تصحيح المفاهيم

متى تُنسب الطائفة أو الرجل إلى أهل السنة أو أهل البدع

[متى تُنسب الطائفة أو الرجل إلى أهل السنة أو أهل البدع ]

هذه المسألة يجب فيها مراعاة عدة امور :

1/ أن الطائفة تُنْسب إلى السنة أو البدعة بقول أئمتها، وأهل الطاعة فيها، لا بقول أو سلوكيات المغمورين من أبنائها.

والعبرة في اعتبار الطائفة أو الرجل من أهل السنة والجماعة أو أهل البدعة: بقبول مجمل اعتقاد أهل السنة أو غيرهم، والبراءة المجملة من الكفر وأهله، أو البدعة وأهلها، ولا يُشترط عند تصنيف الطائفة أو الفرد الموافقة منهم على التفاصيل والجزئيات التي قد تكون موضع خفاء على بعض أهل السنة، أو نزاع بينهم.

2/ لا يخرج الرجل من دائرة السنة والجماعة إلا إذا ارتكب أصلا عظيما ظاهرا من أصول أهل البدع، قد حكم علماء السنة بمروقهم من دائرة أهل السنة بسبب ارتكابهم هذا الأصل المخالف.

أما مجرد الموافقة لأهل البدع على بعض كلامهم، أو أصولهم الخفية، أو القول بلازم أقوالهم دون خبرة بأصولهم ولوازمها، فلا يكفي في إخراج السني من دائرة السنة وإلحاقه بأهل البدعة، وإلا لزم من ذلك إخراج كثير من أئمة السنة قد وافقوا أهل البدعة في بعض مسائلهم أو مقالاتهم، أو قالوا ببعض لوازم أصولهم مع تصريحهم ببراءتهم من هذه الأصول والقائلين بها، ولذا قال علماء السنة: لازم القول ليس بقول .

3/ لابُدّ من إقامة الحجة الشرعية على من خالف الإسلام أو السنة قبل إلحاقه بالمخالفين كفرا كان أو بدعة كبرى، والأصل أن من يقوم بإقامة الحجة وتصنيف الطوائف والأفراد أن يكون حسنَ الظن بالمسلمين: جماعات وأفرادا، مادام المقام يحتمل ذلك، وأن يعرف الشروط الشرعية لاستيفاء الحكم بالسنة أو البدعة، والموانع لانتفائه .

وكم من عوام أهل السنة الذين لا شك في انتمائهم إلى السنة لا يعرفون اعتقادهم ومذهب أئمتهم في مسائل المعتقد على التفصيل، ولو امتحنهم حاقد أو ملبِّس؛ لربما لقّنهم غير معتقدهم المجمل، الذي ورثوه عن علمائهم وهم لا يشعرون.

ولذا كان حُسنُ الظن بأهل الإسلام، وحمْلُهم على السلامة – ما دام المقام يحتمل ذلك – من سيما أهل العلم والفضل، وأهل القلوب السليمة من الضغائن، والعقول الصافية من المكايد بالمسلمين.

ورُبّ رجل ينتسب إلى السنة أو الإسلام بلسانه، ويوافق أهل البدعة أو الكفر بفعاله، وهو يظن أنه على منهج السنة، وينكر أشد الإنكار إخراجه من ذلك، فهو يحتاج إلى صبر وتبصير.

وقد كان من قضاة وعلماء الجهمية المعطلة من يناظر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ويصرّون على أقوالهم، بعد المناظرة والبيان من شيخ الإسلام، ومع ذلك يقول لهم: أنا لو قلتُ بقولكم؛ أكون كافرا، لأني أعلم ما أقول، وأما أنتم عندي فلا تكفرون؛ لأنكم جهّال، وذلك لبقاء الشبهة عالقة في أذهانهم، وعدم انقطاع أعذارهم في نظر شيخ الإسلام.

فليست إقامة الحجة يراد منها إماطة حجر أو تنحيته من طريق تكفير المخالف، أو تبديعه، أو التذرّع بأنني أقمتُ الحجة على فلان، فما بقي إلا أن يُقر بما أقمته من حجة عليه، فيكون مسلمًا، أو سنيًّا، أو ينكر فيكون كافرًا، أو مبتدعًا، هذا شأن من لم ينعم قلبه بحلاوة حبِّ المسلمين، والحرص عليهم، والسعي في إعذارهم، ودفع الشُّبه المضلة عنهم، عياذًا بالله من هذا الحال.

كتبه/ أبو الحسن السليماني.

15 رجب 1439هـ

للتواصل معنا