شبهات والرد عليها

فإن قال قائل مستدلا على جواز قتل المعاهَدين والمستأمنين: نحن اختلفنا معكم في الأصل، ألا وهو: ما حكم من يحكم بغير ما أنزل الله؟ فنحن نراهم كفارًا – بلا استثناء – وأنتم تخالفوننا في ذلك، ونحن بناءً على مذهبنا؛ فلا نرى الأمان الذي يعطيه هؤلاء الحكام الكفرة

فإن قال قائل مستدلا على جواز قتل المعاهَدين والمستأمنين: نحن اختلفنا معكم في الأصل، ألا وهو: ما حكم من يحكم بغير ما أنزل الله؟ فنحن نراهم كفارًا بلا استثناء وأنتم تخالفوننا في ذلك، ونحن بناءً على مذهبنا؛ فلا نرى الأمان الذي يعطيه هؤلاء الحكام الكفرة لليهود والنصارى وغيرهم في بلادنا أمانًا، وعلى ذلك فنحن نقتل هؤلاء الكفار، لأنهم لا أمان لهم، ولأنهم محارِبون، وأنتم تنكرون ذلك، طردًا لأصلكم الذي خالفناكم من أجله!!

فالجواب:

لقد سبق الرد على تسويغكم ما تفعلونه مستدلين بأنهم محاربون، بما يغني عن إعادته هنا.

وأيضًا فالحكام وإن كفرتموهم جميعًا على أصلكم فلا بد أن يُؤَمَّن من أمَّنه الحاكم وإن كفرتموه، لأن المعاهد عَدَّ ذلك أمانًا، ولو كان أمانًا فاسدًا في نظركم فهو أمان صحيح عند المعاهد، والعبرة في اعتبار الأمان وعدمه: ما يعتقده المعاهد، لا ما تتأولونه أنتم وغيركم، لأننا لو قتلناه أو آذيناه والحال هذه لَعُدَّ ذلك غدرًا من المسلمين، والمسلمون لا يغدرون، بل هم أهل الوفاء بالعقود والشروط والمواثيق، كما قال تعالى:) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود(([1]) ويقول سبحانه: ) وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا(([2])ويقول تبارك تعالى:) الَّذِينَ  يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ(([3])ويقول عز وجل:)وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ    كَفِيلا(([4]) وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((المؤمنون على شروطهم))([5]).

وإذا عُدَّ هذا غَدْرًا؛ شنَّع أعداء الإسلام على المسلمين بذلك، وصيانة عِرض الإسلام وأهله من شماتة المتربصين به واجب شرعي، فنقوم به في حدود الشرع؛ ولأجل هذا صرَّح أئمة الإسلام بأن العبرة في الأمان بما فهمه الكافر، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى –: ((إذا أُشير إليه أي: إلى الكافر بشيء غير الأمان، فظنه أمانًا؛ فهو أمان)) قال الفتوحي: ((وذلك تغليبًا لحقن الدماء، كما حُقن دم من له شبهة كتاب، تغليبًا لحقن  دمه...))([6]) .اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى –: ((جاءت السنة بأن كل ما فَهِمَ الكافر أنه أمان؛ كان أمانًا، لئلا يكون مخدوعًا، وإن لم يُقصد خَدْعُه )). ([7]) .اهـ.

وقال أيضًا ([8]): ((ومعلوم أن شبهة الأمان كحقيقته في حقن الدم...)).اهـ.

فإذا كان الكافر يقبل الأمان من الحاكم الذي تكفِّرونه أنتم لزمكم أن تُؤمِّنوه، لأن الكافر الداخل في الأمان؛ ليس فقيهًا في شريعتنا، ليدرك أن أمان هذا الحاكم يصلح له أم لا ؟ ثم لو صلح هذا الأمان عندكم، فما يُدريه أن ثمة طائفة أخرى أشد غلوًّا منكم لا يرون ما ترونه من صحة أمان ذلكم الحاكم، وهكذا!!

وعلى ذلك فلا بد من الوفاء له بالأمان، مالم يكن مستحقًّا لحد من حدود الله غير مجرد الكفر فهذا له حكم آخر ينظر فيه العلماء وأهل الحل والعقد، ويتخذون اللازم شرعًا، والله أعلم.

ولقد استفدت حكاية هذه الشبهة والتي بعدها وأصلَ الجواب عليهما من رسالة ((شبهات حول الجهاد)) فجزى الله مؤلفها خيرًا.



([1]) [ المائدة: 1 ].

([2]) [ الإسراء: 34 ].

([3]) [ الرعد: 20].

([4]) [ النحل: 91 ].

([5]) أخرجه أبو داود عن أبي هريرة برقم ( 3594) وانظره في ((الإرواء)) برقم ( 1303 ).

([6]) من ((المعونة)) للفتوحي (3/733) ط/دار خضر.

([7]) ((بيان الدليل)) (ص 64).

([8]) في ((الصارم المسلول)) (2/522) ط/ رمادي للنشر.