شبهات والرد عليها

فإن قال قائل: إن أمان هؤلاء الحكام للكفار لا ينعقد؛ لأنهم مُسْتَضْعفون مُكْرَهون عليه، والمكره لا يُعْتَمد على عقوده.

فإن قال قائل: إن أمان هؤلاء الحكام للكفار لا ينعقد؛ لأنهم مُسْتَضْعفون مُكْرَهون عليه، والمكره لا يُعْتَمد على عقوده.

فالجواب من وجوه إن شاء الله تعالى –:

1 ـــ نحمد الله أنك قد سَلَّمْتَ بأن المسلمين في هذه الأيام مستضعفون أمام هذه الدول، وكثير منهم مكره على كثير من الأمور، وإذا كان هذا في حكامهم كما صرحْتَ بذلك فما ظنك بأفرادهم؟!

2 ـــ إذا كان المسلمون مستضعفين؛ فلماذا تتصرفون تصرفات أهل الشوكة والنكاية بالعدو ؟! فتجرون على الأمة شرًّا، وتزيدونها وهَنًا على وهن ؟!

3 ـــ معلوم أن عقود الأمان: إما أن تكون لجلب مصلحة، أو دفع  مفسدة، والحاجة إلى دَفْعِ المفسدة هنا غالبًا تكون بسبب الضعف، فكيف تبطلون عقد المستضعف الذي يريد درء المفسدة العظمى بعقده ذلك ؟!

4 ـــ لو كنتم حكامًا مستضعفين كما تقرون بذلك في حق حكام هذا الزمان ولم تعقدوا هدنة مع الكفار: إما بعمل السفارات، أو بعقود أخرى، فماذا تفعلون لو كشَّروا لكم عن أنيابهم ؟! هل تدفعون المفسدة العظمى بعقود هدنة على ما فيها من إجحاف أم ستغامرون بشعوبكم ودياركم في دخول حرب مدمرة ؟!

فإن كان الأول: فما وجه إنكاركم على الحكام، وهم قد فعلوا ذلك لذلك، ولمصالح أخرى ؟! وما وجه إبطالكم عقدهم الأمان لكافر ؟!

وإن كان الثاني: فهل اعتبرتم بهذا القاعدة الشرعية العظمى في مراعاة المصالح والمفاسد؟!

هذا؛ مع علمي بأن من الولاة من قد ضَعُفَتْ عنده الغيرة الدينية جدًّا ، وإنا لله وإنا إليه راجعون، لكننا نلزم منهج  السلف، ونسأل الله أن يصلحهم، وأن يقذف في قلوبهم الإيمان، إنه على كل شيء قدير.

وعلى كل حال: فمنشأ الفتنة: عندما تَصَرَّفَ الضعيف تصرف القوي المنيع!! ولا يقبل نصح أهل الذكر الذين أمر الله بالرجوع إليهم!!

وقد صدق قول القائل:

الحرب أول ما تكــون فَـِتَّيًة     تسعى بـزينتها لكـل جهـولِ

حتى إذا اشتعلتْ وشَبَّ  ضِرامُهَا      ولَّتْ عجوزًا غيرَ  ذاتِ حَليـل

شمطاء  يُكْره  لـونُها وتغـيرتْ      مكروهة  للـشم  والتـقبـيل

5 ـــ ولو سلمنا بما قال هذا القائل في هذه الشبهة، وأن هذا الأمان فاسد؛ فبقي أن الكفار يَعُدُّون ذلك أمانًا، فيُؤَمَّنون به لما تقدم في الشبهة السابقة والجواب عنها.

6 ـــ وأيضًا: فلو سلمنا بعدم صحة هذه الوجوه؛ فبقي النظر في المفاسد التي تعود على المسلمين في ديار الإسلام وفي عموم بلاد الكفر من جرّاء إهدار هذا الأمان وإلغائه!! ولا شك أنها مفاسد عظيمة كما تقدم فنعوذ بالله من كيد الكائدين، وعبث العابثين، والله المستعان.

فإن قيل: سلَّمنا بأن عقد الأمان من المستضعف يُعمل به، إلا أن ذلك يكون إلى مدة مؤقتة، لا بصورة مطلقة،كما هو حاصل الآن!!

فالجواب: إذا زالت العلة التي من أجلها عُقِد الأمان للكفار، ولم تعد هناك مصلحة لذلك؛ فيُنْبذ إليهم على سواء، لكن إذا كانت العلة باقية؛ فالحكم باقٍ، والعبرة بجلب المصلحة، أو دفع المفسدة، وأما تحديد المدة فلا دليل عليه والحال هذه ومن كان عنده دليل على أن المستضعف لا يعقد هدنة إلا مدة محدودة، ثم بعد ذلك يزجّ بنفسه وشعبه وبلاده في فتنة الله بها عليم مع ضعفه فليأْت بحجة!! ودون ذلك خرْطُ القتاد!!

ولا يلزم من كون صلح الحديبية مدته عشر سنوات؛ ألا يُزاد على هذا القدر إذا دعت الحاجة إلى ذلك، فالعبرة بالحاجة والمصلحة، لا طول المدة وقصرها، أما عقد هدنة بقية الدهر، وإن تبدل الحال غير الحال؛ فلا يجوز، كما فصَّل  ذلك العلماء، والله تعالى أعلم.

نعم: على الحاكم المسلم أن يجتهد في أمر الله عز وجل، ويسعى لإقامة الحق في سلطانه، وعند ذاك يُعزّه الله، ويُرغم أنف أعدائه، والله المستعان، وعليه التكلان.