الأسئلة الحديثية

ما حكم تدليس التسوية ؟

ما حكم تدليس التسوية ؟

قال العلائي في “جامع التحصيل” (3) :” وهو مذموم جدًّا من وجوه كثيرة ” :

1- منها: أنه غِشٌ وتغطية لحال الحديث الضعيف، وتلبيس على من أراد الاحتجاج به .

2- ومنها: أنه يروي عن شيخه مالم يتحمله عنه – أي عن شيخ شيخه – لأنه لم يسمع منه الحديث إلا بتوسط الضعيف، ولم يروه شيخه بدونه .

3- ومنها: أنه ( يعترف ) على شيخه بتدليس لم يأذن له فيه، وربما أَلْحَق بشيخه وصْمَة التدليس؛ إذا اطُّلِع عليه أنه رواه عن الواسطة الضعيف، ثم يُوجَد ساقط في هذا الرواية؛ فَيُظَن أن شيخه الذي أسقطه، ودلس الحديث ، وليس كذلك ” .

قال : ” ولاريب في تضعيف من أكثر من هذا النوع ” إلى أن قال : ” وبالجملة : فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقًا ، وشرّها ، لكنه قليل بالنسبة إلى ما يوجد عند المدلسين ” اهـ .

قلت : ويعني بالقلة هنا: أي بالنسبة لتدليس الإسناد والشيوخ، أما الذين وقعوا فيه فهم كثير، بلغت عدتهم عندي (19 رجلاً ) كما في ” إتحاف النبيل ” (1) .

قلت : ويؤيد هذا الوجه الثالث : ما ذكره العلائي نفسه عن صالح جزرة، أنه قال: سمعت الهيثم بن خارجة يقول :” قلت للوليد بن مسلم: قد أفسدتَ حديث الأوزاعي، قال: وكيف ؟ قلت: تروي عنه عن نافع ، وعنه عن الزهري ، وعنه عن يحيى بن أبي كثير، وغيرك يُدْخِل بين الأوزاعيَّ ونافع عبدَالله بنَ عامر الأسلمي ، وبينه وبين الزهرِّي قرةَ ، فما يَحْمِلُك على هذا ؟ قال : أُنْبِل الأوزاعي بأن يروي عن مثل هؤلاء، قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء المناكير ، وهم ضعفاء، فأسقطتهم أنت، وصَيَّرتَها من رواية الأوزاعي عن الأثبات ؛ ضُعِّفَ الأوزاعي ، فلم يلتفت إلى قولي …” اهـ (2).

وقال العراقي بعد نقله كلام شيخه العلائي:” ومما يلزم منه – أي من تدليس التسوية – من الغرور الشديد: أن الثقة الأول قد لا يكون معروفًا بالتدليس، ويكون المدلس قد صرح بسماعه من هذا الشيخ الثقة، وهو كذلك ، فتـزول تهمة تدليسه، فيقف الواقف على هذا السند، فلا يرى فيه موضع علة؛ لأن المدلس صرح باتصاله، والثقة الأول ليس مدلسًا، وقد رواه عن ثقة آخر، فيُحْكَم له بالصحة وفيه ما فيه من الآفة التي ذكرناها، وهذا قادح فيمن تَعَمَّد فِعْله، والله أعلم ” . اهـ ” التقييد ” (3) .

وقال ابن الوزير: ” وهو شر أقسام التدليس ” اهـ من ” توضيح الأفكار ” (4) .

قلت : عدَّ العلماء هؤلاء تدليس التسوية شر الأنواع لعدة أسباب : خلاصتها :

1-أن جناية المدلس يتحملها شيخه ، وهذا أمر فاحش : أن يجْني الرجل ، وغير يحتمل وِزْره !!

2-إذا كان شيخ المدلس الذي يُظهره في السند لم يكن معروفًا بالتدليس، حُمِلتْ عنعنته على الاتصال ، مع أنه لم يسمعه إلا بواسطة الضعيف ، الذي أسقطه المدلس ، وعلى ذلك فتنفق رواية الضعيف بسبب تدليس المدلس ، وقد ذكر ذلك العراقي – رحمه الله – والله تعالى أعلم .

المبحث الرابع : حُكْم مَنْ وَقَع في تدليس التسوية :

قال العلائي: ” ولا ريب في تضعيف مَنْ أَكْثَرَ من هذا النوع ، وقد وقع فيه جماعة من الأئمة الكبار لكن يسيرًا : كالأعمش ، وسفيان الثوري ، حكاه عنهما الخطيب” اهـ (1) .

وقال العراقي: ” وهو قادح فيمن تعمد فِعْله ” (2) .

وقال الحافظ ابن حجر :” لا شك أنه جَرْح، وإن وُصِف به الثوري والأعمش؛ فالاعتذار عنهما : أنهما لا يفعلانه إلا في حق من يكون ثقة عندهما، ضعيفًا عند غيرهما ” اهـ (3) .

وقال البقاعي: سألت شيخنا – يعني الحافظ ابن حجر -: هل تدليس التسوية جرح ؟ قال :” لاشك أنه جَرْح؛ فإنه خيانة لمن يُنْقل إليهم وغرور ، فقلت : كيف يوصف به الثوري والأعمش مع جلالتهما ؟ فقال: أحسن ما يُعْتذر به في هذا الباب : أن مثلهما لا يفعل ذلك إلا في حق من يكون ثقة عنده، ضعيفًا عند غيره اهـ (4) .

قلت : قد سبق التنبيه على أننـي لا أعلم من طعنوا في عدالته، وعَدُّوه متروكًا بسبب التدليس ، وقد جاء في ” الميزان ” (5) ترجمة بقية:” وقال أبو الحسن بن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء، ويستبيح ذلك، وهذا إن صَحَّ مُفْسِدٌ لعدالته:

قال الذهبي :” قلت : نعم والله صح هذا عنه، إنه يفعله، وصح عن الوليد بن مسلم، بل وعن جماعةٍ كبارٍ فِعْلُه، وهذا بليَّةٌ منهم، ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد، وما جَوَّزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس: إنه تعمد الكذب، هذا أَمْثَلُ ما يُعْتَذَر به عنهم ” اهـ.

قلت : والذي أعرفه: أن العلماء يجرحون بذلك في الرواية لا في الديانة، وقد قال الصنعاني في ” توضيح الأفكار ” (6) : ” وفي الإيهام في موضع الخلاف نوع من الجرح في الرواية ، وإن لم يَجْرح في الديانة ” اهـ .

المبحث الخامس : هل يشترط في قبول حديث المدلَّس تدليس التسوية التصريحُ في جميع طبقات السند ؟

الذي تطمئن إليه نفسي: أنه يكتفي بتصريح المدلس عن شيخه، وبتصريح شيخه عن شيخه،أي أن يكون التصريح في طبقتيه، ولا نتوقف في صحة السند من أجل العنعنة فيما فوق ذلك؛ إلا إذا علمنا عن رجل بعينه أنه يسقط في الطبقات العليا، أو كان في السند أو المتن نكارة، فالعلماء ـ أحيانًا ـ يُعِلُّون بعلل غير مطَّرِدة، وذلك لقرائن معينة .

والذي جعلني أقول بهذا القول أمور: وهي:

الأول: أنني نظرت في تعريف العلماء لتدليس التسوية، فرأيت أكثرهم يعرفونه بما يدل على أن العلة في هاتين الطبقتين .

الثاني :أن الأمثلة التي مَثَّل بها العلماء في هذا القسم: تدل على أن العلة في هذا الموضع،لا فيما بعد ذلك .

الثالث : صنيع الحافظ ابن حجر – رحمه الله – يدل على أنه يكتفي من مدلس تدليس التسوية بأن يصرح بالسماع من شيخه، وأن يصرح شيخه بالسماع من شيخه، ومنها ما جاء في “نتائج الأفكار”(1).

قال الحافظ في رواية من روايات بقية :وبقية صدوق، أخرج له مسلم، وإنما عابوا عليه التدليس والتسوية ، وقد صرح بتحديث شيخه له ، وسماع شيخه ؛ فانتفت الريبة ” اهـ .

وقد توسعت في الكلام على هذه المسألة في كتابي ” إتحاف النبيل ” (2) فارجع إليه .








(3) ( ص 117 – 118 ) .


(1) ( 2 / 42 – 58 ) السؤال ( 203 ) .

(2) ( ص 118 ) .

(3) ( ص 97 ) .

(4) ( 1 / 373 ) .

(1) ” جامع التحصيل ” ( ص 117 ) .

(2) ” التقييد ” ( ص 97 ) .

(3) انظر ” التدريب ” ( 1 / 226 ) .

(4) انظر ” توضيح الأفكار ” ( 1 / 375 ) .

(5) ( 1 / 339 ) .

(6) ( 1 / 375) .

(1) ( 1 / 357 – 358 ) .

(2) ( 2 / 31 – 42 ) السؤال( 202 ) .

للتواصل معنا