شبهات والرد عليها

يقول بعضهم: إن الحكام الموجودين الآن قد وصل كثير منهم إلى الحكم عن طريق الثورة والانقلاب، ولم يأخذوا الولاية عن مشورة المسلمين، وعلى ذلك فولايتهم غير شرعية،

يقول بعضهم: إن الحكام الموجودين الآن قد وصل كثير منهم إلى الحكم عن طريق الثورة والانقلاب، ولم يأخذوا الولاية عن مشورة المسلمين، وعلى ذلك فولايتهم غير شرعية، بل قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : ((فمن تأمَّرَ منكم على غير مشورة من المسلمين؛ فاضربوا عنقه)) فلماذا تنكرون خروجنا عليهم، وهم قد خرجوا على من سبقهم ؟! فنحن نخرج كما خرجوا، وليس لهم علينا حق السمع والطاعة!!

والجواب على ذلك من وجوه إن شاء الله تعالى –:

الأول: أنهم وإن ثاروا على من قبلهم؛ فقد استقر لهم الأمر، وأصبح من أشرتم إليه بما سبق يُسَمَّى أحدهم رئيسًا لبلاده، أو ملكًا، أو أميرًا، أو شيخًا،  أو قائدًا… ونحو ذلك.

فلا يجوز أن يُقتدَى به في هذا الفعل، ولا يحل لكم أن تخرجوا عليه، لأن من غلب على الإمارة بشوكته وإن كان ظالمًا وسُمِّي أميرًا، أو رئيسًا، أو ملكًا؛ فلا يجوز الخروج عليه، لأن في الخروج عليه فتنة وفسادًا في الأرض، وهذا الحكم عام فيمن ولاّه أهل الحل والعقد، أو غلب على الولاية بشوكته.

وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى – في ((رسالة عبدوس بن مالك العطار)): ((أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم-…)) فذكر أمور، إلى أن قال: ((ومنْ ولي الخلافة، فأجمع عليه الناس، ورضُوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة، وسُمِّي أمير المؤمنين؛ فدَفْع الصدقات إليه جائز، برًّا كان أو فاجرًا )).([1]) .اهـ.

وقد قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب النجدي رحمه الله –:  

((الأئمة مجمعون في كل مذهب: على أن من تغلَّب على بلد أو بلدان؛ له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت  الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدًا من العلماء ذكر أن شيئًا من الأحكام لا يصح إلى بالإمام الأعظم ))([2]).اهـ. 

فكل هذا يدل على أن من غلب عليها بشوكته ولا يكون ذلك إلا بخروج منه على من قبله وسُمِّي أميرًا للناس؛ يجب التعاون معه على البر والتقوى، والسمع والطاعة له في المعروف، وهذا من باب تقليل  المفاسد، وإذا كان النهي عن المنكر، يترتب عليه منكر أكبر؛ فمن المنكر النهي عن المنكر والحالة هذه والله أعلم.

الثاني: قد جرى نحو هذا في زمن الأئمة، ومع ذلك فلم ير أهل السنة الخروج على من غلب عليها بشوكة بهذه الشبهة، ولا يخفى أن دولة بني العباس ما قامت إلا بالخروج على بني أمية، وانتزاع الحكم  منهم، ومع ذلك فسيرة السلف معهم معلومة في السمع والطاعة في المعروف، والتحذير من الخروج عليهم، بل عُدَّ الخروج على الحاكم- وإن ظلم من مذاهب أهل البدع، وما جرى بعد ذلك من أحداث أشهر من أن تُذْكَر، ومع ذلك فسيرة الأئمة فيهم واحدة: لا ينـزعون يدًا من طاعة  ولا يرون مناوأة ولاة أمورهم، مع النصح بالمعروف ما أمكن.

الثالث: أن من ثار من هؤلاء الحكام قد وصل بثورته إلى الحكم، واستقرت الأمور له بعد ذلك لشوكته، أما أنتم فلم تحصلوا على شيء من ذلك لضعفكم، مما أدى ذلك إلى فتن أعظم مما حققتم من أهدافكم، وقد سئل الشعبي رحمه الله تعالى – عن فتنة ابن الأشعث، التي خرج عليه فيها عدد من القرّاء، فقال: ((أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء))!! وقد سبق من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – ما يدل على أن الطوائف التي خرجت على الحكام أتت بمفاسد أعظم مما أرادت إزالته من المفاسد، وهذا هو الحاصل الآن.

الرابع: أن من وصل إلى الحكم بهذه الطريقة من الحكام؛ لم ينسب ذلك غالبًا إلى الدين، وإنما سمى ذلك: ثورة، وحرية، وديمقراطية… الخ، أما أنتم فتنسبون أعمالكم إلى الدين مع بُعدها عن منهج أهل السنة والجماعة فكيف تقتدون بالحكام في ذلك وأنتم تكفِّرونهم ؟!

وصدق من قال:

فإن الجرح ينفر بعد حين ٍ      إذا كان البناء على فسادِ

الخامس: أن أثر عمر – رضي الله عنه – محمول على من بُويع مع وجود أمير ذي سلطان وشوكة، ولم يُبايَعْ من خرج عليه من قِبَلِ أهل الحل والعقد؛ فيُقِْتل كائنًا من كان، كما هو معروف في السنة، أو يُحمل على من تأمَّر من الستة الذين اختارهم عمر لهذا الأمر قبل أن يبايعه بقية الستة، كما هو ظاهر من قول عمر: ((أمْهِلوا؛ فإن حَدَثَ بي حَدَثٌ؛ فليُصلِّ لكم صُهيب ثلاث ليال، ثم اجمعوا أمركم، فمن تأمّر منكم على غير مشورة من المسلمين؛ فاضربوا عنقه ))([3]).اهـ.

وقوله: ((فاضربوا عنقه)) يدلُّ على أن المسلمين قادرون على إطفاء فتنة من تأمَّر بغير مشورة منهم، وأن الضرر سيقع عليه – لا على الأمة – بضرب عنقه، وأين هذا من حالنا اليوم؟!.

واعلم أن من غَلب عليها بشوكته، واستقر له الأمر، ودانتْ له الدهماء؛ فلا بد أن يبايعه أهل الحل والعقد، حقنًا للدماء، قال ابن عبد البر:    

((… وقال أهل الفقه: إنما يكون الاختيار في بدء الأمر، ولكن الجائر من الأئمة إذا أقام الجهاد والجمعة والأعياد، ( و ) سكنتْ له الدهماء، وأنصف بعضها من بعض في تظالمها؛ لم تجب منازعته، ولا الخروج عليه، لأن في الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وشنَّ الغارات، والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر  على جَوْره وفسقه، والنظر يشهد: أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك… )). ([4]) .اهـ.

السادس: إذا كنتم ترون أن من وصل إلى الحكم بطريقة الانقلاب والخروج على من قبله، فيجوز أن يُخرج عليه لذلك، أو تُضْرب عنقه!! فهل إذا وصلتم إلى الحكم تُجَوِّزون لغيركم أن يخرج عليكم، وتُضْرَب أعناقكم أيضًا ؟! فإن أبيتم؛ تناقضتم، وإن أجزتم ذلك؛ فتحتم باب الشر على المسلمين، وجعلتم دماء، وأموال، وأعراض، وأمان، ومصالح، وثروات المسلمين في مهب ريح الفتنة، ويُشْغَل المسلمون بأنفسهم؛ فتسقط هيبتهم، وتُنتهك حرمتهم، ويستبيحهم عدوهم!! فكفى بهذا القول فسادًا وشرًّا، وصدق الله  القائل: ) وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ( ([5])والقائل: ) قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( ([6]).



([1] ) من ((منهاج السنة)) ( 1/529) وانظره مع زيادةٍ في ((طبقات الحنابلة)) ( 1/241-242).

([2] ) انظر ((الدرر السنية)) (7/239).

([3]) أخرجه ابن سعد في ((الطبقات)) (3/344) والبيهقي في ((الكبرى)) (8/17-18) وسنده صحيح.

([4]) انظر ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (8/17-18)ط. مؤسسة الرسالة.

([5]) [ النساء: 82 ].

([6]) [ الأعراف: 28 ].

أضف تعليق

انقر هنا لنشر

للتواصل معنا