تصحيح المفاهيم

أهل السنة يعْقدون الولاء والبراء على الحق القطعي المبين، لا على أقوال الرجال ومسائل الاجتهاد

أهل السنة يعْقدون الولاء والبراء على الحق القطعي المبين، لا على أقوال الرجال ومسائل الاجتهاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمعلوم أن الحق يُعْرَف بقوة دلائله، لا بمكانة قائله، وقد ضَمِن الله الحفظ والعصمة لكتابه الكريم، وما صحَّ قطْعًا أو ترجيحًا عن نبيه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – عند علماء الحديث النبوي، وكذا إجماع العلماء المتيقَّن، وأما اجتهادات العلماء: فمنها الصواب، ومنها الخطأ، وهذه طبيعة البشر غير الأنبياء – عليهم السلام – وإن كان الصواب في اجتهادات العلماء أكثر، واختلاف العلماء في هذا القدْر لا يخلو من فائدة، يعرفها المشتغلون بالعلوم الشرعية، والنظر في اجتهادات العلماء.

ومعلوم أيضًا أن الولاء والبراء أَصْلٌ من أصول الدين، يجب أن يُسْتَعمل صيانة للأصول الدينية الأخرى، وحفاظًا عليها من الضياع والاندثار، ولا يُستعمل هذا الأصل الأصيل في مجال المسائل الفرعية الاجتهادية المخْتَلف فيها بين علماء السنة، فإن بُغْض وكراهية العالم المجتهد المخطئ، والمأجور أجرًا واحدًا، والمعفوّ عن خطئه بنصّ الحديث النبوي؛ يخالف أصل الولاء للمؤمنين، لاسيما العالم الصالح المجتهد منهم.

كما أنَّ عقد الولاء والبراء على السمع والطاعة لأقوال أو محبة شخص ما غير رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وإن بلغ من الفضْل مبْلَغه – وامتحان الناس به، فمن وافقه في كل شيء؛ صار وليًّا مُقَرَّبًا، ومن خالفه في أقلّ شيء؛ صار عدُوًّا مُبْعَدًا؛ هذا كله ليس من عمل أهل السنة والجماعة، إنما هو من عمل أهل البدع والفتنة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “وليس لأحدٍ أن ينصب للأمة شخصًا: يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها،  غير كلام الله ورسوله، وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فِعْل أهل البدع، الذين ينصبون لهم شخصًا، أو كلامًا يُفَرِّقون به بين الأمة، يُوالُون به –على ذلك الكلام، أو تلك النسبة – ويُعادون” انتهى من “مجموع الفتاوى” (20/164).

وكثير ممن ينتسب إلى السنة اليوم يُسَلِّم بصحة هذا الكلام نظريًّا، أما حاله فعلى خلاف ذلك، ولاءً وبراءً، هَجْرًا ووصْلاً، جرْحًا وتعديلاً، ذمًّا ومدْحًا، مع الظلم وتجاوز الحد في هذا كلّه أو بعضه، فالكلام كلامُ أهل السنة، والحالُ حالُ أهل البدعة والفتنة، كما قال القائل:

أمّا الخيامُ فإنها كخيامهم ***** وأرى نساء الحيّ غير نسائها

والموَفَّق من وفّقه الله، والبصير من عَرَض قالَه على حاله وفعاله، وخلا بنفسه، وحاسبها، وأنّبها، وضَنَّ بحسناته؛ لا يوزّعها على الخلق يوم القيامة، وهو أحوج ما يكون إلى حسنة يثقل بها ميزانه، والله أعلم.

أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني

 22/شعبان/1439هـ

للتواصل معنا