فإن قيل: إن الحكم بغير ما أنزل الله هو السبب الوحيد في هذه التفجيرات، ولو أن الحكام استقاموا على شريعة الله؛ لما كان شيء من ذلك، فالبادي أظلم!!
ولما وُجِد الإهمال أو الإعراض عن شرع الله في كثير أو قليل،ووُجد الامتناع عن تحكيم شريعة الله تعالى في كثير من البلدان، ووُجِد الاستهزاء بالدين – في بعض البلدان – أَدَّى ذلك إلى وجود غلوٍّ، فآل الأمر إلى التفجيرات والاغتيالات، فَحَكَم هؤلاء الشباب – أيضًا – بغير ما أنزل الله، ووقعت بذلك الفتنة!!
إلا أنه قد جاءنا الخبر الفصل في السنة النبوية فيما إذا جاء الخلل من الحكام – فيما بينهم وبين ربهم، أو بينهم وبين رعيتهم – بالصبر والسمع والطاعة لهم في المعروف، بل لو وقعوا في الكفر؛ ففي المقام تفصيل عند أهل السنة، وهذا التفصيل راجع إلى سبب الوقوع في الكفر: هل هو الشبهة التي يُعذر من وقع في الكفر بسببها، أم لا ؟ وهل المسلمون قادرون على تغيير هذا المنكر بدون مفاسد مساوية أو راجحة، أم لا ؟! وقد سبق أن المرجع المأمون في تقدير ذلك: هم كبار أهل العلم من أهل السنة، أهل العلم والحلم، والفهم الصحيح للمصالح والمفاسد.
إذًا، فهؤلاء الشباب قد خالفوا السنة بفعلهم هذا عندما خرجوا على الحكام بهذه الزلازل والفتن، ولا يصح أن يقال هنا: البادي أظلم – بمعنى: أن الراد بذلك على الحاكم الظالم ليس بظالم أيضًا –!! فإن الراد عليه بالخروج والتشهير – فضلًا عن التفجير والتدمير – ظالم بمخالفة السنة، كما أن الحاكم الذي يهمل العمل بالشرع؛ ظالم بتركه التحاكم لشريعة الله عز وجل، ولكل منهما حُكمه، حسب تفاصيل الشريعة!!
وأيضًا: فهل الحكم بغير ما أنزل الله هو السبب الوحيد لهذا الغلو، والوقوع في التفجير والتدمير ؟!
الجواب: لا، فها هي المملكة العربية السعودية – حرسها الله وجميع بلاد المسلمين من كيد الكائدين وعبث العابثين – لم تَسْلَم أيضًا من شر هذا الفِكْر المحْدَث، وهي تُحْكَم بالشريعة الإسلامية، وتُحيي التوحيد، ومذهب أهل السنة في مشارق الأرض ومغاربها – بقدر الاستطاعة، مع وجود بعض الأخطاء في الجملة، فنسأل الله أن يعينهم على إصلاحها –كما تدافع المملكة عن الإسلام في كثير من المواقع والثغور، ولا زالت الصدر الحنون العطوف الذي لم تجف ألبانه، ولم يتم الرضاعة بعد للعلماء والدعاة إلى الله وطلاب العلم، وحُفّاظ كتاب الله، واليتامى، والأرامل، والمرضى، والمعاويز، وذوي الحاجات من جميع أنحاء العالم، بما لا يُنكره إلا جاهل بهذه البلدة المباركة وأهلها الكرماء، أو جاحد مكابر قد عميت بصيرته في هذا المقام، وفسد مزاجه، حتى أصبح يجد طعم المر في الماء العذب الزلال!! كما قال القائل:
ومن يك ذا فمٍ مُرٍّ مريض يجدْ مُرًّا به المـاء الزلالا
وهل سَلِمَتْ مكة والمدينة: الحرمان الشريفان، اللذان يَسْلَمان من شر الدجال، هل سلمتا من غبار سيل هذه الفتنة وتلك الأفكار ؟! وهل سَلِمَتْ الرياض، عُقْر دار التوحيد، وقُطْب رَحَى السنة في هذا العصر الجديد، وقرة عيون المسلمين – مع الحرمين الشريفين – وبلد العقيدة الرشيدة، والمواقف السديدة في خدمة الإسلام من الرجال والنساء، فهل سلمت من آثار هذا الفكر المحْدَث ؟!
فلو سلَّمنا – جدلًا، ومعاذ الله – بأن في البلاد الأخرى من بلاد المسلمين ما يُسوِّغ هذه التفجيرات والاغتيالات، فهل اقتصر الأمر على ذلك ؟!
إن هذا ليدلُّنا على أن هذه المشكلة لها أسباب عدة، وجوانب متعددة غير الحكم بغير ما أنزل الله.
وإن هذا الجواب عن هذا الإيراد؛ لا يلزم منه تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله، أو التهوين من شأنه؛ فإن الحكم بغير ما أنزل الله – بدون عذر شرعي – جريمة نكراء، وجناية شوهاء، وقد يصل بصاحبه إلى الكفر الأكبر، وقد يَبقى صاحبه فاسقًا مع وجود أصل الإيمان عنده- على تفاصيل معلومة، ليس هذا موضعها – ولا يجوز لمسلم يخاف الله أن يسن سنة سيئة في الإسلام، وأن يعصي الله بإهمال شرعه، أو الإعراض عن حكمه، فقد قال تعالى:)وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا(([2])وقال تعالى:)فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(([3]) وإنما المراد بيان أن الحكم بغير ما أنزل الله ليس هو السبب الوحيد، وإن كان سببًا عظيمًا في كثير من الرزايا التي حلَّت بالمسلمين، ولو سلمنا بأنه السبب الوحيد؛ فلا يجوز أن نقابل الخطأ بخطأ، أو أن نُظْلَم فنَظِْلمَ، فـ((خير الهدي هدى محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وشر الأمور محدثاتها)) وقديمًا قيل:
وكل خيرٍ في اتباع من سلف وكل شرٍّ في ابتداع من خلف.
([1]) [ النور: 63 ].
([2]) [ الأحزاب: 36 ].
([3]) [ النساء: 65 ].