الإجابة عن سؤال: حول بعض الجماعات المعاصرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
بعد كتابتي منشورا في السني الذي يوافق أهل البدع في بعض مقالاتهم، هل يلحق بهم، أم لا؟
سأل أحد الإخوة عن عدد من الجماعات المعاصرة، وهل هي من أهل السنة أم لا؟
فالجواب بعد توفيق الله عز وجل:
من كان من هذه الجماعات وغيرها يُقرُّ بأصول أهل السنة، وبضرورة الحفاظ على أمن واستقرار المجتمعات المسلمة، والرجوع إلى مرجعية علماء السنة المأخوذة من الكتاب والسنة ومنهج السلف، ويتبرأ من البدعة وأصولها وأهلها فهو في الأصل بعد هذا الإقرار من أهل السنة – وإن زلّت قدمه ، وانحرف في بعض الأشياء عن منهج السنة عن جهل وسوء فهم – فيُنصح فيما خالف فيه، وتُبين له الأدلة القاطعة على خطأه، ويحكم عليه بما يستحق بعد ظهور حاله، وفرق بين الباحث عن الحق ودخلت عليه شبهة، وبين صاحب الهوى المعاند، وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
والمعروف عندي عن أنصار السنة المحمدية في مصر والسودان: أنهم يقولون بأصول أهل السنة، ويرون الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك، وإن وقعت أخطاء من بعض أفرادهم فلا أحد يسلم من الخطأ، فالواجب مناصحتهم، وإلا التحذير من أخطائهم دون إفراط أو تفريط.
وأما الإخوان المسلمون: فالواقع أنهم يختلفون من بلد إلى آخر، ففي بعض البلدان أشاعرة أقحاح، وفي بعضها صوفية ضُلال، والذين عرفناهم في اليمن وبعض البلدان الأخرى يُقرون في الجملة بأصول أهل السنة، وأما الأفراد وأقوالهم فلم أُحِطْ بهم علما، ولا يعلم حالهم وأعمالهم إلا الله الذي يتولى حساب الجميع، إلا أننا نكتفي في حقهم بالتقعيد العام، ونقول من كان منهم يقول بأصول أهل السنة فهو سني، ومن لا فلا.
وبعض الكبار والمؤسسين في جماعة الإخوان لهم مقالات توافق الدعوة الصوفية، البعيدة عن الحق وأهله في باب توحيد الألوهية والعبادة، وبعض كبارهم له كلام كثير في تكفير المجتمعات، بحجة عدم تحكيم شرع الله في القوانين، وهذا الإطلاق فيه نظر واضح عند أهل السنة، بل في المسألة تفويض طويل ليس هذا مقامه، وكذلك يقول بعضهم بتفويض المعنى لا الكيفية في بعض مسائل الأسماء والصفات، بخلاف ما عليه كبار أئمة السنة .
إلا أن من عرفتهم في اليمن يُنكرون هذه الأقوال على بعض قادتهم ومؤسسي دعوتهم، والله يغفر للباحثين عن الحق من أهل الإسلام ما زلت فيه أقدامهم بعد اجتهادهم وحرصهم على معرفة الحق، فنقبل الصواب من العالم ونشكره، ونرد الخطأ عليه ونحذر من اتباعه فيه وإن كنا نعذره .
والكثير من الإخوان سواء الذين عرفناهم في اليمن وغيره عندهم من الناحية الواقعية والسلوكية شبهات جعلتهم يخالفون نصائح أئمة السنة المحضة في كيفية التعامل مع ولاة الأمور، فمن كان منهم في الأصل سُنّيًّا فلا يخرج من السنة إلا بعد إقامة الحجة واستيفاء الشروط وانتفاء الموانع، مع تحذيرنا للمسلمين من سلوك هذا المنهج، ومخالفة فتاوى وتوجيهات أئمة السنة المحضة بعدم الخروج أو المنابذة بالسيف، أو بما يسمى بالمظاهرات أو الإعتصامات السلمية، أو إشاعة مثالب الولاة في المنابر ووسائل الإعلام، واللقاءات العامة، لأن كل ذلك يُفضي إلى مفاسد أكبر، والخروج العملي يبدأ بالكلام، وينتهي إلى ما هو أسوأ، كما يشهد له الواقع فيما يسمى زورا وبهتانا بالربيع العربي، ففي الحقيقة أنه ربيع مزهر ومثمر للصهيونية والصليبية وكل من لا يُحب الإسلام وأهله، وخريف مُحرق لكل من يحب الاستقرار والأمن وتمتع المسلمين بثرواتهم، وقديمًا قيل: سلطان غشوم خير من فتنة تدوم، وستون سنة مع إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا سلطان، وصدق من قال: شعب بلا حكومة شعب بلا كرامة – وإن كان عند هذه الحكومة مفاسد كثيرة فمفاسد الخروج أكثر – مع كراهيتنا للمنكرات والظلم الموجود في بلاد المسلمين ، لكن تغيير المنكر يحتاج إلى فقه تزاحم المصالح والمفاسد، ومعرفة المآلات.
ومما يجب ذكره في هذا المقام أن السلفيين والإخوان المسلمين في اليمن قد اتفقوا على ميثاق عمل دعوي يقرر أصول أهل السنة، ويعالج – نظريا – هذه الأخطاء والإنحرافات، وذلك تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، ومراجعة عدد من العلماء لهذا الميثاق، وقد تمَّ ذلك بعد جلسات كثيرة بين المذكورين ونقاشات مثمرة، ونسأل الله للجميع حُسن القيام والوفاء بما تم الإتفاق عليه.
وأما الأخطاء السلوكية من تعصب للشخص الموافق وإكرامه، بخلاف المخالف فهذه أخطاء ليست عقدية، والكثير يقرُّ نظريًّا بعدم صحتها إن صحّت، ويتبرأ من نسبتها إليه – مع يقيني بوجودها – ولا يكاد يسلم من وجودها أي مكون دعوي، والناس فيها بين مُقِلٍّ ومستكثر، والواجب أن نصبر فيما أصابنا من هضم لحقوقنا نظرا للظروف العامة التي تحيط بنا في اليمن، وما كان مثله من بلدان، وعلينا أن نركّز على صحة المعتقد والقيام بما يقتضيه منهج أهل السنة والجماعة، لاسيما في المسائل العامة والمصيرية التي يترتب عليها فساد معتقد أو نزع للأمن والاستقرار .
وأما جماعة التبليغ: فقول كبارهم في شرق آسيا فيما أعلم ينصر التصوف القبيح، وأما من عرفت منهم في اليمن – على قلتهم – فلم نرَ هذا فيهم، ويحكم على كل منهم في بلده بالحكم الشرعي العدل إذا احتيج إلى ذلك بلا إفراط ولا تفريط.
هذا ولسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بعض الفتاوى في إطلاق القول بأن الجماعات السابق ذكرها من أهل السنة، وقد ذكرت هذه الفتاوى في مواضع سابقة، وما ذكرته من تفصيل يحتاج إليه المقام حتى لا يُفهم الإطلاق على غير المراد.
وأما جماعة التكفير والهجرة: فقولهم قول الخوارج، وكثير من قادتهم الحركيين يصرحون بتكفير مرتكب الكبيرة أو المصرّ عليها، كما يرون استحلال دماء المخالف، ويشتركون مع القاعدة وداعش وكثير من الجماعات التي تَصِفُ نفسها بالجهادية في استحلال دم المخالف، وتكفير المجتمعات المسلمة، والخروج على حكامها، وأهل الإسلام في هذه المجتمعات، وإن كانوا مقصرين في جوانب كثيرة، وهذا منهج الخوارج، وليس منهج أهل السنة والجماعة.
ومما يذكر هنا أن جماعة القاعدة وداعش يُكفِّرون مخالفهم في الاجتهاد – في كثير من الأحيان – كمن يخالفهم في تكفير أحد الحكّام، ولا شك أن هذا تكفير بما ليس بكبيرة أصلا، بل قد يكون مخالفهم المجتهد هو المصيب في عدم التكفير لعين هذا الحاكم أو ذاك، وعلى أسوأ الأحوال يكون مخالفهم الذي استفرغ وسعه في معرفة الحق إن كان من أهل العلم أو مقلّدًا لعالم يجوز تقليده فقد يكون المخالف لهم مغفورا له خطؤه، مأجورًا أجرًا واحدا.
وأما التوقف فهو وليد جماعة التكفير، فيرى كفر المجتمعات المسلمة، والتوقف في كل من لم يعلم أحدهم حاله، أو كل من لم يكن في جماعتهم، وإن عمل بجميع شرائع الإسلام، فلا يعتد بذلك حتى يدخل في جماعتهم، أو يعلن الموافقة على أصولهم، وهذه صورة من مناهج جماعة التكفير المُبْتَدعة الضالة، لأن في الأصل الحكم بالإسلام لمن أظهر بعض شعائره الخاصة به إن كان في غير بلاد المسلمين، وأما في بلاد المسلمين فالأصل فيهم الإسلام حتى يظهر خلافه فضلا عمن رأيناه يصلي في المساجد أو نحو ذلك، فهذا لا توقف في إسلامه، والله اعلم.
( تنبيه ): إنما حملني على هذا الجواب كثرة الاختلاف بين أهل الدعوة في هذه المسائل، والبعض يتناولها – في نظري – بغلو، والبعض الآخر بجفاء، ولولا كثرة الاختلاف والتنازع في بعض الجماعات لما اشتغلت بذلك، فإن اشتغالي بنفسي وتقصيري أهم وآكد، وإلى الله المشتكى .
أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني .
19 رجب 1439 هـ