تصحيح المفاهيم

الكلامُ المُطْلَقُ لبعض العلماء في بعضِ الأشخاص (الحلقة الأولى)

سلسلة تصحيح المفاهيم
لفضيلة الشيخ أبي الحسن السليماني حفظه الله تعالى

الكلامُ المُطْلَقُ لبعض العلماء في بعضِ الأشخاص قد يكونُ له احتمالاتٌ متعددةٌ، فلا يَنْبَغِي حَمْلُه على ظاهره وعُمومه، إلا بعد معرفة وَجْهِهِ والمراد منه

(الحلقة الأولى)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
انتشر في زماننا هذا أقوام ما أَنْ يَسْمَعُوا كلاما لبعض أهل العلم فيه شِدَّةٌ وقَسْوَةٌ على المخالف –وإن كان رجلا صالحًا، وقد نفع الله به في جوانب أخرى- إلا طاروا به فَرَحًا، وحَمَلُوه على عمومه، وأَنْزَلُوه على غير وَجْهِهِ، بل حَمَلُوه على أَسْوأ محامله، ونسبوا هذه الفهوم المنحرفة إلى منهج السلف الصالح وأئمة السنة دون رويّة، أو مراعاة لضوابط كلام السلف، أو التريّث في فهم كلامهم، ومعرفة المراد منه، ودون الجَمْع بين أطراف كلامهم؛ لينزلوا كل طائفة من كلامهم على من هو أهل لها، فردًا كان أو طائفة، مراعين في هذا كله القواعد العامة التي يسير عليها العلماء، فأدت هذه الحال إلى فُرْقة في صفوف العاملين لنصرة هذا الدين، في زمن الغُرْبة والوَحْشَة، والاستضعاف والخِذلان للدين وأهله ممن هم على أديم الأرض، وبصور شتى -إلا من رحم الله-!!!
والله –سبحانه وتعالى- يقول: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: 269] ويقول -عز وجل-: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: 12] ويقول –جل وعلا-: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
وفي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ” قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: “لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ” رواه مسلم برقم (55)، والنصيحة في الدين للمخالف لها مواصفات، سيأتي ذِكْرها –إن شاء الله تعالى-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في “مجموع الفتاوى” (4/ 13): “فالرادُّ على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: الذبُّ عن السنة أفضل من الجهاد، والمجاهد قد يكون عَدْلا في سياسته، وقد لا يكون، وقد يكون فيه فُجُور” اهـ. وكذلك الذابُّ عن السنة، والقامع للبدعة –في نظره- قد يكون على أحد هذه الوجوه، والموفَّق من وفقه الله وسدده في الغاية والوسيلة.
والنصح للأمة يقتضي إرشادهم بما فيه صالح أمرهم دِينًا ودُنْيا، ولا يتأتى ذلك إلا باستعمال الحكمة والموعظة الحسنة، والرفقِ واللينِ، كما في الحديث: “إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ” مسلم برقم (2594).
والقوة في الصدع بالحق لا يلزم منها دائما العَجْرَفةُ، أو الخشونةُ البالغةُ، أو القسوةُ في القول والتعامل، أو التشهيرُ بالشخص المخطئ، وفضيحتُهُ بين العامة والخاصة.
فليس هناك في هذه الأمة أَغْيرُ على الحق وعلى حرمات الله إذا انتُهِكَتْ من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومع ذلك فقد كان أحيانا يقول: “مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟” رواه مسلم برقم (1401)، أي يُنْكِر المنكَرَ على القوم الذين وقعوا فيه دون أن يُشَهِّر بذكْر أسمائهم، وإن كان يُصَرِّح بالأسماء أحيانًا للحاجة والمصلحة، بقصْد النصح والنفع، لا بقصْد التشفِّي والانتقام.
ومع هذا التقرير؛ فلا يلزم من ذلك عدمُ التشهير ببعض المحادِّين لله ولرسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الوالغين في الشهوات والشبهات، المعاندين للحق، والظالمين لأهله، المتربصين بهم الدوائر، انتصارا لأهوائهم وشهواتهم.
وقد فرّق الله –جلّ وعلا- في طريقة التعامل مع المخالفين حسب أحوالهم، حتى وإن كانوا كفارا، كما هو معلوم من قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، فأمر بالجدال بالتي هي أحسن مع الكافر غير الظالم المعاند، بخلاف الكافر الحاقد على الإسلام، الظالم لأهله، الذي يبذل وُسْعَه وجُهْده، وبأْسَه وفِكْره، في حرب الإسلام والصد عنه.
والتصدي بالرد على الباطل وأهله له شروط وضوابط، لابد من مراعاتها، منها:
1- أن يَقْصِد الرادُّ على المخالف بردّه وَجْهَ الله تبارك وتعالى، وانتفاعَ المخالف وغيره بهذا الرد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في “منهاج السنة النبوية” (5/ 239): “وهكذا الردُّ على أهل البدع من الرافضة وغيرهم: إن لم يَقْصِد(أي من يقوم بالرد عليهم ودحض باطلهم) فيه بيانَ الحق، وهُدَى الخلق، ورحمتَهُم، والإحسانَ إليهم؛ لم يكن عمله صالحا، وإذا غلَّظ في ذم بدعة ومعصية، كان قَصْدُه بيان ما فيها من الفساد؛ ليحذرها العباد، كما في نصوص الوعيد وغيرها، وقد يُهْجَرُ الرجلُ عقوبة وتعزيرا، والمقصود بذلك ردْعه وردع أمثاله، للرحمة والإحسان، لا للتشفي والانتقام، كما هجر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أصحابه الثلاثة الذين خُلِّفُوا” … إلى أن قال: “وهذا مَبْنيٌّ على مسألتين، …. فذكر إحداهما، إلى أن قال: “الثاني أن المتأول الذي قَصْدُه متابعةُ الرسول لا يَكْفُر، بل ولا يَفْسُق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كَفَّرَ المخطئين فيها، وهذا القول(وهو التفرقة في ذلك بين المسائل العلمية والعملية) لا يُعْرَف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع، الذين يَبْتَدِعُون بدعة، ويُكَفِّرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة، والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة(أي وإن كانوا ينتمون إلى السنة والأئمة بأقوالهم) …” الخ ما قال –رحمه الله- هذا مع مراعاة أن بعض أهل البدع قد تكون لهم أقوال صريحة في الكُفر، لا تحتمل التأويل بأي وجه من الوجوه، فلهؤلاء تفصيل في محله.
وقال -أيضا- في “منهاج السنة النبوية” (5/ 254): “فإن الإنسان عليه أولا أن يكون أمره لله، وقَصْدُه طاعةُ الله فيما أَمَرَهُ به، وهو يحب صلاح المأمور، أو إقامة الحجة عليه، فإن فَعَلَ ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته، وتنقيص غيره؛ كان ذلك حَمِيَّةً لا يَقْبَلُه الله، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء؛ كان عمله حابطا، ثم إذا رُدَّ عليه ذلك، وأُوذِيَ، أو نُسِبَ إلى أنه مخطئ، وغَرَضُهُ فاسد؛ طَلَبَتْ نَفْسُه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان، فكان مبدأ عمله لله، ثم صار له هَوًى يَطْلُب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى على ذلك المؤْذِي.
وهكذا يصيب أصحابَ المقالات المختلفة(أي يصيب الهوى أصحاب المقالات المختلفة)، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه، وأنه على السنة ; فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هَوًى أن ينتصر جاهُهُم، أو رياستُهُم، وما نُسِبَ إليهم، لا يَقْصِدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم، وإن كان مجتهدا معذورا لا يَغْضَبُ الله عليه، ويَرْضَوْن عمن يوافقهم، وإن كان جاهلا سيئَ القصْد، ليس له عِلْمٌ ولا حُسْنُ قَصْد، فيفضي هذا إلى أن يَحْمَدُوا مَنْ لم يَحْمَدْه الله ورسوله، ويَذُمُّوا مَنْ لم يَذُمَّه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله.
وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون: هذا صديقنا، وهذا عدونا، لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله، ومعاداة الله ورسوله.
ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس. قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فإذا لم يكن الدين كله لله؛ كانت فتنة.
وصاحبُ الهوى يُعْمِيه الهوى ويُصِمُّه؛ فلا يَسْتَحْضِر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يَطْلُبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شُبْهَةُ دينٍ: أن الذي يَرْضَى له ويَغْضَب له أنه السنة، وهو الحق، وهو الدين، فإذا قُدِّرَ أن الذي معه هو الحقُّ المحضُ -دينُ الإسلام- ولم يكن قَصْدُه أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قَصَدَ الحمية لنفسه وطائفته، أو الرياء؛ ليُعَظَّم هو، ويُثْنَى عليه، أو فعل ذلك شجاعةً وطَبْعًا، أو لغرض من الدنيا؛ لم يكن لله، ولم يكن مجاهدا في سبيل الله؛ فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة هو كنظيره: معه حَقٌّ وباطلٌ، وسُنَّةٌ وبِدْعة، ومع خَصْمه حقٌّ وباطلٌ، وسُنَّةٌ وبِدْعة؟ وهذا حال المختلِفِين الذين فَرَّقُوا دينهم وكانوا شِيعا، وكَفَّر بعضُهم بعضًا، وفَسَّق بعضُهم بعضًا…” إلى آخر ما قال –رحمه الله-.
2- الثاني من ضوابط الإنكار على المخالف: أن تَثْبُتَ هذه المخالفة عمن يُرَدُّ عليه، أو تُنْسَبُ إليه، لا مجرد السماع عنه بأنه وقع فيها، دون التثبت من ذلك، أو التأكد من صحة ما بلغ المرءَ عنه، لاسيما في هذا الزمن، الذي كَثُر فيه نَقْلُ الكلام ونسبةُ الأقوال والعقائد إلى الآخرين بمجرد النقل عن كُسَيْر، وعُوَيْر، وثالثٍ ما فيه خَيْر، وعن كثير ممن لا يَفْهَمون ما يَسْمَعُون؛ وإذا فَهِمُوا فعند النقل لا يُحْسِنون، كما قال القائل فيمن هم كذلك:
أَقُولُ لَهُ بَكْرًا فَيَسْمَعُ خَالِدًا * وَيَكْتُبُهُ زَيْدًا وَيَقْرَؤُهُ عَمْرَا(انظر فتح المغيث 3/ 254).
وكما كان الزهري يقول: “ياأهل العراق، يخرج الحديث من عندنا شِبْرًا، ويصير عندكم ذراعا”(انظر النبلاء 5/ 344).
3- أن تكون هذه المخالفة التي يُنكرها على المخالف مما ثبت في الشرع وفي منهج العلماء وقواعدهم إنكارُهَا على الواقع فيها، وهي المخالفة للمسائل القطعية أو المحْكمة، لا المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، ولا يتعين فيها النكير والهجْر، فالتفرقة بين المسألتين مشتهرة بين أهل العلم.
4- أن يسبق إنكارَه وتحذِيَرهُ –إن أمكن- نُصْحٌ وتوجيهٌ بالتي هي أحسن، عسى أن ينفع الله به المنصوح وأتباعه، ومن تأثر بقوله، وذلك لأدلة وجوب أو استحباب النصيحة، لا التعيير والتأنيب والتشفِّي والانتقام، وعلى المرء أن يسلك في تحقيق مراد الله أيْسر السبُل، وما خُيِّر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بين أمريْن إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما(أخرجه البخاري برقم 6786).
5- التفرقة بين أصناف الواقعين في المخالفة بين طالب الحق والهُدَى منهم، فيُتَلَطّف معه، ويُنصَح سِرًّا، -مرة أو أكثر، حسب الحاجة والتأثير، ومن شخص واحد أو أكثر- فيُفَرَّق بين هذا وبين من هو مُتَّبِع لهواه، ومن يلهث وراء الشهوات والأطماع، ويحرص على لفلفة الأصحاب والأتباع، وإن كانوا من الهمج الرعاع، ولا يرفع بالحق وأهله رأسًا، فهذا قد لا ينفع معه إلا الشدة والغلظة، أو التأليف لدفع شرِّه، لكن تقرير هذا أو ذاك راجع إلى أهل العلم والتجرد من الهوى والعجلة وحبّ الترؤس والتصدُّر.
كما أنه لابد من التفرقة بين من يقع في الخطأ عن اجتهاد وتأويل، وهو من أهل العلم، المعروفين بتعظيم السنة، والانتصار لها في الجملة، وإن وافق في بعض قوله كلام أهل البدع، وبين رؤوس البدع الكبار: كالرفض، والتجهم، والاعتزال، والقدَر، والإرجاء، والتكفير للمسلمين بالكبائر …الخ، فالفريق الأول: يُردُّ عليهم الخطأ ونعذرهم، ويُقْبَل منهم الصواب ونشكرهم، ونُفَنِّد شبهتهم، مع الحفاظ على حُرْمتهم، وحشمتهم دون السعي في إسقاطهم؛ وإلا أسقطْنا أكثر علماء الإسلام، ولو أسقطنا كلَّ مَنْ تلوّث بشيء من بدعة القَدَر أو النصْب من أهل البصرة، وكذا كلَّ مَنْ تلوّث بشيء من التشيع من أهل الكوفة، وكلَّ مَنْ تلوّث بشيء من التجهم والتمشعر من أهل خراسان، وكل أهل الرأي من الحنفية، وأهل الظاهر من الظاهرية، وكل من تلوّث بعلم الكلام والنظر من أتباع المذاهب والأئمة …الخ؛ فهل بقي للمسلمين أحد يرجعون إليه في أمر دينهم؟ ما بقي إلا الدجاجلة تخطب من فوق أعواد المنابر، وعند ذلك فلْتَبْكِ البواكي على الإسلام وأهله!!! وأما الفريق الثاني ممن لا يرفعون بالسنة رأسًا، ويزداد شرهم يوما بعد يوم؛ فالغلظة عليهم –إن كان فيها تخفيف الشر- قُرْبة إلى الله –عز وجل-.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في “مجموع الفتاوى” (3/ 232) في رسالته لبعض أصحابه: “ما ذكرتم من لين الكلام والمخاطبة بالتي هي أحسن: فأنتم تَعْلَمُون أني من أكثر الناس استعمالا لهذا، لكن كل شيء في موضعه حَسَنٌ، وحيث أمر الله ورسوله بالإغلاظ على المتكلم لبغيه وعدوانه على الكتاب والسنة؛ فنحن مأمورون بمقابلته، لم نكن مأمورين أن نخاطبه بالتي هي أحسن” اهـ.
وقال أيضا -كما في “مجموع الفتاوى” (3/ 252)-: “والله تعالى يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] فمتى ظَلَمَ المخاطَبُ؛ لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن، بل قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لعروة بن مسعود بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال(أي عروة بن مسعود): إني لأرى أوباشًا من الناس؛ خليقا أن يَفِرُّوا ويَدَعُوك(أي فقال له الصديق رضي الله عنه بعد هذه المقالة القبيحة): امْصُصْ بَظْر اللات، أنحن نَفِرُّ عنه ونَدَعُه؟!”.
وقال –كما في “مجموع الفتاوى” (4/ 109)-: “فالظالم ليس علينا أن نجادله بالتي هي أحسن” وأما غير الظالم، فقد قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].

انتهت الحلقة الأولى، وتليها الحلقة الثانية –إن شاء الله تعالى- في الكلام على بقية هذه الضوابط، وغير ذلك.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

كتبه/ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
دار الحديث بمأرب
9/ربيع الأول/1440هـ

للتواصل معنا