تصحيح المفاهيم

حكم الإصرار على الكبائر

[ حكم الإصرار على الكبائر ]

الكبيرة: هي ما تُوُعِّد عليها بعقاب دنيوي أو أخروي، أو ترتب عليها حد من الحدود، أو تعرض الواقع فيها للعن، أو غضب، أو تهديد، أو ذم، ونحو ذلك.

وتقع الكبيرة بترك أمر، أو ارتكاب نهي على فعلِ محرم.

والإصرار عليها هو شَدُّ العزم على عدم التوبة منها.

والإصرار على الكبيرة عند أهل السنة لا يرتقي بها من دائرة الكبائر إلى دائرة الكفر المخرج من الملة، إلا إذا صاحبَ ذلك استحلال.

فالاستحلال تحليل ما حرّم الله من المحرمات المقطوع بحرمتها، ويُلْحق به تحريم ما أحل الله مما هو مقطوع بحله أو وجوبه.

والإصرار على الكبيرة في ذاته جُرْم مستقل، لكن التكفير به مجردًا دون أن يصل بصاحبه إلى الاستحلال خلاف لعقيدة أهل السنة والجماعة، وشدة استقباح الشيء لا يلزم منها التكفير مطلقا.

والأدلة على صحة كلام أهل السنة كثيرة، منها: قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ) فقسَّم الله الذنوب إلى قسمين: قسم هو الشرك به والعياذ بالله ، وقسم دون ذلك ، وفرّق سبحانه وتعالى بين القسمين في الحكم .

فقضى سبحانه في هذه الآية أن الشرك لا يُغفر لصاحبه، أي إذا لم يتب منه، وإلا فلو تاب صاحبه تاب الله عليه، كما في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) أي التي تاب منها أصحابها.

والقسم الآخر علّق الله مغفرته بالمشيئة، أي إن شاء غفره تفضّلاً منه ورحمة، وإن شاء لم يغفره عدلاً منه وحكمة، وهذا لأن صاحبه لم يتب منه، وإلا فلو تاب توبة نصوحا؛ لغفر الله له للآية السابقة، وللأدلة الأخرى من الكتاب والسنة والإجماع، دون أن يعلقه بالمشيئة.

وإذا كانت التوبة تمحو الشرك الأكبر فما بالك بما دونه.

فالشرك لا يُغفر إذا لم يتب صاحبه، وما دونه قد يُغفر وقد لا يُغفر حتى وإن لم يتب صاحبه، وكلاهما يُغفر إذا تاب صاحبه.

وكون العاصي لم يتب فهو المصرّ على الذنب، وطالما أن احتمال مغفرتِه احتمال وارد، لدخول صاحبه في المشيئة؛ فهذا دليل على أنه لم يبلغ درجة الكفر الأكبر، فتأمل، واحذر الغلو والغلاة.

أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني.

23 رجب 1439 هـ

بارك الله فيكم شيخنا الكريم ويدخل في ذلك الكبيرة المنظمة المقننة وكنتم بارك الله فيكم قد ذكرتم ذلك في ردكم على من يكفر مرتكب الكبيرة المقننة كالتعامل بالربا مثلا نفعنا الله بعلمكم، أبو الخير

الجواب: يدخل في ذلك الكبيرة المقننة، مالم تبلغ إلى درجة الاستحلال، نعم وضع ضوابط وقواعد ووسائل وبرامج لفعل هذا الشيئ كما يجري في البنوك، يزيد من الإثم، ولا يُؤْمَن على صاحبه أن ينتقل من مجرد فعل الكبيرة إلى استحلالها، لكن لا نستطيع الجزم بذلك، إلا إذا صرّح بتحليل الحرام القطعي، فعند ذلك يكون له حكم آخر، أما مجرد تنظيم الكبيرة، كحفلات الغناء وما يحدث فيها من منكرات، فليس هذا كافيا في الحكم عليهم بالإستحلال، ورُبَّ عصابة سرقة أو قتل تخطط لارتكاب هذه الجريمة عدة أشهر، وقد تفشل في تحقيق مرادها فتعيد الكرّة أشهر أخرى، ولا يلزم من ذلك استحلال.

ولو كفّرنا فاعل الكبيرة بمجرد تنظيمها، وبرمجتها، والتخطيط لها، دون النظر إلى الاستحلال، لما سلم من التكفير أكثر المسلمين، فكم يُوجَد في الأنظمة الإدارية، وشؤون العاملين والموظفين من شروط لا يُقرها الشرع، فيجب إنكار المنكر بقَدره وبحجمه، دون وكس أو شطط، وحسبنا الله ونعم الوكيل. أبو الحسن

للتواصل معنا