واتهم أهل السنة بأنهم شيعة الحجاج، ويزيد، والمنصور، والرشيد، وشيعة كل من يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس!! فَعَظُمَ ذلك على ابن الوزير، حتى سلَّم له ببعض ما يقول – كما سبق– ولكن أهل السنة أعلم من بقية الفرق بالنصوص الشرعية، وهم أهل العدل والإنصاف، وأهل السنة والاتباع، وأهل النكاية بأعداء الإسلام عبر التاريخ، وهم الذين يحسنون تقدير المصالح والمفاسد، ويرون أن الصبر على هذه المظالم – لا الرضى بها، مع النصح ما أمكن – أهون من الفتن التي تترتب على الخروج، والتجربة تبين ذلك، فماذا جنت الأمة من فتن الخروج على الأئمة؟ وما هي آثار الروافض على المسلمين وديارهم؟ وما هي نكايتهم أو مواطأتهم – قديمًا وحديثًا – بالكافرين ؟! ) وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ( ([20]) )سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ( ([21]).
([1]) ( 2/ 193- 197/برقم320).
([2]) أي: طبقة بعد طبقة.
([3]) في (2/197-198/برقم 321).
([4]) ((شرح مسلم)) (12/432-433).
([5]) (ص297/ط. مكتبة العلوم والحكم ).
([6]) (ص50/ ط. دار الريان ).
([7]) ((مجموع الفتاوى)) (28/279) .
([8]) (4 / 527-530) و ((الاستقامة)) (2/215-216).
([9]) ((مجموع الفتاوى)) (4/444).
([10]) ((مجموع الفتاوى)) (28/128).
([11]) ((مجموع الفتاوى)) (35/12).
([12]) ((مجموع الفتاوى)) (35/21).
([13]) ((الإستقامة)) (1/32) وانظر ((منهاج السنة)) (3/391).
([14]) (ص399،401) ط. مكتبة المدني.
([15]) ((إجتماع الجيوس الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية)) (ص108-113) ت. بشير محمد عون، ط. مكتبة المؤيد.
([16]) (2/263).
([17]) ((الدر السنية)) (7/177 – 178) وانظر ((معاملة الحكام)) (ص12) وغيرها، لأخينا الشيخ عبد السلام العبد الكريم – رحمه الله تعالى رحمة واسعة -.
([18]) [ الأنعام: 143 ].
([19]) (8/12 – 19، 75- 77 ) ط. مؤسسة الرسالة، ت: شعيب الأرناؤوط.
([20]) [ الشعراء: 227 ].
([21]) [ القمر: 26 ].