الأسئلة الحديثية

ماهو الحديث المرفوع حكماً ؟

ماهو الحديث المرفوع حكماً ؟

للمرفوع حكمًا صور كثيرة، منها :

1- قول الصحابي :” أُمِرْنا بكذا ” أو : ” نُهينا عن كذا ” أو : ” أُمِرَ فلان بكذا ” أو ” أُوجب علينا كذا ” أو : ” حُظر أو حُرِّم علينا كذا أو: “أُبيح أو رُخِّص لنا في كذا “

(أ) فقول الصحابي: ” أمرنا بكذا ” أو ” نهينا عن كذا ” المتبادر منه أن الآمر والناهي لهم هو النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – هذا هو الأصل ، لاسيما إذا كان ذلك في مسألة شرعية ، أو ساقه الصحابي مساق الاحتجاج به على حكم شرعي (2)، خلافا لمن قال : إنه يحتمل أن يكون الآمر أو الناهي له في ذلك : أمر القرآن ، أو الأمة – أي الإجماع – أو بعض الأئمة والخلفاء ، أو القياس ، أو الاستنباط (3).

وقد حكى أبوالسعادات ابن الأثير عن بعضهم تفصيلاً في ذلك ، فقال : ” وقال بعضهم : في هذا تفصيل : وذلك إن كان الراوي أبابكر الصديق – رضي الله عنه – فيُحمل على أن الآمر هو النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لأن غير النبي لا يأمره ، ولا التزم أمر غيره ، ولا تأمَّر عليه أحد من الصحابة ، فأما غير أبي بكر : فإذا قال : ” أُمِرْنا ” فإنه يجوز أن يكون الآمر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أو غيره ؛ لأن أبابكر تأمَّر على الصحابة ، ووجب عليهم امتثال أمره ، وقد كان غير أبي بكر – رضي الله عنه – أميرًا في زمن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وبعده ، فلا يجوز أن يُضاف الأمر إليهم “(1).

والظاهر أن هذا التخصيص لا يلزم،حتى قال الزركشي :” وهذا المذهب غريب جدًّا “(2).

ومن أمثلة هذه الصورة : ما جاء عن أنس – رضي الله عنه – أنه قال :” أُمِرَ بلالٌ أن يشفع الأذان، ويُوتِرَ الإقامة ” .

فمن ذا الذي أَمَره بهذا الأمر ؟ هل هو أبوبكر أو عمر – رضي الله عنهما – ؟ لايظن بهما أن يتقدما على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فيأمرا بلالا في عهده – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بذلك ، وأما بعد عهده – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فقد ذكر بعضهم أن بلالا لم يؤذن بعد موته – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  ولو أَذَّن بلال بعد النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فلن يأمراه إلا بما ثبت عندهما عنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ثم كيف يأمرانه بما هو قائم به من قبل ؟!

وزاد السخاوي فقال : ” ويتأيَّد بالرواية المصرحة بذلك ” (3) اهـ  .

ومحصَّل اعتراض من لم يعد قول الصحابي : ” أُمِرْنا بكذا ” – وما معناه من عبارات – من قبيل المرفوع : أمور ، فهي :

1- أن يحتمل أن يكون الآمر غير رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وأمْر غيره ليس بمرفوع .

والجواب عن ذلك : أن هذا خلاف المتبادر ، والأصل أن الآمر هو رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وما عداه محتمل ، لكنه بالنسبة إلى الأول مرجوح ، وأيضًا فمن كان في طاعة رئيس ، إذا قال أمرتُ ” لايُفْهَم عنه أن آمره إلا رئيسه (4).


وقد تعقب السخاوي – رحمه الله – كلام أبي الحسن الكرخي ، فقال: ” وكذا ما أبداه الكرخي من الاحتمالات في المنع أيضًا بعيد ، كما قاله شيخنا ؛ فإن أمْر الكتاب ظاهر للكل ، فلا يختص بمعرفة الواحد دون غيره ، وعلى تقدير التنـزل فهو مرفوع ؛ لأن الصحابي وغيره إنما تلقوه من النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – (1).

وأمْر الأمة لايمكن الحمل عليه ؛ لأن الصحابي من الأمة ، وهو لا يأمر نفسه .

وأمْر بعض الأئمة : إن أراد من الصحابة مطلقًا فبعيد ، لأن قوله ليس حجة على غيرهم منهم ، وإن أراد من الخلفاء فكذلك ؛ لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع في هذا الكلام والفتوى ، فيجب حمله على من صدر منه الشرع ، وبالجملة : فهم من حيث أنهم مجتهدون ؛ لايحتجون بأمر مجتهد آخر ، إلا أن يكون القائل ليس من مجتهدي الصحابة ، فيحتمل أنه يريد بالآمر أحد المجتهدين منهم.

وحمله على القياس والاستنباط بعيد أيضًا ؛ لأن قوله : ” أُمِرْنا بكذا ” يُفْهَم من حقيقة الأمر والنهي ، لاخصوص الأمر باتباع القياس ” (2) اهـ .

وزاد الصنعاني في رده حمل الأمر على القياس : ” . . . . وحمْله على القياس فبعيد ، كحمله على الاستنباط ؛ فإنه لايتبادر ذلك لسامع ” (3).

2-ومما اعتُرِض به أيضًا : أن قول الصحابي : ” أُمِرْنا بكذا ” يحتمل أن الصحابي أخطأ في اجتهاده ، وظَنَّ ما ليس بأمْر أمرًا .

وأُجيب : بأنه احتمال ضعيف ؛ لأن الصحابي عدْل عارف باللسان ،ولايُطلق ذلك إلا بعد التحقق . اهـ (4) .

3-ومما اعترض به أيضًا : أن هذه الصيغة وردت في أمْر من غير النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – (5).

ويجاب : بأن هذا خلاف الأصل لما سبق ، والعمل بالأصل حتى يظهر خلافه : هو الأصل ، والله أعلم .

2-وأما قول الصحابي: ” كُنا نَفْعل كذا” فله حالان :

أ‌- أن يُضَاف إلى زمن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – كقول جابر – رضي الله عنه –  :”كُنَّا نَعْزِلُ والقرآن يَنْـزِل ” يعني في حياته – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فهذا على الأرجح  من قبل المرفوع , فإن قوله: “كنا ” يدل على التكثير والتكرار ، ويُسْتَبْعَد أن يُقَرُّوا على منكر مع كثرة إتيانهم إياه في زمن الوحي، الذي يخبر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – بآحاد أفعال بعض الصحابة .

ب-أن تأتي هذه العبارة مجردة عن الإضافة: ” كنا نفعل كذا ” فالخلاف في هذه الصورة مشهور بين العلماء ؛ فمنهم من يقول: إن هذا من قبيل الموقوف ، ومنهم من يقول : هو من قبيل المرفوع، وهو الأرجح ، وذلك لأن قول الصحابي :” كنا نفعل كذا ” يدل في الأصل على التكرار والتكثير ، فالظن بالصحابة – رضي الله عنهم – أنهم لايعملون الشئ، ويكثرون منه إلا إذا استشاروا النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  أو كان عندهم في ذلك مستند عنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فهل يُعْقل أنهم يفعلون هذا الشئ بهذه الكثرة من عند أنفسهم ، دون أن يرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ هذا أمر مستبعد ، لاسيما إذا كان ذلك من الصحابي في معرض الاستدلال به على شرعية أمر ما ، والله أعلم (1).

وللعلماء مذاهب في قول الصحابي : ” كنا نفعل كذا ” بدون إضافة : فذهب بعضهم إلى إطلاق القبول ، سواء أضافه إلى زمن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أم لا ، وهذا صنيع الشيخين ، وأكثر منه البخاري ، ومنهم من فصَّل من جهة احتمال خفاء هذا الفعل فلا يُقبل ، أم لا ، ومنهم من فصَّل بين كون القائل من المجتهدين فلا يُقبل ، أم لا ، إذا الصحابي أورده في معرض الحجة ، انظر هذا كله في ” النكت ” للحافظ(2) .

3-وكذا قول الصحابي : ” كنا لانرى بأسا بكذا ” فهو أيضًا من قبيل المرفوع – على الراجح – إلا أن يأتي دليل يمنع من ذلك ، فيقدم الدليل النصي على المرفوع الحكمي ، أو تظهر قرينة تدل على أنه لايراد بذلك عموم الصحابة ، ومما يشهد لهذين الأمرين : ما جاء في صحيح مسلم ( 1547) ك / البيوع / ب / كراء الأرض / عن ابن عمر قال : ” كنا لانرى بالخَبْر – أي كراء الأرض – بأسا؛ حتى كان عام أول ؛ فزعم رافع أن ببيَّ الله نهى عنه ” .

وفي رواية : أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وفي إمارة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وصدرًا من خلافة معاوية ، حتى بلغه من آخر خلافة معاوية: أن رافع بن خَديج يُحدِّث فيها بنهْي عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فدخل عليه وأنا معه ، فسأله ، فقال : ” كان رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ينهى عن كراء المزارع ” فتركها ابن عمر بعدُ ، وكان إذا سُئل عنها بعدُ قال : زعم رافع ابن خديج أن رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم – نهى عنها .

وفي رواية : قال ابن عمر : لقد منعنا رافعٌ نَفْعَ أرضينا . (1)

قال الخطيب مستدلاً بذلك على أن الأصل جَعْلُ هذه الصيغة من قبيل المرفوع : ” أفلا ترى أن ابن عمر لم يستجز أن يذكر ما كانوا يفعلونه من استكراء الأرض إلا بالجمع بينه وبين حديث رافع عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في النهي عنه ” اهـ (2)

قلت : فإذا وقفنا على هذه العبارة عن الصحابي ، ولم نجد خلاف ذلك في السنة ؛ فالأصل أنها تقرير ، وأنها من قبيل المرفوع ، والله أعلم .

( تنبيه) : ومع أن قول الصحابي : ” كنا نرى كذا ” له حكم الرفع ، فقد قال الحافظ : ” ينقدح فيه من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قوله : ” كنا نقول ، أو نفعل ” لأنها من الرأي ، ومستنده قد يكون تنصيصًا أو استنباطًا ” اهـ (3) .

فإن هذا يدل على أن ابن عمر كان يفعل ذلك، لاعموم الصحابة، ولما بلغه الدليل ترك ما كان يفعل، والله أعلم .

4 – قول الصحابي : ” من السنة كذا ” الصحيح أن هذا له حكم الرفع؛ لأن المتبادر من هذه العبارة : أنها سنة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – خلافًا لمن قال : إنه من المحتمل أن تكون سنة الخلفاء الراشدين؛ لأن هذا ليس هو الأصل ، فإن سنتهم تبعٌ لسنته – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – والحمل على الأصل أولى من الحمل على الفرع ، والظاهر من مقصود الصحابي بذلك إنما هو بيان الشريعة ونقلها ، فكان إسناد ما قصد بيانه إلى الأصل ؛ أولى من إسناده إلى التابع ، والله أعلم (1).

5 – قول التابعي عن الصحابي : ” يرْفَعُه”أو “مرفوعًا “أو ” يسنده” أو”يبْلُغ به ” أو ” يَنْمِيه ” أو يَرْويه ” أو ” رواة”  أو  “رواية ” أو ” قال : قال ” دون ذكر النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – .

فإن ذلك من قبيل المرفوع حُكْمًا (2).

واعلم أن القائل لهذه العبارات هو التابعي الراوي عن الصحابي ، والضمائر في قوله : ” يرفعه ” أو ” ينميه ” … الخ ، راجعة إلى الصحابي، أي أن الصحابي – رضي الله عنه – هو الذي يرفع الحديث، أو ينميه إلى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – .

قلت هذا حتى لايلتبس الأمر على من وجد مثل هذه العبارات فيتوهم أن القائل لها هو الصحابي ، وقد بوب الخطيب في ” الكفاية ” بقوله : باب في قول التابعي عن الصحابي : ” يرفع الحديث ” و “ينميه ” و ” يبلغ به ” (3).

( تنبيه ) : إذا قال الراوي عن التابعي : يرفعه ” أو ” يبلغ به ” فذلك أيضًا مرفوع ، ولكنه مرفوع مرسل ، قاله ابن الصلاح (4).

( تنبيه آخر ) : قول التابعي : ” يرفعه ” أبلغ في الرفع من قوله : ” من السنة ” قاله الزركشي (1) .

وكذا يقال في :” قال : قال ” فمثلا لو فرضنا أن عندنا إسنادا من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : قال : قال ” … الحديث ” دون أن يقول :” قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” فالقائل :” قال : قال ” هو سعيد بن المسيب ، وفاعل ” قال ” الأولى هو أبوهريرة – رضي الله عنه – وفاعل ” قال ” الثانية هو رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – (2).

ويُلْحَق بذلك ما إذا قال الصحابي : ” قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يرفعه ” ويُعَدُّ ذلك من الأحاديث القدسية حُكْمًا (3) .

وجعل العلماء هذه العبارة من قبيل المرفوع حُكْمًا؛ لأنها قد دخلها الاحتمال، أي أنها محتملة أن يكون القائل في ” قال ” الثانية أبابكر أو عمر –رضي الله عنهما –فهذا الاحتمال – وإن كان بعيدا – إلا أنه قد حمل العلماء أن يجعلوا هذه العبارة وأمثالها من قبيل المرفوع حُكْمًا لاتصريحا .

فإن قيل : لماذا عدل التابعي إلى مثل هذه العبارات ، ولم يأت بالعبارات الصريحة، فيقول عن الصحابي: ” سمعت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ” أو نحو ذلك .

والجواب : أن هذا راجع إلى ورع التابعي، وذلك أنه قد يكون نسي الصيغة التي حدثه بها الصحابي – مع ثقته بصحة نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فخاف أن يأتي بصيغة من صيغ التحمل – مع شكه فيها – ويكون الأمر على خلاف ذلك، فأتى بصيغة محتملة تحتمل هذا وذاك ، ويحتمل أن يكون ذلك طلبا منه للتخفيف والاختصار ،أو قد يكون التابعي شاكا في نسبة ذلك إلى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – (4)وعندي في ذلك تأمل، إذْ كيف يليق بالتابعي العدل أن يجزم بما هو شاك في ثبوته ؟! إلا أن يقال : باب الرواية فيه توسُّع، بخلاف باب الاحتجاج والعمل ، والله أعلم.

6 – إخبار الصحابي بما يقال بالرأي والاجتهاد ،أوله تعلق باللغة ،أو شرح غريب ، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق ، وأخبار الأنبياء – عليهم السلام – أو الآتية كالملاحم ، والفتن ، وأحوال يوم القيامة ، وكذا الأخبار عما يحصل بفعل ثواب مخصوص ، أو عقاب مخصوص ،بشرط ألايكون الصحابي ممن يأخذ عن بني إسرائيل (1) .

وواضح من هذا أن إدخال هذا القسم فيما له حكم الرفع ؛ له عدة شروط :

أ – أن يكون القائل صحابيا ، فإن كان تابعيا اختلف الحكم .

ب – ألا يكون الصحابي ممن يأخذ عن بني إسرائيل ، فإن كان كذلك؛ فليس لروايته التي تحتمل أن تكون عن بني إسرائيل حكم الرفع ، لأنه – والحالة هذه – يحتمل أن يكون أخذه عنهم ، وكلامهم ليس حجة في ديننا.

( تنبيه ) : الصحابي – وإن كان ممن يأخذ عن بني إسرائيل – إن روى شيئًا ليس لأخبار بني إسرائل فيه احتمال أو مدخل ؛ فإن له حكم الرفع ، وذلك كأن يروي شيئًا له صلة بالأحكام الشرعية ، أو يتصل بنبينا محمد – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وما أعدَّ الله له من جزاء وثواب ، ونحو ذلك ، فهذا يكون مرفوعًا ، لا من أخبار بني إسرائيل .

وقد ذكر الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسير ” سورة الضحى ” ،عند قوله تعالى : (ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قول ابن عباس : ” عُرِض على رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ما هو مفتوح على أمته من بعده كنـزًا كنـزًا ، فسُرَّ بذلك ، فأنزل الله ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) فأعطاه في الجنة ألف قَصْر ، في كل قَصْر ما ينبغي له من الأزواج والخدم .

قال الحافظ ابن كثير : رواه ابن جرير من طريقه ، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ، ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف ” اهـ. هذا مع نص الحافظ ابن كثير أن ابن عباس ممن يروي في بعض الأحيان عن بني إسرائيل (2).

وذلك لأن كفار بني إسرائيل لايؤمنون برسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ولايحكون عما له ولأمته من الثواب عند الله عزوجل .

ج – أن يكون هذا الأمر المخبر عنه لايقال بالرأي ونحوه ، كالإخبار عن حال أهل الجنة ، أو أهل النار ، أو عما يكون في القبر، ونحو ذلك من الأمور التي ليس للاجتهاد فيها مجال .

ووجْه إدخال هذه الصورة في قسم المرفوع حُكْمًا: أن الصحابة – رضي الله عنهم – أشد الناس حذرًا من القول على الله بغير علم ، وما كان الواحد منهم يذكر أمرا غيبيا ،ويذكر أن الله عزوجل يقول لمن فعل كذا : كذا وكذا ، أو أو أنه يكرمه أو يعاقبه بكذا ، ونحو ذلك دون أن يكون له في ذلك حجة، فمن المستبعد أن يهجم الصحابي على هذا الأمر دون مستند عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لأن هذا الأمر – بهذا التفصيل – لايؤخذ من قواعد الشريعة فقط، إنما يؤخذ عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أو من أخبار أهل الكتاب ، فلما اشترط العلماء ألايكون الصحابي ممن يأخذ عن أهل الكتاب؛ ترجَّح الأمر الآخر، وهو الأخذ عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وانظر نحو ذلك ملخصًا في ” النـزهة ” (1)والله تعالى أعلم .

( تنبيه ) : قال السخاوي : ” إذا عُلم هذا ؛ فقد ألحق ابن العربي بالصحابة في ذلك ما يجئ عند التابعين أيضًا ، مما لامجال فيه ، فنصَّ أن يكون في حكم المرفوع ، وادعى أنه مذهب مالك ” ، قال : – والظاهر أن القائل ابن العربي – : ” ولهذا أدخل – يعني مالكًا – عن سعيد بن المسيب صلاة الملائكة خلف المصلي ” اهـ (2).

ولعل المراد بذلك : أن له حُكم المرفوع المرسل ، والله أعلم .

ومن ذلك أيضًا: حُكْم الصحابي على الشئ بأنه معصية، أو نسبة الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان ، ما لم يكن ذلك من قبيل الاجتهاد ، لأن الصحابي قد يحكم على الشئ بأنه معصية – إذا لم ينسب ذلك إلى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – اجتهادًا منه ، إما أَخْذًا بظاهر آية، أو بنصٍّ عام، أو بالنظر إلى كليات الشريعة، ونحو ذلك .

وإذا كان كذلك ؛ فقد يرى الصحابيُّ الدليل الدال على التحريم صحيحًا ، وغيره لايراه كذلك ، أو يوافقه غيره على صحة الدليل؛ لكن يعارضه عنده ما هو أقوى منه وأنهض في الدلالة ، من هذا الدليل .

أما إذا صرح الصحابي بأن هذا الشئ معصية أو كفر ، ولم يكن ذلك من قبيل الرأي والاجتهاد ، وكذا لايكون الصحابي ممن يروي عن أهل الكتاب ؛ فالظاهر أن عنده نصًّا بذلك عنه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – والله أعلم .

وقد ذكر الحافظ في ” النكت ” (1) أن ابن عبدالبر حكى الإجماع على أن هذا الحكم من الصحابي مسند .

قال : وبذلك جزم الحاكم في ” علوم الحديث ” اهـ .

قال السخاوي مستظهرًا القول برفع ما هذا سبيله : ” ومن الأدلة للأظهر : أن أبا هريرة – رضي الله عنه – حدَّث كعب الأحبار بحديث : ” فُقِدَتْ أمَّةٌ من بني إسرائيل ، لايُدْرَى ما فَعَلَتْ ” قال كعب : أأنت سمعتَ النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يقوله ؟ فقال له أبوهريرة : نعم ، وتكرر ذلك مرارًا ، فقال له أبوهريرة : أفأقرأ التوراة ؟!! أخرجه البخاري.

قال : قال شيخنا : فيه أن أبا هريرة لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب ، وأن الصحابي الذي يكون كذلك، إذا أخبر بما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه؛ يكون للحديث حكم الرفع ” اهـ

قال السخاوي : ” وهذا يقتضي تقييد الحكم بالرفع لصدوره عمن لم يأخذ عن أهل الكتاب “(2).

فإن قيل : يُحتمل أن الصحابي الذي لايأخذ عن أهل الكتاب يأخذ عن صحابي آخر يأخذ عنهم ، فيعود الكلام – وإن كان لامجال للرأي فيه ، وراويه لايروي عن الإسرائيليات – إلى أهل الكتاب .

فالجواب : أن هذا خلاف الأصل ، وما كان كذلك ؛ فلا يُعَوَّل عليه إلابدليل يدل عليه ، ولو طردنا مثل هذه الاحتمالات؛ لأسقطنا أشياء كثيرة يُحتج بها عند أهل العلم ،والله أعلم .

هذا ، وقد مثَّل جماعة من أهل العلم لهذه القاعدة بعدد من الأحاديث ؛ وعندي أنها لا تسلم من احتمال استدلال الصحابي بالقواعد العامة ، أو نصٍّ آخر ، ونحو ذلك ، فينظر المثال السالم من الاحتمال ، والله أعلم .

7 –حكاية الصحابي لسبب النـزول ، وهو إخبار الصحابي عن نزول آية من آيات الكتاب العزيز، فهذا من قبيل المرفوع حُكْمًا وذلك لأن الصحابي قد شهد الوحي والتنـزيل ، فهو يعلم عن سبب نزول هذه الآية ما لايعلمه غيره (1)،فمن ذلك قول جابر كانت اليهود تقول : ” من أتى امرأة في دبرها جاءالولد أحول ، فأنزل الله عزوجل : ( نسائكم حرث لكم . . . ) الآية ، أخرجه البخاري ومسلم ، وأطلق بعضهم أن تفسير الصحابي له حكم الرفع (2)، وهذا الإطلاق غير صحيح ؛ إذ أن الصحابة قد يختلفون في تفسر آية ما ، وليس من الممكن أن نأخذ بتفسير الجميع ، ولا يستقيم – أيضًا – أن نجمع بين تفاسيرهم كما نجمع بين الأحاديث المرفوعة .

وقسم ابن عباس – رضي الله عنهما – التفسير إلى أربعة أوجه :

1-تفسير يعرفه كل الناس ، أو لا يُعْذر أحد بجهالته .

2-تفسير يعرفه العلماء.

3- تفسير يُعْرف من لغة العرب.

4- تفسير استأثر الله تعالى بعلمه (3).

فالأول والثالث والرابع : لايستقيم أبدًا أن نقول : إن لها حكم الرفع ، أما القسم الثاني فذهب من قَسَّم هذا التقسم إلى أن له حكم الرفع .

وعندي أن إطلاق هذا ليس بلازم – أيضًا – فإن التفسير الذي يعرفه العلماء : قد تكون معرفتهم به مأخوذة عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وقد تكون ناشئة عن فقههم في كليات الشريعة وأحكامها، وهذا أمر اجتهادي راجع إلى فهم العالم في كتاب الله – عزوجل – وهذا هو الأغلب، ولو كان عند الصحابي تفسير عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – فالأصل أنه يعزوه إليه .

وعلى هذا : فلا يلزم من ذلك أن يكون التفسير مرفوعًا ، فلم يبق معنا إلا حكاية الصحابي سبب النـزول، فهو الذي له حكم الرفع دون ما سواه ، والله أعلم .

( تنبيه ) : ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن هناك فرْقًا بين قول الصحابي : ” نزلت هذه الآية في كذا” وبين قوله : ” سبب نزول الآية كذا ” .

فجعل القول الثاني من قبيل المسند عند جميع أصحاب المسانيد .

وأما القول الأول : ففيه نزاع بين العلماء ، فالبخاري يدخله في المسند، فيكون من باب الرواية ، وأحمد لايدخله ، فيكون من باب التفسير ، والله أعلم (1).

( تنبيه ) : فإن قيل : إن الصور السابقة في المرفوع الحكمي من جملة السنة التقريرية؟

فالجواب : أن في هذا الإطلاق نظرًا؛ فإن أكثر الصور السابقة لاتدخل في صور التقرير كقول الصحابي: ” من فعل كذا؛ فقد عصى أبا القاسم – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –  ” فإن ذلك لايدخل في التقرير ؛ لأن مستند الصحابي الذي يحمله على هذه الفتوى قد يكون قوليًّا، أو فعليًّا، أوتقريريًّا ، وكذا قوله :” أُمِرْنا، ونُهينا ” فإن مستنده في ذلك سنة قولية .

وكذلك سبب النـزول ، والإخبار بأمر غيبي، وقول التابعي : ” يرفعه ” وما في معناه لايلزم في هذا كله أن يكون تقريرًا.

نعم قول الصحابي: ” كنا نفعل كذا ” أو ” كنا لانرى بأسًا بكذا ” عُدَّ من قبيل المرفوع من قِبَل إقرار النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – لهم على ذلك .

ومن المعلوم أن منـزلة التقرير المنصوص على كونه في حضرة النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – أعلى منـزلة من التقرير المستنبط من قول الصحابي ” كنا نفعل كذا ” وما في معناه ، والله أعلم .








(2) نظر كلام ابن الصلاح بنحو ذلك في ” المقدمة ” مع ” التقييد ” ( ص 69 ) وقد عزا القول بذلك لأصحاب الحديث ، وأكثر أهل العلم .

(3)وهذا كلام أبي الحسن الكرخي من الحنفية ، انظر ” النكت ” ( 2 / 520 ) و ” النـزهة ” ( ص 146 ) .

(1) انظر مقدمة ”  جامع الأصول ” (  1 / 94 ) .

(2) انظر ” النكت ” للزركشي ( 1 / 427 ) .

(3) انظر ” فتح المغيث ” ( 1 / 130 ) .

(4)انظر ” النـزهة” ( ص 146 ) .

(1)وجواب السخاوي  بشقيه عن أمر القرآن فيه تأمل ونظر .

(2)انظر ” فتح المغيث ” ( 1 / 131 – 132 ) وقد أخذه السخاوي من شيخه ؛ فإنه يكاد يكون هذا بلفظه في ” النكت ” ( 2 / 520 – 521 ) .

(3) انظر ” توضيح الأفكار ” ( 1 / 270 ) .

 

(4)انظر ” النـزهة ” ( ص 147 ) وانظر أيضًا مقدمة ” جامع الأصول ” لابن الأثير ( 1 / 92 ) ، بل انظر ” الكفاية ” ( ص 591 ) .

(5 ) ئانظر ” التدريب ” ( 1 / 189 ) .

(1)وانظر نحو ذلك في ” الكفاية ” للخطيب ( ص 594 – 595 ) .

(2)( 2 / 515 – 516 ) .

(1)وانظر الحديث في ” صحيح البخاري ” أيضًا برقم( 2285، 2343 ) .

(2)نظر ” الكفاية ” ( ص 595 ) .

(3)انظر ” النكت ” ( 2 / 517 ) .

(1)انظر ” النكت ” ( 2 / 525 ) .

(2)ال الخطيب في ” الكفاية ” ( ص 578 ) ” كل هذه الألفاظ كناية عن رفع الصحابي الحديث ، وروايته إياه عن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – ولايختلف أهل العلم أن الحكم في هذه الأخبار ، وفيما صرح برفعه سواء في وجوب القبول ، والتزام العمل ” اهـ

وقال ابن الصلاح : ” وحُكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحًا ” اهـ من ” المقدمة “مع ” التقييد “( ص70 ) .

(3)( ص 585 ) .

(4)انظر ” المقدمة ” مع ” التقييد ” ( ص 70 ) وصرح الزركشي بأنه ينبغي أن يكون فيه خلاف ، كقول التابعي : من السنة كذا ” انظر ” النكت ” للزركشي ( 1 /437 ) وإن كان السخاوي قال في ” فتح المغيث ” مرسل مرفوع بلا خلاف ” اهـ ( 1 / 146 ) وانظر ” إتحاف النبيل ” ( 2 / 265 ) السؤال ( 231 ).

(1)انظر ” النكت ” للزركشي ( 1/ 437 ) .

(2)انظر ” شرح النـزهة ” لملا علي القاري ( ص 559 – 560 ) .

(3)انظر ” النكت ” ( 2 / 538 – 539 ) و ” فتح المغيث ” ( 1 / 145 ) .

(4)انظر ” النكت ” ( 2 / 537 ) و ” فتح المغيث ” ( 1 / 144 – 145 ) .

(1)انظر ” النـزهة ” ( ص 141 ) .

(2)انظر مقدمة ” تفسير ابن كثير ” ( 1 / 8 ) ط / دار طيبه .

(1)( ص 142 ) .

(2)“فتح المغيث ” ( 1 / 152 – 153 ) .

(1)( 2 / 529 – 530 ) .

(2)” فتح المغيث ” ( 1 / 150 ) وانظر كلام الحافظ في ” الفتح ” ( 6 / 407 ) الحديث ( 3305 ) .

(1)وقد ذهب إلى هذا الخطيب في ” الجامع ” ( 2 / 291 – 292) والنووي في ” التقريب ” ( 1 /192 – 193 ) من ” التدريب ” و ” الإرشاد ” ( 1 / 164 – 165 ) وابن الصلاح في ” المقدمة ” مع ” التقييد ” ( ص 70 ) بل ذكر شيخ الإسلام في ” مجموع الفتاوى ” ( 13 / 340 )  أنه طريقة أصحاب المسانيد كلهم جَعْل هذا من قبيل المسند ، والله أعلم .

(2)وقد ذهب إلى ذلك الحاكم في ” المستدرك ” ( 1 /542 ) وعدَّه من صنيع الشيخين ، وكذا في ” ( 1 / 123 ) وقد ذكر العراقي في ” شرح الألفية ” ( 1 / 132 ) أن هذا مذهب الحاكم ، ونقل عنه أنه قال : ” ليعْلم طالب العلم أن تفسير الصحابي ، الذي شهد الوحي والتنـزيل عند الشيخين حديث مسند ” اهـ . وكذا ذكره ابن الملقِّن في ” المقنع ” ( 1 / 127 – 128 ) .

وكلام الحاكم في ” المستدرك ” وإن كان عامًّا ؛ إلا أن له كلامًا آخر في ” علوم الحديث ” ( ص 20 ) يدل على أنه يذهب إلى التفرقة بين مطلق التفسير ، وذكر سبب النـزول ، فقد قال: ” فإما ما نقول في تفسير الصحابي مسند ؛ فإنما نقوله في غير هذا النوع . . . ” ثم ذكر حديث جابر السابق ، ثم قال : ” فإن الصحابي الذي شهد الوحي والتنـزيل ، فأخبر عن آية من القرآن ، أنها نزلت في كذا وكذا ؛ فإنه حديث مسند ” اهـ .

وقد تنبه السيوطي لذلك ، فقال : ” فالحاكم أطلق في “المستدرك ” وخصص في ” علوم الحديث ” ، فاعتمد الناس تخصيصه . . . .” اهـ من ” التدريب ” ( 1 / 193 ) .

(3)انظر ” تفسر الطبري ” ( 1 / 75 ) و مقدمة ” تفسير ابن كثير ” ( 1 / 14 ) .

(1)انظر ” مجموع الفتاوى ” ( 13 / 340 ) و ” المسوّدة ” ( ص 299 ) .

 

للتواصل معنا