الأسئلة الحديثية

الإشكالات الواردة على تعريف الحافظ ابن حجر للحديث الحسن والجواب عنها

الإشكالات الواردة على تعريف الحافظ ابن حجر للحديث الحسن والجواب عنها :

عرف الحافظ – رحمه الله – الحديث الحسن لذاته بتعريف أدق من تعريف غيره،فقد عرف الحديث الصحيح أولاً بقوله:” وخبر الآحاد، بنقل عدل تام الضبط ، متصل السند، غير معلل ولاشاذ، هو الصحيح لذاته” .
ثم قال: ” فإن خَفَّ الضبط ؛ فالحسن لذاته”(1).

فهو –رحمه الله – يرى أن شروط الحديث الحسن هي شروط الحديث الصحيح ، إلا شرطًا واحدًا: وهو تمام الضبط ، فإنه يُشْتَرط في الصحيح ، أما الحسن فَيُشْتَرَط خفة الضبط، وهذا أدق مما سبق من تعاريف ، ومع ذلك فحوله بعض المناقشات ، أذكرها ، وأذكر الجواب عنها ما أمكن – إن شاء الله تعالى –
1_ كيف نعرف أن هذا الراوي تام الضبط ، وهذا خفيف الضبط، وما هو الضابط في ذلك(2)؟
الجواب : أن علماء الجرح والتعديل لهم عبارات، تدل على أن من قيلت فيه فهو من رجال الحديث الصحيح، فيعبرون بها عن تمام الضبط، كقولهم مثلاً :”ثقة حافظ”و”ثقة ثبت”و”ثقة متقن”و”ثقة”و”مستقيم الحديث”…. الخ .
ولكثير منهم عبارات – أيضًا – تدل على أن من قيلت فيه فهو من رجال الحديث الحسن ، فيعبرون بها عن خفة الضبط ، كقولهم مثلاً:” صدوق،لا بأس به ، مأمون،خيار…” إلى غير ذلك .
وهذا كله فَرْعٌ عن سبرهم روايات الراوي ومقابلتها بروايات غيره من الثقات ، ثم النظر في مقدار موافقته، أو مخالفته، أو تفرده، ومن ثَمَّ يحكمون عليه بما يستحق مدحًا أو قدحًا – على تفاصيل في ذلك، ليس هذا موضعها –
فلا إشكال حول عبارة الحافظ : ” فإن خف الضبط . . . ” لأن معرفة ذلك تكون بالرجوع إلى سُلَّم الجرح والتعديل ؛ لمعرفة ألفاظ هذه المرتبة ، والله أعلم .
وقول الصنعاني : ” لا عُرْف في مقدار خفة الضبط ” قول غير مقبول ؛ لأن التفاوت بين مراتب الجرح والتعديل ، ومعرفة منزلة كل مرتبة ، وما تحويه من عبارات ؛ كل هذا معروف مشهور ، وهم وإن لم يقولوا : فلان خفيف الضبط ؛ فقد عبّروا بما يدل على ذلك ، والناظر في كتب الرجال ، وأحكام الأئمة على الرواة ؛ وترجيحهم راويًا على آخر لقوة الضبط وخفته ؛ لا يكاد يتردد في رد كلام الصنعاني – رحمه الله – أما من كان له اصطلاح خاص في عبارة من العبارات ؛ فإن ذلك لا يؤثر على العرف العام ، والله أعلم .
2_فإن قيل: إن قوله :”فإن خف الضبط ” غير مانع؛ لأنه يُدْخِل الحديث الضعيف، فراويه خفيف الضبط أيضًا ؟
فالجواب : أن خفة الضبط لا تُطْلق في الاصطلاح على من ضَعْفُه واضح – وإن كان يقوى بالانجبار – بل معناها: أن الرجل عنده أصل الضبط ، لكن فيه خفة ،وهذا لا يقال في الضعيف فضلاً عن الضعيف جدًا .
3_أن الحافظ اشترط في الحسن ما اشترط في الصحيح –دون تمام الضبط- ومن شروط الصحيح ” أن يتصل سنده بنقل عدل تام الضبط ” فيفهم منه أن الحسن يشترط فيه ” أن يتصل سنده بنقل عدل خفيف الضبط ” أي أن خفة الضبط شرط في جميع طبقات الحديث الحسن ، كما أن تمام الضبط شرط في جميع طبقات الحديث الصحيح؟!
والجواب : أن هذا ليس مرادًا للحافظ –رحمه الله- وصنيعه أكبر شاهد على هذا ،وإن كانت عبارته توهم ذلك ، بل الحديث يكون حسنًا بمجرد وجود خفة الضبط ولوفي طبقة واحدة.
ولو أن الحافظ –رحمه الله – قال بعد تعريف الحديث الصحيح :” فإن خف الضبط في أحد رواته أو أكثر؛ فهو الحسن لذاته” لكان بعيدًا عن الإيهام والاعتراض ، والله أعلم.
ومما يدل على أن كلام الحافظ يوهم اشتراط خفة الضبط في جميع السند للحديث الحسن لذاته :

ما جاء في ” الأجوبة اللائقة على الأسئلة الفائقة “(3) فقد قال الحافظ : ” هو الحديث المتصل السند ، برواةٍ معروفين بالصدق ، في ضبطهم قصور عن ضبط رواة الصحيح ، ولا يكون الحديث معلولاً ولا شاذًَّا ، ثم قال : ” ومحصَّله : أنه هو والصحيح سواء ؛ إلا في تفاوت الضبط ، فراوي الصحيح يُشْترط أن يكون موصوفًا بالضبط الكامل ، وراوي الحسن لا يُشْترط أن يبلغ تلك الدرجة ، وإن كان ليس عَريًّا عن الضبط في الجملة ؛ ليخرج عن كونه مغفَّلاً ، وعن كونه كثير الخطأ ، وما عدا ذلك من الأوصاف المشترطة في الصحيح : كالصدق ، والاتصال ، وعدم كونه شاذًّا ، ولا معلولاً ؛ فلا بد من اشتراط ذلك كله في النوعين ” اهـ .

وقد سبق الجواب عن الحافظ في ذلك

__________
(1) انظر ” النزهة ” ( ص 91 ) .

(2) انظر اعتراض الصنعاني بذلك في ” توضيح الأفكار ” ( 1 / 155 ) وقد سبق إلى أصل هذا الاعتراض قاسم بن قطلوبغا – تلميذ الحافظ ابن حجر – في حاشيته على ” النزهة ” ( ص 58 ) .

(3) ضمن كتاب ” الجواهر والدرر ” للسخاوي ( 2 / 913 – 914 )

للتواصل معنا