شبهات والرد عليها

قد يقول قائل: سَلَّمنا بأن الخروج على الحكام خلاف مذهب أهل السنة، إلا أننا لم نَخْرُج جميعًا على الحكام، بل بعضنا ينكر هذه التفجيرات، إلا أن بيان عيوب الحكام، وذكر مثالبهم، والتشهير بذلك لِيَحْذَرَ الناس منهم؛ ليس خروجًا!!

قد يقول قائل: سَلَّمنا بأن الخروج على الحكام خلاف مذهب أهل السنة، إلا أننا لم نَخْرُج جميعًا على الحكام، بل بعضنا ينكر هذه  التفجيرات، إلا أن بيان عيوب الحكام، وذكر مثالبهم، والتشهير بذلك لِيَحْذَرَ الناس منهم؛ ليس خروجًا!!

فالجواب: من المعلوم أن الفعل يسبقه الكلام، وأن الفتن العظام قد يكون أصلها كلامًا لا يبالي به قائله، وأصل الخوارج رجل قال: ((اعدل يا محمد)) ولم يُشْهِرْ سيفًا آنذاك، ثم جاء بعده مَنْ سلك منهجه في التعقُّب والإنكار؛ فكفَّر المبشَّرين بالجنة عثمان وعليًّا وغيرهما رضي الله عنهم – وقتل أهل الإسلام، وترك أهل الأوثان!!

وقال صاحب الفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى   – في تعليقه على رسالة العلامة القاضي الشوكاني رحمه الله تعالى  – ((رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين )): ((وقد قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((إنه يخرج من ضِئْضِئ هذا الرجل من يحقر أحدكم صلاته عند صلاته، يعني: مثله، وهذا أكبر دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف، ويكون بالكلام، هذا ما أَخَذَ السيفَ على الرسول عليه الصلاة والسلام  – لكنه أنكر عليه، وما يوجد في بعض كتب أهل السنة، من أن الخروج على الإمام: هو الخروج بالسيف، فمرادهم بذلك: هو الخروج النهائي الأكبر، كما ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الزنى يكون بالعين، ويكون بالأُذُن، ويكون باليد، ويكون بالرجل، لكن الزنى الأعظم: هو زنى الحقيقة، هو زنى الفرج، ولهذا قال: ((الفرج يُصدِّقه أو يُكذِّبه)).

قال: ((فهذه العبارة من بعض العلماء: هذا مرادهم، ونحن نعلم علم اليقين بمقتضى طبيعة الحال: أنه لا يمكن خروج بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول.

الناس لا يمكن أن يأخذوا سيوفهم يحاربون الإمام بدون شيء يثيرهم، لا بد أن يكون هناك شيء يثيرهم، وهو الكلام، فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجًا حقيقة، دلَّتْ عليه السنة، ودلّ عليه الواقع.

أما السنة فعرفتموها، وأما الواقع: فإنا نعلم علم اليقين: أن الخروج بالسيف فرع عن الخروج باللسان والقول، لأن الناس لم يخرجوا على الإمام ( بمجرد أخذِ السيف ) لا بد أن يكون توطئة وتمهيد: قدح في الأئمة، وستر لمحاسنهم، ثم تمتلئ القلوب غيظًا وحقدًا، وحينئِذٍ يحصل البلاء )). ([1]) .اهـ.

وقد مَرَّ بنا أن الفكر الذي أفضى إلى التفجيرات مَرَّ بمرحلتين قبل التنفيذ، ولم يكن فيهما إلا مجرد الكلام من فوق المنابر، وفي المحافل العامة والخاصة، فمن الذي أجاز لكم الكلام المفضي إلى الفساد ؟ أليس الإسلام يقضي بسد الذرائع ؟.

وإن هذا ليذكِّرني بما ذكره الذهبي: في ((النبلاء))([2]) أن نصر بن سيار أمير بني أمية في خراسان قال عندما تأخَّر عليه مددهم ضد أبي مسلم الخراساني، الذي طوى فراش ملك بني أمية في أول الأمر بمجرد الكلام والكتمان فقال نصر بن سيار:

أرى خلَـلَ الرمادِ وميضَ نارٍ         خَليقٌ أن يكـون لـه ضرامُ

فإن النـار بالزَّنْـدَين  تُورَى        وإن الفعـل يسبقه الكـلامُ

و إن لم يُطْفـها عقـلاء قومٍ         يكون وقودَها جثثٌ وهـامُ

أقول من التعجب ليت شعري        أيقظانٌ أمـية أم نيـامُ  ؟ !

بل قد قال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى))([3]): أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن أبي أيوب عن هلال بن أبي حميد قال: سمعت عبد الله ابن عكيم يقول: لا أُعين على دم خليفة أبدًا بعد عثمان، فقيل له: يا أبا معبد، أوَ أعَنْتَ على دمه ؟ فيقول: ((إني أَعُدُّ ذِكْر مساويه عونًا على دمه ))([4]).اهـ. 

ثم إن أهل السنة أيضًا لم يُرَخِّصوا لرجل أن يلعن أميرًا أو ذا سلطان، أو يدعو عليه – وهذا مجرد كلام، وليس بإشهار سيف فقد قال البربهاري في ([5]): ((إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله تعالى – )).اهـ. 

فأين هذا ممن يقول: اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، وأرنا فيه يومًا كيوم فرعون وهامان وقارون… إلى غير ذلك ؟!

وللأسف: أنك ترى كثيرًا من الناس لا يرفعون أصواتهم بالتأمين في القنوت وغيره في جميع الأدعية الأخرى، كما يرفعونها ويضجُّون بها عند الدعاء على ولي أمرهم، فهل هؤلاء على ملة أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أم أنهم مفتتحو باب ضلالة ؟!

وقد سئل صاحب الفضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى  –: هل الخروج على الأئمة يكون بالسيف فقط، أم يدخل في ذلك الطعن فيهم، وتحريض الناس على منابذتهم والتظاهر ضدهم ؟

فأجاب حفظه الله تعالى  – بقوله: ((ذكرنا هذا لكم، قلنا: الخروج على الأئمة يكون بالسيف، وهذا أشد الخروج، ويكون بالكلام:   بسبهم، وشتمهم، والكلام فيهم في المجالس،  وعلى المنابر، هذا يهيج الناس ويحثهم على الخروج على ولي الأمر، وينقص قدر الولاة عندهم، فالكلام خروج )).([6]) .اهـ. 

وقد قال فضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان حفظه الله تعالى  – ([7]) جوابًا عن سؤال على من قَصَرَ الخروج على ما إذا كان بالسيف، وظن أن التهييج بالكلام ليس خروجًا!!

فقال حفظه الله تعالى  –: ((هذا السؤال مهم، فالبعض من الإخوان قد يفعل هذا بحسن نية، معتقدًا أن الخروج إنما يكون بالسلاح فقط، والحقيقة أن الخروج لايقتصر على الخروج بقوة السلاح، أو التمرد بالأساليب المعروفة فقط، بل إن الخروج بالكلمة أشد من الخروج بالسلاح، لأن الخروج بالسلاح والعنف لا يُرَبِّيه إلا الكلمة، فنقول للأخوة الذين يأخذهم الحماس، ونظن منهم الصلاح إن شاء الله تعالى –:  عليهم أن يتريثوا، ونقول لهم: رويدًا، فإن صَلَفكم وشدتكم تربي شيئًا في القلوب، تربي القلوب الطرية التي لاتعرف إلا الاندفاع، كما أنها تفتح أمام أصحاب الأغراض أبوابًا، ليتكلموا وليقولوا ما في نفوسهم- إن حقًّا، وإن باطلًا .

ولا شك أن الخروج بالكلمة، واستغلال الأقلام بأي أسلوب كان، أو استغلال الشريط، أو المحاضرات، والندوات في تحميس الناس على غير وجه شرعي؛ أعتقد أن هذا أساس الخروج بالسلاح، وأُحَذِّر من ذلك أشد التحذير، وأقول لهؤلاء: عليكم بالنظر إلى النتائج، وإلى من سبقكم في هذا المجال، لينظروا إلى الفتن التي تعيشها بعض المجتمعات الإسلامية، ما سببها؟ وما الخطوة التي أوصلتهم إلى ما هم فيه ؟! فإذا عرفنا ذلك؛ ندرك أن الخروج بالكلمة، واستغلال وسائل الإعلام، والاتصال للتنفير والتحميس والتشديد؛ يربي الفتنة في القلوب )).اهـ.

ثم هل يرضى هؤلاء المخالفون إذا كانوا ولاة أمر أن يُشَهَّر بهم من فوق المنابر، وفي أعظم الاجتماعات، في الجمع والأعياد ؟! وهل يقبلون النهش في عرضهم في المجالس العامة والخاصة، كما هُمْ يقعون في أعراض المسلمين، وإن كان فيهم بعض ما يقولون ؟!



([1]) الشريط ( 2/أ).

([2]) (6/56)، وفي بعض المواضع: ((فإن النار بالعودَيْن تُذكى….)).

([3]) (6/115)ط/دار الصادر.

([4]) وهذا سند حسن، رجاله كلهم ثقات، ومحمد بن أبي أيوب صدوق، وابن عكيم: ثقة مخضرم، أدرك حياة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ.

([5]) ((شرح السنة)) (ص 113).

([6]) نقلا عن ((الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية)) ( ص 107 ).

([7]) كما في ((مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري)) ( ص 88 ).