قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله :
إن الله يرحمُ أهل الأرض برحلة أهل الحديث . انتهى
فهذه الكلمة من أحد العبّاد الزُهّاد تدلّ على مكانة الحديث النبوي في حياة المسلمين، فأهل الحديث في رَحلاتهم للشيوخ يبحثون عما عندهم من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويدوّنونه عن شيوخهم، ثم يحدِّثون به طلابهم إذا جلسوا للتحديث، ولا شكّ أن العمل بالحديث النبوي عصمةٌ ونجاةٌ من البدع والضلالات، وأمان من الخوض في فتن الدماء والنزاعات، وقد كان الرجل من السلف يحمد الله على عدم مشاركته في بعض الفتن، ويُرجع السبب في ذلك إلى حديث سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما قال أبو بكرة رضي الله عنه عندما عافاه الله من المشاركة في فتنة الجمل؛ فقد قال: لقد عصمني الله بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة )) – مع أنّ هذا المقام فيه تفاصيل ليس هذا موضعها – .
لكن الشاهد: أن أبا بكرة يرى أن العمل بالحديث النبوي عصمة وأمان من الفتن.
وكذلك الرجل الذي يأتيه الدجّال ويزعم أنه يُحيي ويُميت، وينادي أبوي الرجل من قبريهما، فيخرجان ويقولان له: يا بُنيّ آمن به فإنه ربُّك، ويُسَلّط الدجال على شابّ فيشقّه نصفين ويذهب ويأتي بينهما، ثم يناديه فيقوم، فيقول الشاب المؤمن للدجال: والله ما ازددتُ فيك إلا بصيرة، أنت الدجّال الذي حدّثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هكذا العلمُ بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ أمان من اتّباع الدجاجلة في كلّ عصر، وسلامة من الاغترار بشُبهات المتربّصين بالإسلام، وهذا كلّه من بركة رحلة أهل الحديث.
ولذلك فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((عبادة في الهرج كهجرةٍ إليّ)) أي: أن العمل بالحديث النبوي في زمن الفتن والاضطرابات؛ من أفضل القُرَب إلى الله، بل عدّها النبي عليه الصلاة والسلام كهجرةٍ إليه في حياته، وَإِنَّ شأن الهجرة لشديدٌ كما لا يخفى، وهذا فضل عظيم لمن تمسّك بما يعرف من الحق في زمن يترأَّسُ فيه الصغار والأحداث، وينعقُ فيه دعاة الفتن والانحرافات عن جادة الطريق، ولا يكاد يُسْمَع للكبار والعقلاء، وهذا كله من بركة العمل بالحديث النبوي، فالأمر كما قال إبراهيم بن أدهم سابقًا .
وكيف لا تكون رحلة أهل الحديث رحمة لأهل الأرض أعظم من أن تُمطَر الأرض سبعين صباحًا، وفِي الأحاديث الحثّ على التمسّك بالحق، ولزوم الاعتصام بمُحكَم الكتاب وصحيح السنة، والتحذير من رؤوس البدع، والحثّ على الأخذ عن العلماء الأكابر؟!
وفِي هذا كلّه؛ حفظ الدماء والأموال والأعراض، وتثبيت الأمن والاستقرار في السُّبل والأسواق، والحواضر والبوادي، وفِي هذا رحمة للبلاد والعباد، فـرحم الله إبراهيم بن أدهم والسلف الصالح على كلماتهم التي ترجمت الإسلام ولخّصته في كلمات يسيرات، والمُعافى من عافاه الله، والمعصوم من عَصمه الله، فنسأل الله أن يجنّبَـنا وإياكم فتن المحيا والممات، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
5 / ذي الحَجة / 1439هـ