مقابلات ولقاءات

لقاء صحيفة الجمهور مع الشيخ أبي الحسن السليماني

 

 

 

س11: ماذا لو دعيتم للمشاركة في السلطة ؟

 

ج 11: المشاركة في السلطة المسلمة هي ـ في الأصل ـ من باب التعاون على البر والتقوى ، والتقليل من الشر ما أمكن  ، والرجل الصالح إذا دخل في هذا المجال قلَّل من الشر بقدر استطاعته ، وهذه المشاركة مقيدة بضوابط وليست مطلقة : فإن كان الدخول أكثر خيرا ، وأن هذا الخير لا يتحقق  إلا بذلك ، وأن المشارك يأمن على نفسه الفتنة في دينه ، وأنه يشارك ابتغاء ما عند الله ، لا يريد بذلك علوًّا في الأرض ولا فسادا ؛ فهذا من أوثق الأعمال التي يعم نفعها ، ويدوم أثرها ، وقد تجب المشاركة هذه في حق بعض الأشخاص ، ولذلك فأنا أفتي من يُرجى فيه النفع للإسلام وأهله ـ مع الأمن في حقه من محذور أكبر ـ بالمشاركة ، والصبر على ما يجد من متاعب ، سواء كان ذلك في عمل صغير في مديرية أو محافظة ، أو أكبر من ذلك في وزارة  أو غيرها ، لأن الشريعة الإسلامية ما جاءت لتتخلى عن الواقع وتنزوي عنه ، إنما جاءت لتحكم الواقع ، وتوجهه ، وتهيمن عليه ،فتكَثِّر الخير وتقلِّلَ الشر ما أمكن ، فالشريعة جاءت بتكميل المصالح وتحصيلها ، وبتقليل المفاسد وتعطيلها ، ومعلوم أن المؤسسات العليا في البلاد هي التي تملك القرار ، فاعتزالها بالكلية من الصالحين أو المصلحين ـ مع قدرتهم على التغيير ـ كل ذلك من إبقاء الفساد في الأرض ، وتوسيد الأمر إلى غير أهله ، واستفحال الشر ، وهذا كله مصادم لمقصود الشريعة وكلياتها ، هذا من حيث الأصل ، لكن هناك حالات يترجح للمرء فيها أن الخير له أو للمجتمع  في الابتعاد لسبب أو أكثر ، وهذا من المسائل الاجتهادية ، لأن تحقيق المناط ضرب من ضروب الاجتهاد ، لكن ينبغي أن لا يكون الخلاف في ذلك ـ دخولا أو ابتعاداً ـ سببا في المهاترات بين المختلفين، فإن الخلاف في ذلك من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف ، وليست من مسائل العقوبات والتشنيع .

 

فموقفي من المشاركة راجع إلى هذا التفصيل ، والنظر في القدرة على تقليل  الشر وتكثير الخير في الحال والمآل ، وليس قولا واحداً بالدخول أو عدمه ، وأرجح في الجملة ـ مع ما نرى في زماننا من غرائب وعجائب ـ مشاركة ذوي الغيرة الدينية المنضبطة ، فإن ذلك خير ـ في الجملة ـ من عدمه ، وأما أنا عن نفسي فلا أجدني أهلا لذلك ، وأنا مشغول بما أراه أهم وأنفع ، مثل طلب العلم ، والتأليف ، والدعوة إلى الله تعالى ، وتربية ما تيسر من  أبناء الأمة على منهج الوسطية والاعتدال ، وكلٌّ ميسَّر لما خُلق له ، وكل ٌّ على ثغر ، والمطلوب التكامل لا التآكل ، والتسديد والمقاربة ، لا التشديد والمضاربة ، والمرء بنفسه قليل ؛ وبالله ثم بإخوانه كثير ، ومن ظن أنه في غنى عن جهود غيره ؛فهو لا يعرف طبيعة الطريق ، ولا يعرف نفسه فضلا عن غيره ، وقد قال تعالى 🙁 هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين )، وقال رسول الله e : ” المؤمن للمؤمن كالبنيان ”  أو قال ” كالبنان ، يشد بعضه بعضا ” وشبَّك بين أصابعه .

 

س12: هناك من يقول بأن السلطة توظف الجماعة السلفية لمواجهة الحركة الإسلامية والإخوان، والمتمثلة حالياً في التجمع اليمني للإصلاح ،ما صحة هذا القول ؟

 

ج12: هذا قول لا يخلو من مجازفة وعدم دراية بواقع الدعوة السلفية ، فإن السلفيين هَمهم اتباع الدليل ، ونصرة العقيدة الصحيحة ، ونشر العلم النافع ، وتنقية السنة أو الساحة الدعوية من كل ما ألحق بها وليس منها  ، سواء في باب الاعتقاد ، أو في باب السلوك ، أو في باب الأحكام الحديثية أو الفقهية ، ونحو ذلك ، وليس هَمُّ الدعوة السلفية الصحيحة الواعية أن تحارب جماعة هي في الأصل من جملة أهل السنة ، وإذا لم يكن هذا من أولوياتها؛ فكيف تُسْتَدرج للوقوع فيه ؟! لو كان هَمّ الدعوة السلفية نصب العداء للإخوان المسلمين ، والانشغال بهم وبأخطائهم ، والدخول في مهاترات معهم ؛لقلنا : لعل هناك جهة ثالثة تستغل هذا الخلاف ، وتنتهز هذه الرغبة الملحّة في المواجهة ، أما وقادة العمل السلفي ـ في الجملة ـ عقلاء ، ولهم أولويات مقدمة على مجرد الدخول في صراعات مع جماعة أو أخرى ، فأعتقد أن ما ورد في السؤال بعيد إلى حد كبير عن الواقع .      

 

وغالب من يتكلم بهذا بعض السياسيين ، أو طائفة من الصحفيين ، أو من لم يعرف اعتدال قادة الدعوة السلفية من الإخوان المسلمين أنفسهم ، أو من غلبت عليه منهم روح الهيمنة والاحتواء، ودليلهم في ذلك : أن أهل السنة يدعون إلى السمع والطاعة لولاة الأمور ، وهذا لا يوافق ما يريده السياسيون  من الإخوان المسلمين ، وبناءً على ذلك فالسلفيون متمسكون بأصولهم ؛لا أن غيرهم استدرجهم ، والإخوان أنفسهم لو صاروا حكاما فيجب السمع والطاعة لهم في المعروف ، فهل يقبلون أن يُتهموا بهذه التهمة ؟َ!

 

وكذلك فقد يفتي أحد السلفيين بانتخاب مسؤول صالح في الحكومة في دائرة ما ،أو يفتي بانتخاب الرئيس نفسه لأدلة وقرائن تحف المقام ـ كما حصل مني في الانتخابات الرئاسية السابقة ـ فيفسر ذلك بعض إخواننا من الإخوان المسلمين على غير وجهه ، ومن هذه الشبهات وغيرها تتمخض هذه التهم عندهم  ، وليس لها واقع في الحقيقة من جهة عقلاء السلفيين .

أنا لا أدعي بهذا الجواب أن بعض المسؤولين لا يفكر في ذلك ، أولا يحرص على ذلك ، فالغيب لا يعلمه إلا الله ، لكن نصيحتي للمسؤول الذي هذا حاله أن لا يتخذ وسيلة ضرب جماعة بأخرى وسيلة لاستقراره ، فإن هذا يؤدي إلى زعزعة الأمن ، وكل جماعة تُقوّي نفسها بالأسلحة والأموال والرجال ضد الأخرى ، واختلاف الجماعات  وتناحرها يهدد البلاد بالغرق في بحر الدماء ، وانفلات الزمام من يد العقلاء إلى أيدي السفهاء ، ومما يُشاع على ألسنة العامة وبعض الخاصة أن الحوثية دُعِموا في بداية أمرهم للحد من نشاط أهل السنة في صعدة ، وانظر إلى ماذا وصل أمرهم !! والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين .

 

 

فمن  السياسات الخاطئة سياسة إبقاء التوازن بين القوى بهذه الصورة ، وإنما الواجب على ولاة الأمر أن ينصروا من كان على الحق بقدر ما عنده من الحق ، وينصحوا أو يردعوا من كان داعية إلى الباطل أو الفتن بقدر ما عنده من الخطأ،والجميع رعيتهم , وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ،والله تعالى يقول:(الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ).

 

ثم ما ذا حصل من السلفيين حتى يقال : إن الجماعة السلفية موظفة لمواجهة الحركة الإخوانية ؟ هل مجرد تسليم مسجد لرجل سلفي في قرية أو مدينة دليل على ذلك ؟ إذاً فماذا يقول الإخوان عن أنفسهم عندما كان معهم المعاهد العلمية ، والتوجيه والإرشاد ، وعدد من الوزارات والمحافظين ،والمدراء والموجِّهين ، هل كانوا يُسْتدرجون لضرب غيرهم ؟! وماذا يقولون عندما أخذوا عشرات المساجد بأسلوب أو بآخر من بعض الدعاة السلفيين ؟! مع أن غير الإخوان من الجماعات المنتسبة إلى السنة لم يظفر حتى الآن  من الحكومة بشيء يذكر مقارنة بما ظفر ويظفر به الإخوان المسلمون ، ومع ذلك لم يتهمهم السلفيون العقلاء بأنهم مجنّدون لمواجهة غيرهم من إخوانهم ، فلماذا يظلمون إخوانهم بهذه التهم ؟ هل يريدون من السلفيين أن لا يكون لهم وجود إلا تحت لوائهم ، وإلا كانوا مستغفلين مستدرجين لعداوة إخوانهم ؟! أليسوا يؤمنون بالحوار ، والرأي والرأي الآخر ، فلماذا سلبوا هذا الحق من السلفيين ، وأعطوه لمن هو أبعد منهم ؟هذا ليس من العدل في القضية ، لكن عزاؤنا أنه ليس كل الإخوان كذلك، فإن فيهم عقلاء ومنصفين ، والحق يقال : إن الإنصاف عزيز ، والعاقل من ينصف غيره من نفسه , والإنصاف أقرب طريق إلى القلوب الصحيحة .

 

 ومع هذا كله فلا أستبعد وجود بعض من يصدق عليه ما جاء في السؤال ، لكن كم شأن هذا الصنف في الدعوة السلفية الناضجة في طول البلاد وعرضها ؟ وهل من الإنصاف أن يُحكم على طائفة عظيمة بهذا الحكم لوجود هذا القدر ممن ينتسب إليها  إن صح وجوده؟ مع أن جمهور كبارها ينكرون ذلك ، ويدعون إلى الاتزان والانضباط  في الأمر كله ، سواءً كان ذلك مع ولاة الأمور، أو مع الجماعات الموجودة في الساحة وعلمائها ، ومعاملة الجميع بما يرضي الله عز و جل، ويحثون طلابهم وأتباعهم على الرفق مع المخالف ـ وإن ظلمهم ـ عملا بقوله تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبنيه عداوة كأنه ولي حميم ) وما دُفع شر ذي شر بمثل أن تطيع الله فيمن عصاه فيك ،  فاللهم عذرا.

 

س13: ما أساس الخلاف بينكم وبين الحركة الإسلامية في اليمن ” الإخوان المسلمين ” وما أوجه الاتفاق ؟

 

ج 13: أما عن الخلاف بيننا وبين جماعة الإخوان المسلمين ، فقد تكلمت عنه بتوسع في غير ما موضع ، ولا أرى من المصلحة إعادة ذلك هنا ، ومن كان من ذوي التخصص في معرفة ذلك وممن يهمه هذا الأمر ؛  فليرجع إليه في موضعه ، وأما عن مواضع الاتفاق فهي أكثر وأكبر ، لأن أفرادهم في الأصل من جملة أهل السنة ، ونتفق معهم على كثير من أصول السنة وثوابتها في أبواب المعتقد ، وهم في الجزيرة أصفى معتقدا ـ في الجملة ـ من الإخوان في بلاد أخرى ، ونسأل الله للجميع البصيرة في الدين ، والثبات على الهدى حتى الممات .

 

س14: ذكر أحد قادة الحركة الإسلامية في اليمن ” حمود هاشم الذارحي ” أن خلافهم مع الجماعة السلفية ينحصر فقط في السلفية المسيسة؟فهل هناك سلفية مسيسة ، وأخرى غير مسيسة؟ ومن يمثل الطرفين في اليمن ؟

 

ج14: يُسأل عن ذلك من أجاب بهذا الجواب ، وأما أنا فلا أعرف سلفية مسيسة تسير وراء السياسة في اليمن حيث ساروا ، وليس عندي أكثر مما أجبت به قبل قليل ، والشيخ حمود بن هاشم الذارحي  حفظه الله  ممن أعلم عنهم ـ حسب علمي القاصر ـ الحرص على التأليف بين الدعاة المعتدلين ، وفتح صدره ومجلسه  لإخوانه وأبنائه ، والرغبة في التعاون مع الجميع فيما يعتقده من البر والتقوى ، والمرحلة التي تمر بها الدعوة هذه الأيام بحاجة إلى هذا الصنف من الدعاة ، وبحاجة إلى من يتحرر من الولاء الحزبي الضيق ، وينصف القريب والبعيد ، ويكون همه نصرة الإسلام والفضيلة لا الحزب الفلاني ، فإن ذلك من آليات جمع الشمل وقوة الصف ، ومن أبى أن يتعاون مع أحد إلا إذا كان مثله حذو القذة بالقذة ؛ فقد جهل الطريق إلى الله ، ومن أبى الشرب إلا من ماءٍ صافٍ طال ظمأه ،واشتد كربه ، وصدق من قال : 

 

من الذي تُرضى سجاياه كلها        كفى المرء نبلاً أن تُعدّ معايبه .

 

س15: هناك من يقول:إنه بعد رحيل الشيخ مقبل الوادعي ـ رحمه الله ـ فقدت السلفية في اليمن ” البوصلة ” يعني لم تعد تدري إلى أين هي ذاهبة ؟

 

ج15: هذا كلام من لايعرف طبيعة الدعوة السلفية عموما ، وطبيعة الدعوة السلفية خصوصاً في اليمن ، فإن الدعوة الصحيحة لم تفقد البوصلة بموت رسول الله e ، ولا بموت الخلفاء الراشدين ، ولا الأئمة المصلحين ، ولا القادة الفاتحين ، فضلاً عمن هو دونهم ؛  لأن الله عز و جل لم يحكم ببقاء هذا الدين ببقاء شخص أو وفاته ، ولأن الله جعل دينه حجة على العباد ، فتكفل بحفظه ، كما قال تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) والدعوة السلفية قائمة على الاستفادة من علم العلماء  لا تقديسهم ، فموت العالم يؤثر بلا شك على الأمة ، لاسيما على طلابه وجلسائه ، أما ” البوصلة ” فليست معه ولا مع غيره ، فإنها باقية ما بقي الكتاب والسنة ، والفهم الصحيح لهما.

نعم هناك من طلاب الشيخ ـ رحمه الله ـ من زاغ عن السبيل ، وجنح إلى الغلو من جهة والتقليد من جهة أخرى ، واختلطت أمامه السبل ، فلم يَعُدْ يدري ـ في بعض الجوانب ـ كيف الطريق ، ومع ذلك فلا نقول في حقهم أيضاً ” أضاعوا البوصلة ” لأنهم وإن انحرفوا في أبواب ؛ فماهم عليه من الخير والاستقامة أكثر وأجل ، وهم إخواننا وإن بغوْا علينا ،  ثم إن  هؤلاء لا يمثلون وحدهم الدعوة السلفية ، بل الذين يمثلون الدعوة بحق هم أهل الاعتدال والفهم الصحيح ، وهم جمهور المستفيدين من علم الشيخ ـ رحمه الله ـ ، وهم الذين ساروا على درب الأئمة ، وأخذوا من كلام الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ وغيره ما وافق الدليل ، وشكروا له نصرته للسنة ، وصبره على الدعوة إليها ، وسَبْقه في هذا الخير العظيم ، وتركوا من كلامه وكلام غيره ما خالف الدليل ، واستغفروا له ، وأنزلوه منزلته الشرعية بلا إفراط ولا تفريط ، وهؤلاء  وأمثالهم  ومن كان على هذه الجادة  هم الممثلون الشرعيون للدعوة السلفية الصافية ، وإن تباعدت بلدانهم ، واختلفت أسماؤهم ، سواء كانوا جماعات أو أفرادا ، سواء علمنا بهم أو لم نعلم بهم ، وسواء أحسنوا إلينا أ وأساءوا ، فالعبرة بالتمسك بالأصول والعمل بمقتضاها لا مجرد الأسماء والشعارات ، وأما المسائل الاجتهادية فلا يسلم عمل صحيح من الخلاف فيها ، ومع ذلك فلا تفرق العاملين إلا إذا دخل الهوى والبغي ، ونعوذ بالله من الهوى والضلالة .

 

 

س16: السلفيون يتهمون بأنهم متزمتون ومتشددون ، وأنهم يُكَفِّرون الناس بغير ذنب فعلوه ، فهل تُسَلِّم للمتهمين للسلفية بذلك ما يقولونه ؟

 

ج16 :إطلاق القول في السلفيين بذلك ظلم واضح ، وجهل فاضح ؛ فإن السلفيين العقلاء الفاهمين لحقيقة الدعوة ينطلقون من هَدْى رسول الله e الذي ما خٌيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، وهذا الصنف من العلماء والدعاة وكبار طلاب العلم ـ وهم جمهور السلفيين ـ يضعون نصب أعينهم سماحة الشريعة ويسرها ، كما قال تعالى : ( ماجعل عليكم في الدين من حرج ) وقال  جل شأنه : ( يريد الله أن يخفف عنكم ) وقال سبحانه : ( يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر ) وقال Y : ( ولقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر ) وقال نبينا e : “إنما بُعثْتُ بالحنيفية السمحة” ويقول أيضاً : ” إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ” ويقول :” هَلَك المتنطعون ” ثلاثا ، ويقول :” عليكم بالرفق ؛ فإن الرفق ما خالط شيئا إلا زانه ،وما فارق شيئا إلا شانه “ويقول :”يسّروا ولا تعسّروا ،وبشّروا ولا تنفروا .. ” إلى غير ذلك من أدلة ،فكيف يكونون متزمتين متشددين مع علمهم بهذه الأدلة كلها ، و مع علمهم  بأن الشريعة تميل إلى جانب التيسير بدون تفريط وتضييع ؟!

 

لكن كثيرا ممن يتهم السلفيين بذلك على أصناف :

 

1- فمنهم من ضعفت نفسه عن حَمْلِ فرائض الله عز و جل ، وتَرْكِ محارمه ، وغلبته شهوته عن الأخذ لأمر الله بقوة ، والدخول فيه كافة ،فينظر إلى من ينادي في الناس بالوقوف عند حدود الله على أنه متشدد ، وليس معه دليل إلا أن هذا الداعية خالف هوى صاحب هذه الفرية ، وهذا الصنف لو بكى على نفسه وخطيئته خير له من أن ينفر من عباد الله القائمين على حدوده ، أو يشنع عليهم في الصحف والمجالس التي تكون وبالاً عليه إذا لم يرجع إلى الله .

 

2- صنف يحب الحق وينصره بقدر علمه ، لكنه ينظر إلى تشدّد بعض من لم يفقه الدعوة السلفية ، ـ وإن كانوا من أبنائها ـ فيوجب ما لا يوجبه الله عز و جل ولا رسوله e ، أو يراه جامدا شكاكا في كل جديد منفرا منه ، فيرميه بذلك ، وهذا الصنف وإن أصاب في وصف فاعل ذلك بالتشدد والجمود ؛فلم يصب في رمْي السلفيين جميعا بذلك ، والإنصاف والعدل مطلوبان ، والله تعالى يقول : ( وإذا قلتم فاعدلوا ) ويقول سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى و اتقوا الله  إن الله خبير بما تعملون ) .

 

3- صنف يحب الخير ، لكن رسخت في ذهنه بعض المفاهيم الخاطئة ، وجنح بها نحو ما يظنه تيسيرا ، فيرى أن من خالف رأيه فهو متشدد متزمت ، والخطأ عند هذا الصنف اعتداده برأيه فقط ، ومصادرته لفهم واجتهاد غيره ، والحق في مثل هذا : أن ما كان من سبيل الاجتهاد ؛ فلا حرج فيه على العباد ، إذا وصلوا إليه بعد سلوكهم مسلك أهل الهدى والرشاد ، وهذه المسائل الاجتهادية ـ وإن  مال أحد أهل العلم إلى قول بالتحريم والمنع ـ لا يطلق فيها القول بأن المخالف متشدد ، أو أن عكسه مميع ، فبعض البيوع  يحكم عليها بعض أهل العلم بالتحريم ، لترجيحه أنها ربوية ، كالبيع بالزيادة من أجل المهلة ، والجمهور والأدلة على جواز هذه الصورة من البيوع ، فهل يُحكم على من أداه اجتهاده ونظره الطويل في الأدلة وأحوال الناس وحيلهم إلى تحريم ذلك بالتشدد أو التزمت والجمود ، أو رمي مخالفه بالتمييع  ؟ ليس هذا مقام هذه التهم .

 

والتشدد المذموم : هو أن تجعل الحلال حراماً ، أو المباح واجبا بلا د ليل ، أو تبالغ في إلزام الناس بالورع الذي لا يتعين في حقهم ، أو تمنعهم من الرخصة التي رخَّص الله عز و جل لهم فيها … ونحو ذلك ، أما أن تحرم ما حرمه الله  ـ وإن خالف هوى الناس وشهواتهم ـ كالغناء الخليع ، والتبرج والسفور  … ونحو ذلك ، فيرميك بعض الجهلة بالتشدد والتزمت ؛ فما عليك إلا الاستمرار في الطريق والصبر على لأوائه ، وقد قال تعالى : ( ولقد كُذِّبَتْ رسل من قبلك فصبروا على ما كُذِّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ) .

 

وأما من رمي السلفيين بأنهم يكفرون الناس بغير ذنب اقترفوه ؛ فما أسمجها من تهمة ، وما أقبحها من فرية !! فالسلفيون  أبعد الطوائف عن التكفير بغير سلطان ولا حجة ، فالرافضة ـ مثلاً ـ وهم من الذين  يكثرون من رمي أهل السنة بهذه التهمة ؛ هم الذين يكفرون من لم يكن معهم  في مذ هبهم من جميع الطوائف ، حتى إنهم يكفرون الزيدية، وبعض المولعين بالتهييج على الحكام والطعن فيهم من الأحزاب السياسية ؛ هم الذين ربما كفروا مخالفهم بتأويل فاسد ، وأما أهل السنة فيدركون جُرْم التكفير بلا هدى ولا كتاب منير ، ويكفي في التحذير من ذلك قوله e :” من قال لأخيه يا كافر ، أو يا عدو الله ؛ فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه ” .وأهل السنة لا يحكمون على قول أو فعل أو اعتقاد بأنه كفر أو فسق أو معصية ، إلا إذا ورد النص جليا بذلك ، ومع هذا فلا ينزلون الحكم العام على المُعين بالتكفير ، أو التفسيق ، أو التضليل إلا إذا استوفى المعين شروط هذا الحكم ، وانتفت عنه موانعه ، ولا يقوم بذلك عندهم ـ حسب المنهج الصحيح لا فوضى الشباب ـ إلا أهل العلم أو القضاة ، لا كل أحد ، فكيف يتهمون بهذه التهمة التي هم أشد الناس تنفيرا منها ،وحذراً من الوقوع فيها ؟ !

 

ثم أقول لأصحاب هذه الاتهامات : سمُّو ا لنا من هو الشخص الذي حكم عليه  أهل السنة بأنه كافر بعينة دون ذنب اقترفه ؟

فإن عجزتم فاستحيوا من الله ومن خلقه ، ودعوا عنكم الافتراءات على أهل العلم ، وإلا فصدق من قال :

يا أيها الناطح الجبل العالي ليوهنه          أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل !!

 

س17: يقال :إن السلفيين ليسوا من الإسلام ، وإنما هم من وضع بعض الحكومات التي تستخدمهم كورقة تربح بها في إنهاء ورقة صعبة ، ثم تعاديها ، فهل هذا صحيح ؟

 

ج 17: سبحانك هذا بهتان عظيم !! فالسلفية موجودة قبل هذه الحكومات ، وستبقى بعدها ـ إن شاء الله تعالى ـ فكيف تكون السلفية  من صنع هذه الحكومات ؟ !

 

     إن قائل ذلك مُغرق في سوء الظن ، أو مفتون مغرور بفهمه وفكره ، أو يتكلم عن سلفية لا يعرفها إلا هو وأمثاله ، أو يتكلم عن أشخاص لا يمثلون السلفية إلا عنده ، وقد سبق الجواب  عمن يقول : إن السلفية تُستدرج لضرب جماعة أخرى بما يغني عن إعادته هنا .

      وقوله :” إن السلفيين ليسوا من الإسلام ” فأي إسلام يعني ؟ ! أهو الإسلام الذي جاء به محمدe  ، وكان عليه أبو بكر، وعمر، وعثمان ، وعلي والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وسار عليه بعدهم الهداة المهتدون ؟ فإن كان يعني هذا الإسلام فالسلفيون المتمسكون بما كان عليه سلفهم هم أسعد الناس بهذا الإسلام ، وأكثرهم ولاءً له ونصرة لمعالمه ، وأعظمهم إكراماً وإجلالا لعلمائه وقادته ، وأحرصهم على إحياء ثوابته وأصوله ، وأعلمهم به وبأحكامه ، وأشدهم ذبًًّا عنه ، وتمييزا له مما ألحق به في جميع الأبواب ـ والفضل في هذا كله لله وحده ـ وإن كان عند غيرهم بعض من ذلك ، فما عند السلفيين من الخير أكثر وأنفع ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في سياق كلامه عن أهل الحديث : ” وأدنى خصلة في هؤلاء : محبة القرآن والحديث ، والبحث عنهما ، وعن معانيهما ، والعمل بما علموه من موجَبهما ، ففقهاء الحديث أخبر برسول الله e من فقهاء غيرهم ، وصوفيتهم أتبع للرسول e من صوفية غيرهم ، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم ، وعامتهم أحق  بموالاة الرسول e من غيرهم ” ا هـ من ” مجموع الفتاوى ” (4/95).   وإن كان صاحب هذه المقالة يعني إسلاماً آخر لا نعرفه ؛ فلا يضرنا أن السلفيين ليسوا منه لا من قريب أو بعيد!!

 

       وليُسَمِّ لنا صاحب هذا الإفك أحداً من علماء السلفية عبر التاريخ تواطأ مع أعداء الإسلام ضد الإسلام ، أو نصر جيوش الكفار على جيوش المسلمين !! إن هذه أفاعيل غير السلفيين ، وما رضوا منا رأساً برأس ؛ حتى هرعوا يرموننا بأمراضهم المزمنة ،وروائحهم المنتنة، ومواقفهم المظلمة ، ألا فليعلموا أن في الزوايا بقايا، والله المستعان .

 

  س18: بعض كبار العلماء والمثقفين ينقمون عليك أنت إفتاءك للرئيس في الانتخابات الرئاسية للعام 2006م ضد المرشح لأحزاب اللقاء المشترك فيصل بن شملان ، وعلى اعتبار أنك نصرت الكفر المتمثل في الأخ الرئيس ، وخذلت الإسلام المتمثل في أحزاب اللقاء المشترك بمرشحهم فيصل بن شملان ، فما تعليقكم على هذا الاتهام ؟

 

ج18: الفتوى منشورة ، وأدلتي فيها على ما ذهبتُ إليه محررة مسطورة ، وأكثر ما بلغني من أدلة المستنكرين : أن هذه الفتوى تخالف القانون والدستور ، وأنها ليست موافقة للديمقراطية … !! إلى غير ذلك من ردود لا تساوي حكايتها ، فالفتوى شرعية ، وأدلتها شرعية ، سواء كانت نقلية ، أو عقلية ، أو واقعية ، وأنا أرحِّب بأي نقد علمي قائم على الدليل المعتبر ، وأشكر من أفادني في ذلك وغيره ، وأعذر من خالفني في المسائل الاجتهادية ، لأنها من المسائل التي يسع الخلافُ فيها المختلفين ، لكن لا أقبل من إنسان ليس معه دليل على قوله ، أن يصادر قول غيره القائم على أدلة ـ على الأقل في نظره ـ أما أن يصل الأمر إلى التشنيع والتشويه والوشاية ؛ فهذه أفعال من لا يستحقون أن يجاب عليهم ، أو يشتغل بترهاتهم .

 

وأما قول من قال : “إن أبا الحسن نصر الكفر المتمثل في الأخ الرئيس … ” فهذا الحكم لا يصدر إلا من جاهل أو مجازف ، وقد سبق أن منهم من يرمي السلفيين بالتكفير ، فهل عرفوا أن قائل ذلك أولى بالتهمة من غيره؟! وهكذا من رمى بريئا بتهمة سرعان ما يقع فيها ، والجزاء من جنس العمل ، ولا ينبئك مثل خبير .

 

وأحب أن أختم هذا الجواب على هذه الأسئلة بقول الله عز و جل في أهل الإفك والهلكة  : (إذا تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم . ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم .يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين . ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم . إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) .

 

ونسأل الله للجميع الهدى والسداد ، ولزوم منهج أهل الحق و الرشاد .

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .