شبهات والرد عليها

قد يقول قائل: سلَّمنا لك بأننا غير قادرين على جهاد الطلب، لكننا نجاهد الآن جهاد الدفع، لأن الكفار احتلوا بعض بلاد المسلمين، ويسعون للسيطرة على ما بقي من البلاد، فنحن نجاهد دفاعًا عن أنفسنا، وحرماتنا، وبلادنا، فلماذا تنكرون علينا ؟!

قد يقول قائل: سلَّمنا لك بأننا غير قادرين على جهاد الطلب، لكننا نجاهد الآن جهاد الدفع، لأن الكفار احتلوا بعض بلاد المسلمين، ويسعون للسيطرة على ما بقي من البلاد، فنحن نجاهد دفاعًا عن أنفسنا، وحرماتنا، وبلادنا، فلماذا تنكرون علينا ؟!

فالجواب: لا شك أن ما ذُكِر من غطرسة الكفار واعتدائهم على الإسلام وأهله؛ فساد عظيم، وخطر جسيم، ويالها من أيامٍ تاريخُهَا مظلم، والظلم فيها مخيِّم، فأسأل الله أن ينصر الإسلام والمسلمين، ويذل الشرك والمشركين.

إلا أن الله عز  وجل   – قد قال: ) وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا (([1]) والتفجيرات والاغتيالات تزيد الطين بِلَّة، والمريض علَّة، والأمة ضَعْفًا وذِلًّة!!

وجهاد الدفع واجب من الواجبات الشرعية، وهو منوط بالقدرة والاستطاعة، وعدم زيادة الشر شرًّا، ولو أن المسلم ترك ما يعجز عنه من واجبات؛ لَعَذَره ربه، وجعل له مخرجًا، لأنه مُتَّقٍ لله عز  وجل  – في ذلك، والله تعالى يقول: ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (([2])ويقول سبحانه: ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (([3])، وكذلك لو اشتغل المسلم بما يستطيع من طلب العلم والدعوة إلى الله تعالى، ووجَّه طاقات الأمة لخدمة الدين حسب استطاعته كلُّ في مجاله وبابه وحسب قدراته؛ لآل ذلك بالنفع العميم، لكن الأمر كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: ((التأني من الله، والعجلة من الشيطان))([4]) والله المستعان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى –: ((… ومن كان عاجزًا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد، فَفَعَل ما يقدر عليه: من النصيحة بقلبه، والدعاء للأمة، ومحبة الخير، وفَعَلَ ما يقدر عليه من الخير؛ لم يُكَلَّف ما يعجز عنه، فإن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر، كما ذكره تعالى… ))([5]).اهـ.

وهذا فيمن أدَّى ما عليه، أما من فرّط وقصَّر، حتى ضعفت دولته؛ فالإثم عليه ، لكن الناس لا يجاهدون وهم ضعفاء غير قادرين.

قال صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى –: ((المهم أنه يجب على المسلمين الجهاد،حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ما يستطيعون به جهاد الكفار، حتى ولو جهاد مدافعة، وجهاد المهاجمة ما في شك الآن غير ممكن، حتى يأتي الله بأمة واعية، تستعد إيمانيًّا ونفسيًّا، ثم عسكريًّا، أما نحن على هذا الوضع فلا يمكن أن نجاهد ))([6]).اهـ.  

فجهاد الدفع أيضًا لا بد فيه من القدرة على دفع الأعداء، أما إذا كنا عاجزين، أو كان شرهم يزداد بذلك، ونُعْطي لهم سهمًا مِنْ جَعْبتنا يرموننا به، يحتلون ما بقي من بلادنا؛ فليس هذا بجهاد، بل هو فتنة في الأرض، وفساد عريض!!

هذا، مع نصحي لكل من ولاه الله أمر المسلمين: بأن يتقوا الله في أمة الإسلام، وأن يسعوا جاهدين لجمع الكلمة، والذب عن أعراض ودماء وأموال وبلاد المسلمين، فإنهم أمانة في أعناقهم، وهم رعيتهم في الدنيا، وخصماؤهم يوم القيامة؛ إذا لم يسيروا فيهم بهدْي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

إنني لأدرك وقلبي يعتصر أن من الشباب من يقول: هل نسكت والمسلمون يحدث لهم كذا وكذا ؟!

فأقول: نحن لانريد أن نخالف الأدلة الشرعية، وإلا خسرنا ديننا بعد دنيانا!! وإن ما تذكرون من مصائب حَلَّتْ بنا يُدْمِي القلب؛ لكن هل يهُب بعض الناس للقتال مع الضعف والتخاذل فينـزل بهم وبغيرهم البلاء؛ فيزداد الشر أكثر وأكثر ؟!

فإن قيل: فماذا نفعل إذًا ؟!

فالجواب: إذا صبرنا، ولزمنا المنهج النبوي، وأدينا الذي علينا، وعجزنا عن القتال، فسينـزل نصر الله إن شاء  الله تعالى – وسيكفينا الله مؤنة عدونا، والأدلة والتجارب تشهد بذلك، فقد قال الله تعالى:) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (([7])، وقوله: ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (([8])، وهذا بخلاف ما تدعون إليه من اقتحام أهوال الفتن، وليكن ما يكون!!

ثم أقول للشباب: هل أنتم بعملكم هذا قد أخرجتم العدو من  بلادنا ؟! أين فلسطين بعد أعمالكم هذه ؟! وهل بقيت فلسطينوحدها مطلب المسلمين في إخراج العدو منها، أم انضم إليها غيرها من البلدان ؟! فهل دفعتم بفعلكم هذا العدو، أم مكنتم له في البلاد من حيث لا تشعرون ؟ وصدق من قال:

رام نفعًا فَضَرَّ من غير قصدٍ      ومن البر ما يكون  عقـوقا

أما ترون قبل أعمالكم هذه كيف كانت الأمة بعلمائها ورجالها بل كثير من ولاة أمورها يسعون في نصرة المسلمين في فلسطين بالمال وغيره على ما كان في موقفهم من ضعف ووهاء في الجملة وأما اليوم فقد سكت الناطق، وأمسك المتصدق المنفق، وتسلطت الأضواء، واتجهت الأنظار إلى المسلمين بغيظ وتشويه، وأما اليهود فيعيثون في الأرض فسادًا أكثر من ذي قبل في فلسطين، ونحن نمنِّي أنفسنا ونوهم أصحاب الأماني بأننا قائمون بجهاد الدفع عن حرمات المسلمين!! فهل سَلِمَتْ فلسطين وغيرها من البلدان من آثار هذا الفكر ؟!

ألم يتعرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه رضي الله عنهم  – رجالا ونساءً للعذاب الشديد من المشركين والمنافقين، ومع ذلك فقد أُمِروا بالكف والصبر في أول الإسلام لضعفهم ؟! فهل نحن أغير منهم على الدين، أو أن عدونا اليوم أضعف من عدوهم آنذاك ؟ ) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ( ([9]) ؟!

إن القوم يستدلون بقول امرأة: ((وامعتصماه)) فأجابها بجيوش  جرّارة، فأقول بعد التسليم بصحة هذه القصة!! : هذا هو الواجب على ولاة الأمور الذين مكنهم الله في الأرض ،فقد قال تعالى: ) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (([10]) بل هذه من أخص خصائص واجبات ولاة الأمور، لكن إذا لم يقوموا بهذا؛ فإن كانوا ضعفاء؛ عذرناهم من ناحية، ونصحناهم باستدراك ما فات، وتوجيه ما بقي من الطاقات للقيام بذلك حسب الاستطاعة وأعنَّاهم على ذلك، وإن كانوا غير معذورين: فيُرْجع إلى منهج أهل السنة في حكم الخروج على من ضيَّع من الولاة واجبًا فأكثر، وقد سبق هذا مفصلًا، والعلماء ينظرون فيما تؤول إليه الأمور، ويسلكون الذي يكون أقرب لمراد الله عز  وجل   – ولو خرجوا على حكامهم؛ لأدَّى ذلك إلى ظلم البقية من الناس، واتساع رقعة الفساد، فهل الدين يأمر بذلك ؟ ألا تُفرِّقون بين حالتي القوة والضعف ؟ أم أن المراد تعبئة العامة وأشباههم بالحماس والعواطف، وإن أدى ذلك إلى المفاسد السابقة ؟!

فإن قيل: إن هذه الأعمال من تفجيرات واغتيالات تُرْهب الكفار، وإن لم تخرجهم من بلادنا هذه الأيام؛ فستخرجهم في المستقبل إن شاء  الله تعالى – بل تجعلهم في هَلَع في عُقْر دارهم ؟

فالجواب: إننا ندعوا الله عز  وجل   – أن يدفع عنا شر كل ذي شر هو آخذ بناصيته، وأن ينـزل بمن ضيَّق على المسلمين من أعدائهم عذابه وسخطه الذي لايُرد عن القوم المجرمين، إلا أننا يجب أن نعلم أن هذه الأعمال ترهب الكفارَ حقًّا لو كان وراءها قوة توقع النكاية بالعدو، فتكُف شرهم، وتدفع عن المظلومين ظلمهم،كما في قوله تعالى: ) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (([11])، فمالم يوقع الرهبة في العدو؛ فليس بقوة كافية للقتال، كما تشير إليه الآية الكريمة، ولا يُعْقَل أن العدو يملك أسلحة الدمار الشامل، ونحن نواجهه بعصا الراعي، وسكين المطبخ، كما يقول صاحب الفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى – أو نواجهه بأسلحة قديمة مع تفرقنا والتخبط العقدي في أماكن كثيرة، إلا من رحم الله فإن هذه الأسلحة لا توقع فيه نكاية، ولا تشفي صدرًا، ولا تُذْهب غيظًا!!

ومما يدل على أن هذه التفجيرات لم ترهب الكفار إلا في بعض أنباء الصحف والفضائيات ونحوها فيما أعلم : استفحال شر الأعداء، وزيادة توغلهم في عقر دار المسلمين، يومًا بعد يوم حتى الآن وسقوط بعض الدول، وإنزال العقوبات المتنوعة بالمسلمين، وتناثر عِقْدهم، وخذلان بعضهم بعضًا، بعد أن كانوا أحسن حالًا من هذا الحال على ما كان فيهم من عوج شديد والأعور أفضل من الأعمى، وحنانَيْك بعض الشر أهون من بعض، ونحن لسنا مأمورين بأن نزيد الشر شرًّا، أو نكون كما يُقال: ((زاد ضِغْثًا على إبالة))!! والله المستعان.

أضف إلى ذلك أن هذه التفجيرات أرهبت أولياء الله لا أعداء اللهوضيَّقت عليهم، وطوت كثيرًا من فراش دعوتهم الذي بسطوه هنا  وهناك، وإن أرهبت بعض الأعداء في جهة ما؛ فقد سلطتهم على آخرين في جهات أكثر وأهم، والله المستعان.



([1]) [ البقرة: 189 ].

([2]) [ الطلاق: 2 ].

([3]) [ الطلاق: 4 ].

([4]) أخرجه الترمذي وغيره، وهو حسن في الجملة، وانظر ((تخريج أحاديث الإحياء)) برقم (1257).

(2) ((مجموع الفتاوى)) (28/396).

([6]) من ((لقاء الخميس)) الثالث والثلاثين، في شهر صفر 1414 هـ، نقلًا عن   ((مهمات في الجهاد)) ( ص 17 ).

([7]) [ الطلاق: 2 ].

([8]) [ الطلاق: 4 ].

([9]) [ التكوير: 26 ].

([10]) [ الحج: 41 ].

([11]) [ الأنفال: 60 ].