الأسئلة الحديثية

ما حكم العمل بالحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه؟

ما حكم العمل بالحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه؟

للعلماء عدة أقوال في هذه المسألة:

الأول: هناك من ذهب إلى العمل بالحديث الضعيف، حتى في باب الأحكام، وأنه أولى من آراء الرجال، إذا لم يكن هناك ضعيف آخر يعارضه، وأن يكون ذلك في الأحاديث التي تفيد الإحتياط، والتحرز، لا في التيسير والتسهيل.

قلت: هذا عمل بظن مرجوح أو شك، ودَفْعُه واضح، والله أعلم.

الثاني: هناك من ذهب إلى أنه ينفع في باب الترجيح، فلو كان هناك حديث صحيح، يعارضه آخر مثله، والضعيف موافق لأحدهما؛ فإنه يقوي من كفة الصحيح الذي يوافقه، وهذا لا يُدْفع عن الصواب والقبول، إذا خلا الصحيح الآخر من مرجح أقوى، والله أعلم.

الثالث: وذهب بعضهم إلى أنه يُعمل به في تعيين المبهم في الرواية، فإذا جاءت طريق صحيحة فيها مبهم، لم يُسَمَّ، وجاءت تسميته من طريق ضعيفة، حُكم عليه بما يستحق.

قلت: وفي هذا تفصيل: فإن كان المبهم رجلاً لم يُسمّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الرواية الضعيفة تسميته بصحابي؛ فلا يُقبل إثبات الصحبة بهذه الطريق، فإن إثبات الصحبة يترتب عليه عدد من الأحكام، ولا يُقبل ذلك بمجرد طريق ضعيفة، وقسْ على هذا أموراً أخرى.

وكذلك إذا اتحد المخرج؛ كان التعيين منكراً، والله أعلم.

الرابع: وذهب الجمهور إلى أن الحديث الضعيف يُعْمل به في فضائل الأعمال، ووضعوا لذلك شروطاً:

1- أن يكون الضعف غير شديد.

2- أن يكون معنى الحديث مندرجاً تحت أصل عام، واختُلف المراد بالأصل العام: فمنهم من قال: تشهد عمومات الشريعة، ومنهم من قال: أن يكون الحديث الضعيف قد جاء معنى من حديث صحيح أو حسن، لكن دون ذكر الثواب أو العقاب، وانفرد الضعيف بذكر ذلك، فليس في العمل به جديد إلا أنه يشوِّق ويرغب في العمل، أو يزيد النفس نفوراً عن الشيء الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح أو الحسن.

3- ألا يُعتقد عند العمل به ثبوته وإن كان في تصوُّر وقوع ذلك مشقة واضطراب، فكيف يُشوقه للعمل بالحديث الصحيح أو الحسن، وهو لا يعتقد ثبوته؟!

وذهب بعضهم إلى عدم بيان ضعفه؛ حتى لا يتردد سامعه في العمل به، وهذا يخالف هذا الشرط؛ فإن السامع إذا لم يعرف ضعفه، ويسمع نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه سيعتقد ثبوته، والله أعلم.

4- ألا يُظهر العمل به، أو يدعو إليه؛ حتى لا يُظن ثبوته.

5- أن يكون ذلك في غير الأحكام والعقائد.

6- ألا يعارضه ما هو أقوى منه.

واستدلوا على ذلك بأدلة، منها:

1- أن العمل في هذه الحالة ليس بمجرد الحديث الضعيف، إما هو بالحديث الصحيح أو الحسن.

قلت: مجرد التشويق والترغيب في العمل لمجرد الحديث الضعيف: فيه نوع عمل بالضعيف، كما لا يخفى.

2- أن هذا قول جمهور العلماء، بل ادعى بعضهم الإجماع، ويجاب عنه: بأن دعوى الإجماع لا تصح، والجمهور ليس كلامهم حجة بمفرده، والعبرة بالأدلة.

الخامس: ذهب بعضهم إلى القول بمنع العمل بمجرد الحديث الضعيف مطلقاً –وهو الراجح- واستدلوا بأدلة، منها:

1- أن العمل بالحديث الضعيف عمل به مع الشك أو الظَن المرجوح ، وكلاهما مذموم .

2- أن الحديث الضعيف لايثبت شئ من الأحكام ، والاستحباب أو الكراهة من جملة الأحكام الخمسة .

3- أن ترك العمل به من باب سد الذرائع ؛ حتى لاتشيع الأحاديث الضعيفة بين الناس ، لاسيما وهناك من لم يبال من الخطباء والوعاظ شروط هذه القاعدة ،وتوسَّع في ذلك توسُّعًا غير مرضي.

4- هل عملنا بكل الصحيح والحسن ، حتى نحتاج إلى العمل بالضعيف ؟!

5- هذه القاعدة أفضت إلى إهدار كثير من جهود الأئمة في التحرز والوقاية من أن يُنْسب إلى رسـول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – مالم يَقُلْه ، فاشتهرت الأحاديث الضعيفة بين الناس لعدة أسباب ، منها هذه القاعدة .

هذا، وقد اختصرتُ الكلام هنا اختصارًا ، وتوسَّعْتُ فيه في موضع آخر في شرحي ” للموقظة ” للذهبي ، وقد أُفْرد ذلك في شريطين بعنوان : ” الطَّرْحُ والإهمال للحديث الضعيف في فضائل الأعمال ” فيُرْجَع إليه هنالك ، والله أعلم وأحكم .

للتواصل معنا