وممن ولعوا بالخروج على الحاكم المسلم من يقول: كثير من هؤلاء الحكام ليسوا من قريش، والخلافة في قريش ما بقي في الناس اثنان، ولذلك فلا بد من الخروج على هؤلاء الحكام، حتى يعود الأمر إلى نصابه!!
والجواب على ذلك، من وجوه – إن شاء الله تعالى –:
الأول: نعم، لقد وردت أدلة صحيحة، وآثار صريحة تدل على أن الخلافة في قريش، إلا أن ذلك ليس خاصًّا ببني هاشم، ولا بالبطنين، أو السبطين – كما يزعم بعضهم – فإن قريشًا أعم من ذلك – كما لا يخفى – ولذلك لم ينكر علماء السنة خلافة بني أمية، مع أنهم ليسوا هاشميين، ولا خلافة بني العباس، مع أنهم ليسوا علويين، أو من البطنين، فيجب أن يُعلم هذا.
الثاني: الأدلة الدالة على كون الأئمة من قريش يُعمل بها في حالة الاختيار، لا في حالة الاضطرار، أي أن غير القرشي إذا غلب عليها بشوكته، أو اختاره أهل الحل والعقد؛ لزم القرشيَّ وغيره أن يُذعن له، ويسمع له ويطيع في المعروف، وعلى هذا إجماع الأئمة، كما سبق.
فإذا خرج القرشي على غير القرشي الذي استقر له الأمر، وسُمي أميرًا للمؤمنين؛ فهو خارجي، ولزم المؤمنين أن يقاتلوا القرشي ومن معه وراء أميرهم – بعد نصح البغاة والسعي في إطفاء فتنتهم بالطرق الشرعية – لقوله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يَشُقَّ عصاكم، أو يُفَرِّق جماعتكم؛ فاقتلوه)) وفي رواية: ((إنها ستكون هنَاتٌ وهنات، فمن أراد أن يُفرِّق هذه الأمة، وهي جميع؛ فاضربوه بالسيف كائنًا من كان ))([1]) أي سواء كان قرشيًّا، أم لا، وسواء كان أصلح في نفسه من الأمير الموجود أم لا!!
وللقرشي مثل غيره من الحقوق إذا اختاره أهل الحل والعقد، أو غلب عليها بشوكته، ويمتاز على غيره بأنه إذا استوى مع غيره في جميع شروط الإمامة؛ فإنه يُقدَّم لقرشيته – في حالة الاختيار لا الاضطرار – وليست أولويته مطلقة، وإن غلب عليها غيره، أو اختاره أهل الحل والعقد!!
الثالث: لو خُيِّر أهل الحل والعقد بين قرشي رافضي، أو قبوري خرافي، أومبتدع ضال، أو ظالم فاجر، وبين سُنِّي صالح قوي، وهو غير قرشي؛ فلا يسعهم إلا اختيار السني القوي، وإن لم يكن قرشيًّا؛ لأن هذا أعظم في تحصيل مقصود الخلافة من مجرد تحقُّق شرط النسب، وصدق من قال:
لا ينفع الأصلُ من هاشم إذا كانت النفس من باهلة
ومن قال:
إذا افتخَرْتَ بآباءٍ ذوي شرفٍ قلنا صَدَقْتَ ولكن بئس ما وَلَدُوا
إذًا، فلا يجوز الخروج على الحاكم المسلم – وإن لم يكن قرشيًّا، وإن كان ظالمًا – طالما قد استقر له الأمر، إما باختيار أهل الحل والعقد، أو بغلبته بشوكته عليها، كل هذا حفاظًا على ما بقي من خير في المسلمين – لا تزلُّفًا لحاكم – ويجب التعاون مع ذي السلطان على البر والتقوى ما أمكن ذلك، ومن خرج عليه من قريش أو غيرها – سواء كان سُنِّيًّا أم بدعيًّا، برًّا كان أم فاجرًا – فهو خارجي، يُرَدُّ بغْيه بما أمكن من طرق، فإن لم يرجع إلا بالسيف – وكان السكوت عليه أعظم شرًّا – قاتله الإمام ومن معه من المؤمنين كائنًا من كان، ولقد أحسن من قال:
فما هو إلا الوحي أَوْحَدُّ مُرْهَفٍ تُميـل ظباه أخْدَعَيْ كـلِّ مائلِ
فهذا شفاء الداء مـن كل عاقلٍ و هذا دواء الداء من كل جاهـلِ
(تنبيه): هناك من ينظر إلى شرط القرشية في الإمامة نظرةً طائفية، أو عِرقية، أو نحو ذلك، ويردُّ هذا الشرط بلا دليل إلا مجرد شبهات عقلية، وهذا أسلوب غير شرعي، ولا يلزم من فساد حال من يذكر هذا الشرط ويدَّعيه لنفسه أن يكون هذا الشرط باطلًا.
فقد وردتْ أدلة في السنة بهذا الشرط لا يمكن ردُّها، لكن الصحيح أن من خرج على الجماعة، وأراق الدماء بشبهة القرشية؛ يجاب عليه بما سبق؛ لا بهذه الإيرادات الواهية، فلا يجوز ردُّ الباطل بباطل، إنما يُردُّ بالحق، كما قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}، والله أعلم.
([1]) أخرجه مسلم برقم (1852).