الأسئلة الحديثية

هل مرسل الصحابي يسمى تدليسًا ؟

هل مرسل الصحابي يسمى تدليسًا ؟

قد اتضح من القيد السابق في تعريف تدليس الإسناد – وهو قصد الإيهام – أن مراسيل الصحابة ليست من قبيل التدليس؛ فالصحابي لا يقصد إيهام من يخاطبه بذلك ، ولا يريد التشبع بما يروي، كما هو الحال في كثير من المدلسين، وقد ذم العلماء التدليس، ولم يذموا الإرسال، فبهذا يظهر الفرق بين مرسل الصحابي وبين التدليس، ولم يصح عن عالم من العلماء المتقدمين أنه وصف صحابيًّا بالتدليس – فيما أعلم – .


 

إلا أنه في ” النبلاء ” (1) ترجمة أبي هريرة – رضي الله عنه – قال يزيد بن هارون سمعت شعبة يقول: ” وكان أبو هريرة يدلس ” .

قال الذهبي:” تدليس الصحابة كثير، ولا عيب فيه؛ فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم، والصحابة كلهم عدول ” . اهـ .

قلت : قول شعبة هذا ، قد أسنده ابن عدي في “الكامل” (2) في الكلام على شعبة، وفيه التستري، وهو  كذاب وضاع،وعلى ذلك فلا يصح نسبة هذا إلى شعبة ، ولعل الذهبي تبع شعبة في هذا التعبير ، فإذا سقط الإسناد إلى شعبة ؛ فأرجو أن يسقط ما يُبنى عليه من الذهبي ، والله أعلم .

وقد قال الحافظ في ” النكت ” (3) :”واعلم أن التعريف الذي ذكرناه للمرسل (4) ينطبق على ما يرويه الصحابة عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مما لم يسمعوه منه، وإنما لم يطلقوا عليه اسم التدليس أدبًا، على أن بعضهم أطلق ذلك … ثم ذكر قول شعبة المتقدم، ثم قال :” والصواب ما عليه الجمهور من الأدب في عدم إطلاق ذلك ، والله الموفق ” اهـ .

قلت : والذي يترجح عندي عدم إطلاق ذلك في حق الصحابة من الأصل، وليس فقط من باب الأدب ، فإننا نراعي معهم الأدب إذا وقعوا في ذلك ، أما إذا لم يقعوا فيه ؛ فلايُنْسب إليهم التدليس ، ثم يقال : ” يُترك ذلك من باب الأدب ” !! لأنهم لم يقصدوا الإيهام أصلاً، وهذا القيد لابد منه في تعريف التدليس وكل ما ذكر من الأسباب الحاملة على التدليس؛ لا يوجد عند الصحابة منه شئ ، والعلة التي من أجلها عاب الأئمة التدليس؛ لا توجد فيهم، ولم أقف إلا على قول الذهبي بذلك، وكلام شعبة لا يصح عنه، والله أعلم .








(1) ( 2/ 608 ) .

(2) ( 1 / 81 ) .

(3) ( 2 / 623 – 624 ) .

(4)كذا في الأصل ، ولعل المراد : ” التدليس ” لا المرسل ؛ فإن السياق في الكلام على التدليس .