سؤال نقدمه لمشايخنا وعلمائنا – حفظهم الله جل وعلا-:
نسمع في هذه الأيام وما قبلها ما تتناقله بعض وسائل الإعلام: من الفضائيات، والصحف، والنشرات، والكتب، وغيرها من اتهام دعوة أهل السنة والجماعة السائرة على منهج السلف الصالح بأنها هي التي تُفَرِّخ فِكْر تنظيم القاعدة، وأن دعوة أهل السنة المعروفة بالسلفية تُمثِّل مرحلة التنظير الفكري والعَقَدي لهذا التنظيم، فما صحة هذه الدعوى؟
الجواب: الحمد لله القائل: [فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ] {الرعد:17} والقائل: [وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا] {المائدة:41} والقائل: [إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الهُدَى] {النَّجم:23} والقائل: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] {الحجرات:6} .
والصلاة والسلام على رسول الله القائل: “سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصادق، ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين“([1]) والقائل: “وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرهم في جهنم إلا حصائدُ ألسنتهم؟”([2])
وبعد: فقد سمعنا وقرأنا هذه الادعاءات والتقوّلات التي تُنْسَب لدعوة أهل السنة وعلمائها، ويُراد من وراء ذلك اتهام دعوتنا بأنها تُمهِّد الطريق أو تهيئ المناخ لما يُسَمَّى بفِكْر “القاعدة”، ورأينا من خلال الاستقراء أن الذين يتكلمون بذلك عِدَّة طوائف، منها:
الطائفة الأولى: المنظمات الصهيونية، والصليبية، والماسونية الحاقدة على الإسلام الصحيح، وهذا امتداد منهم للحاقدين من أسلافهم الذين حاولوا – عبثًا- أن يقفوا في وجه دعوة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فهم يريدون تشويه صورة كل من يدعو إلى الإسلام الصحيح، ويحث الناس على التحلِّي بالفضائل والتخلِّي عن الرذائل، وإن كان غاية في الاعتدال والوسطية، ولكن الأمر كما قال تعالى: [يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ] {الصَّف:8} وهذه المنظمات إنما تمثل طائفة حاقدة فقط من النصارى – وليس كل النصارى كذلك- ثم ماذا ننتظر من هؤلاء، وقد قال تعالى: [قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ] {آل عمران:118} فحسبنا الله ونعم الوكيل.
الطائفة الثانية: طوائف علمانية، وليبرالية، ويسارية، وقومية، قد تأثرت بمناهج شرقية أو غربية، تشويه صورة أهل الاعتدال والدعاة إلى الله من أي طائفة كانوا، وتحقيق مصالح دنيوية رخيصة، وذلك عندما رأوا أن جهود دعاة الفضيلة سد منيع أمام مخططات الرذيلة، مستغلين في ذلك شذوذ مَنْ شَذَّ مِنَ الشباب، فأقاموا الدنيا ولم يقعدوها تحذيرًا من جميع الدعاة، ولو أنصفوا لجعلوا لكل شيء قدْرا، ووزنوا الأمور بالقسطاس المستقيم، فما من طائفة إلا وفيها من لا يُحْمد أمره، والعبرة بالقواعد والأسس والمناهج التي تقوم عليها أساليب التربية، لا بشذوذ من شَذَّ، فنعوذ بالله من النفس الأمارة بالسوء!! ومعلوم أن من المسلمين من يقطع الطريق، ويُفْسد في الأرض، وغير ذلك من منكرات، ومع ذلك فالتهمة تُوجَّه إليه لا إلى الإسلام!!
الطائفة الثالثة: الرافضة الذين يحاولون رَمْي أهل السنة بما هو من دين الرافضة: فهم الذين يُكَفِّرون من لم يكن منهم، فكفّروا أمة الإسلام إلا من كان جعفريًّا فقط، ويستخدمون التقيَّة لمناوراتهم السياسية والإعلامية، ويستحلون دم مخالفيهم، ويحاولون إبادة أهل السنة في إيران وغيرها، ولا يخفى ما تعاني منهم الأمة في هذه الأيام في اليمن وغيره، ومع ذلك يرمون غيرهم بأنهم تكفيريون، والأمر كما قال القائل: رَمَتْني بدائها وانسلَّتْ!! وأهل السنة أبْعَدُ الطوائف سلفًا وخلفًا عن الغلو في التكفير، واستحلال المحارم، بل هم أعظم الطوائف تحذيرًا من الخوض في ذلك، بل لا يكَفِّرون من يُكَفِّرهم من الطوائف انتقامًا لأنفسهم، فالتكفير حكم شرعي سمعي لا يخضع للأهواء والعواطف، وفرق بين حُكْم القول وحُكْم القائل، فمن انتسب إلى السنة وهو على خلاف ذلك؛ فإثمه على نفسه، والرافضة تستعمل سلاح الإعلام لتشويه صورة أهل الحق، والله عز وجل يقول: [وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {يوسف:21} .
الطائفة الرابعة: طائفة خالفتْ منهج السلف الصالح في باب كيفية التعامل مع الحاكم وإن وقع في الظلم والفساد، فعملت على تحريض العوام على الحُكَّام، وأوغرت صدور الشباب على ولاة أمورهم، وتخطَّفتْ عددًا من الشباب المتَّجه إلى الحق، وعبَّأتْهم تعبئة فاسدة ضد علماء السلفية والمجتمع وحكّامه، حتى سلكوا مسلكًا آخر، وغيّروا طريقتهم الأولى، فلما فاحَتْ رائحة أخطائهم؛ صاحتْ هذه الطائفة – لتنفي عن نفسها التهمة- وقالت: هؤلاء من السلفيين، فيا لله العجب من هذا التناقض!!
ومع ذلك فلا زال منهم من يتهم علماء السنة بأنهم أتباع ذيل بغلة السلطان، بل يدعو إلى الخروج على الحاكم الذي وقع في الظلم، فلا ندري: هل علماء أهل السنة عند هذه الطائفة عملاء أم إرهابيون؟ فإن كانوا عملاء عندهم؛ فكيف ينْسبون إليهم هذا الفِكْر التكفيري الدموي؟ وإن كانوا إرهابيين عندهم؛ فكيف يكونون مع ذلك علماء سلطة؟ هذا جَمْع بين المتناقضات!! على أن في هذه الطائفة فريقًا لزم طريق الحق، وأدرك العاقبة السيئة من الحماس المنفلت، فسلك مسلك الحكمة في التعامل مع الحاكم وإن وقع في الجور والفساد، والنظر إلى الحال والمآل، فجزاهم الله خيرًا على رجوعهم إلى الحق.
أما فِكْر تنظيم القاعدة: القائم على الغلو في التكفير لجميع حُكّام المسلمين، وتكفير المجتمعات الإسلامية، أو الحكم بأنها ديار كفر أو فسق – كما هو حال كثير من كُتّابهم ومنظِّريهم- وتضليل العلماء الكبار المخالفين لهم، أو رَمْي بعضهم وعدد من الدعاة بالنفاق أو العمالة، أو اللهث وراء الدنيا ….الخ، وترجمة هذا الفكر في الواقع إلى تفجيرات، واغتيالات، وتخريب للمصالح العامة، وإهدار للثروات النفطية وغيرها، وزعزعة للأمن والاستقرار، وقتل للمعاهَدين والمستأمَنين من غير المسلمين، ونقض للعهود والمواثيق التي دخلوا بها البلاد، وغير ذلك من أمور لا تخفى؛ فليس هناك أكثر من علماء السنة رفضًا لهذه الأمور، وتحذيرًا منها، ونصحًا لأهلها، ومحاورة لهم، ومناظرة لفكرهم وتنظيرهم، وكل هذا دون تجاوز للحد الشرعي، وليس هناك صوت أرفع من صوتهم في إنكار ذلك، وبيان مخالفته للتعاليم الإسلامية، والنقل الصحيح والعقل الصريح، إضافة إلى أنه من وسائل جَلْب الشرور والبلايا على الأمة.
على أن تحذير أهل السنة من هذا الفكر ليس وليد هذه الأيام فقط، بل هذه عقيدتهم سلفًا وخلفًا، وقد حذَّروا من هذا الفكر في الوقت الذي كان غيرهم يفرح بهذه الأعمال أو ببعضها ويُشيد بها، أو على الأقل يسكت عنها مجاملة لأهلها، فقد ألَّف علماء السنة عشرات الكتب في الرد على هذا الفكر، وسجّلوا آلاف الأشرطة، وعقدوا الندوات العلمية، وحرروا ما لا يُحْصَى من الفتاوى، والبيانات، والقرارات، والمقالات الصحفية وغيرها في التحذير من الغلو في التكفير، والتورُّط في الاغتيال، والتخريب، والتفجير، كل هذا حفاظًا منهم على منهج علماء الأمة من التشويه، وقُرْبةٌ إلى الله تعالى، لا تزلُّفًا لأحد، ولتحصين شباب الأمة من هذا الفكر، وتحذيرهم من الاغترار به، وحثهم على ضبط العاطفة والحماس بزمام الشرع والعقل، والنظر في الحال والمآل، وإقامة البراهين على أن هذه الأفعال مخالفة للأدلة النقلية، والوقائع التاريخية لأمة الإسلام، وأن هذه الأعمال من منهج أهل البدع والأهواء، لا منهج أئمة السنة وكبار العلماء، ومن أنكر هذه الجهود؛ فإنما يُنكر الشمس في وَضَح النهار، والواقع يرد عليه، ويدحض هذه الإشاعات والشبهات، وقد قيل:
خُذْ ما تراه ودعْ شيئًا سمعتَ به *** في طَلْعة البدْر ما يُغْنيك عن زُحَلِ
وإذا كان كذلك: فلينظر هؤلاء القائلون بغير علم ولا إنصاف من الطوائف السابقة من أي رَحِم وُلِدَ هذا المولود المشؤوم، وهو فكر الغلو في التكفير، وما يتبعه من أعمال مخالفة لمنهج السلف الصالح عبر التاريخ!! وليتأملوا مقدار مساهمتهم في ذلك، ليتوبوا إلى الله من خطيئتهم في حق الدين والمجتمعات والإنسانية قبل أن يظلموا الأبرياء من عباد الله!!
ولسنا ننكر أن هناك من سلك هذا المسلك المخالف للإسلام، والمشوِّه لجماله وصورته، والمتسبب في مفاسد وشرور لا يعلم بها إلا الله تعالى، لكن هذا كله ليس من عقائد و”أدبيات” وتوجيهات الدعوة السلفية، إنما هي ثمرة “أدبيات” وأفكار الذين حَذَّروا بعض الشباب من الدعوة السلفية وعلمائها وحملة لوائها، ومن الآثار السيئة للطوائف السابقة وأعمالها في الأمة، وسلوك مسالك منحرفة في العلاج، والمقام لا يتسع للتفصيل!!
ثم لو سلَّمنا بوجود ما يشهد لهذه الدعايات الكاذبة في الصف السلفي؛ فإن من انحرف من الناس لا يُعَبِّر إلا عن نفسه، والإسلام والسنة بريئان من انحرافات من انحرف عنهما، ولا يلزم أيَّ دعوة تسير على درب الحق أيُّ عيب إذا انحرف بعضُ أهلها الذين لم يرتووا من معينها الصافي، ولم تطُلْ ملازمتهم لأئمة الدعوة، فالقلوب بيد الله عز وجل، والمعصوم مَنْ عَصَمَه الله، وقد انحرف من جُنْد علي – رضي الله عنه- فرقتان ضالتان، وهما: السبئية والخوارج، الأولى أَصْل الروافض، والثانية من النواصب المكفِّرين، فهل عليٌّ – رضي الله عنه- هو المسؤول عن انحرافهما مع وقوفه ضدهم جميعًا، ومواقفه في ذلك مشهورة؟ وقد خرج واصل بن عطاء رأس المعتزلة من حلقة الحسن البصري الإمام، فهل الحسن هو المسؤول عنه؟ وهل دعوة الحسن البصري الثقة العابد الزاهد مرحلة من مراحل الاعتزال؟ أو تهيئ المناخ للاعتزال؟ بل إن قادة الحوثية في اليمن قد خرجوا من الطائفة الزيدية ومن حزب المؤتمر الشعبي، وهو الحزب الحاكم، فهل نسمي كل زيدي وكل مؤتمري بأنه حوثي؟ وهل هذا من الإنصاف؟ وكثير ممن سلك مسلك العنف الفكري والدموي قد تخرجوا بشهادات علمية من الجامعات، فهل نتهم الجامعات والمدارس كلها بذلك، ونغلقها؟ فنكون كمن أفتى بإغلاق المساجد لوجود من سرق حذاء أحد المصلين!! أليس الله عز وجل يقول: [وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى] {الأنعام:164} ويقول: [وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا] {الأنعام:152} ؟
ثم لماذا تتجاهل هذه الطوائف التي تفتري على عباد الله زورًا وبهتانًا الآثار الحميدة لدعوة علماء السنة في توبة كثير ممن سلك مسلك العنف على أيدي علماء هذه الدعوة، واستقامتهم على الجادة بعد ذلك، والحفاظ على عقول الألوف المؤلَّفة من طلابهم وأنصارهم من الانخراط في هذه الأفكار؟ لماذا يتشبهون بالذباب الذي لا يقع إلا على العقير ومواقع العلل، ويُغْمضون أعينهم عن الجوانب المشرقة للدعوة في هذا الباب وغيره؟!
إن محاولة تشويه دعاة الحق في العالم الإسلامي لوجود بعض من ضل الطريق، ليستْ علاجًا للعنف كما يزعمون، بل هي مما يُوَلِّد الإرهاب الدموي والفكري، ويوسِّع دائرتيهما فيزيد المشكلة تعقيدًا، فَلْيُدْرك ذلك العقلاء إن كانوا ناصحين لمجتمعاتهم وأمتهم، أما إذا كانوا على مذهب من قال: “عَنْزٌ ولو طارتْ” فليتأملوا قول الله عز وجل: [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ] {البقرة:235} وقوله سبحانه: [وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ] {فاطر:43} .
(ختـامًا): ومع رَفْضِنَا الصريح القاطع وإدانتنا لأعمال ما يُسَمّى بـ “تنظيم القاعدة” المخالفة للنصوص الشرعية؛ وهي الأعمال التي يتذرع بها بعض المتربصين لإدخال البلاد في هُوّة سحيقة، ومع دعوتنا لهم بترك هذه الأعمال، ودعوتنا للدولة ولهم بفتح باب الحوار مع العلماء وطلاب العلم، فإن هذا أنفع السبُل للعلاج، فالفكر لا يُعالج إلا بالحجج والبراهين، فبالإضافة إلى هذا الموقف الثابت فإننا نرفض أيضًا أي صورة من صور التدخل الأمني أو العسكري أو السياسي الأجنبي في اليمن بخاصة، وفي بلاد المسلمين عامة بما يضر الإسلام والمسلمين، أو يمس سيادتهم، أو يهدد أمنهم، أو يفتح باب الفوضى عليهم، ونرى أن هذا عمل مخالف لدين الإسلام، ومخالف لجميع الدساتير الشرعية، والقوانين العصرية، والإنسانية، والدولية، والأممية، ومع ذلك فهو فتح لباب الفتن على مصراعيه، وتوسيع لدائرة الإرهاب الفكري والدموي، وتهيئة المناخ “للفوضى الخلاّقة”!! التي تُنفَّذ فيها مشاريع العنف الدموي والفكري من الخارج والداخل، ونرى أن الأمة الإسلامية قادرة على علاج مشكلاتها بعون الله عز وجل ثم بسداد رأي علمائها، وعقلائها، وأهل الحل والعقد فيها، إذا قاموا بواجبهم في ذلك، وتجرَّدوا للحق ومصلحة البلاد والعباد.
وإننا إذ نوضِّح ذلك؛ فإننا ننصح كل أبناء اليمن، وعلى رأسهم الحُكّام، والعلماء، وقادة الأحزاب السياسية، والمنظمات المدنية، وكل من له قدرة أن يحافظوا على استقرار البلاد، وأمنها، ووحدتها، ومقدراتها، وأن يسعوا في تجنيبها أسباب الفوضى والهلاك، وعلى الشعب أن يدرك نعمة الله عليه في اجتماع الكلمة، وبقايا الأمن – على ما في ذلك من قصور ونقص- فإن النعم الناقصة خير من حلول النقم والفتن، والصبر على هذا الخلل عند العجز عن علاجه أهون من السقوط في مَهْواة الحروب الأهلية أو الفوضى، ونُورٌ فيه ظُلْمةٌ خَيرٌ مِنْ ظُلْمةٍ لا نور فيها، مع وجوب النصح والعلاج بما لا يزيد الفساد، ولنعتبر بحال الشعوب التي سقطت حكوماتها، فنزلت بهم الكوارث المأساوية، والحروب الأهلية، فشعْبٌ بلا حكومة شعب بلا كرامة، والحكومات على ما فيها من ظلم وفساد فهي سَتْرٌ في كثير من الأمور لشعوبها، فلا يفرح بسقوطها وحلول الفوضى في البلاد إلا جاهل بواقعه والتاريخ، أو حاقد متربص، وليحذر كل منا أن يكون مفتاح شر على البلاد ولو بالكلمة الواحدة، فَرُبَّ كلمة واحدة تحصد آلاف الجماجم، وأخرى يرفع الله بها بلاءً مبينًا، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: “مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئة؛ كان عليه وِزْرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء“([3]).
كما ننصح حُكام المسلمين بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الدفاع عن عقيدة شعوبهم المسلمة، وحمايتهم من الأفكار المنحرفة، ولا يكون ذلك إلا بتحكيم شرع الله عز وجل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشعور بأن شعوبهم أمانة في أعناقهم، فليحرصوا على ما يصلحهم، ويُسْعدهم في الدارين، والتاريخ حافل برفع شأن من عاش لله، ولدينه، ولأمته، ولعْن من عاش لنفسه وشهوته، وتَرَكَ أمر الدين والأمة وراءه ظهريًّا، نسأل الله أن يُصلح حكام المسلمين، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، وأن يجعل أمر المسلمين فيمن خافه واتقاه، ونسأله سبحانه أن يُجنِّب بلادنا وبلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكفيها شر كيد الكائدين، وعبث العابثين، إنه نِعم المولى ونعم النصير.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
حُرر هذا الجواب في 1/2/1431هـ
الموقِّعون على ذلك:
([1]) أخرجة ابن ماجه برقم (4036) والحاكم (4/645، 512) وأحمد (2/291) والبزار برقم (3373) والطبراني في الكبير (18/67، 125) وصححه شيخنا الألباني – رحمه الله- في “السلسلة الصحيحة” برقم (1887).
([2]) أخرجه البزار كما في مسنده (7/89) والطبراني في “المعجم الكبير” برقم (258) وابن البناء في جزء “الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت” رقم (5) وصححه شيخنا الألباني – رحمه الله- في “السلسلة الصحيحة” برقم (3284).