الأسئلة الحديثية

الاعتراضات الواردة على تعريف ابن الصلاح للحديث الضعيف

الاعتراضات الواردة على تعريف ابن الصلاح للحديث الضعيف

تعريف ابن الصلاح :

قال ابن الصلاح –رحمه الله تعالى – بعد أن عَرَّف الحديث الصحيح والحسن : “وكُلُّ حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن؛ فهو ضعيف “(1).

وعلى هذا التعريف عدة اعتراضات :
1 – قوله : ” لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ، ولا صفات الحديث الحسن ” فكلمة : ” الحديث الصحيح ” حشو لا حاجة لها ، لأن الصحيح حسن وزيادة ، فإذا قَصُر عن الحسن فمن باب أولى أن يَقْصُر عن الصحيح .
ووجْه هذا الاعتراض : أن الكلمة في التعريف لابد أن تكون تأسيسية؛ لأن الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد – فضلاً عن التكرار والحشو – فلو اقتصر على نفي صفات الحُسْن لكان أخصر ؛ لأن نفْي صفات الحَسَن مسلتزم لنفي صفات الصحيح وزيادة ،والله أعلم .
وهناك من اعتذر عن ابن الصلاح –رحمه الله – (2) فقال: ما ملخصه : إن تعريفه مثل تعريف النحْوي إذا عرَّف الحرف ، فإنه إذا عَرَّف الاسم والفعل؛ عَرَّف الحرف بأنه: ” ما لا يقبل شيئًا من علامات الاسم ، ولا علامات الفعل ” لأن القسمة عنده ثلاثية : اسم، وفعل، وحرف ، وكذا فَعَلَ ابن الصلاح هنا .
إلا أن من اعترض على ابن الصلاح لم يرتض هذا الجواب ، وذلك: لأن الحرف ليس قسماً من الأسماء ولا من الأفعال، وليس بينه وبين الاسم والفعل عموم وخصوص ، بل هو قسم مستقل ، أما الحسن فبينه وبين الصحيح عموم وخصوص ، فكل صحيح حسن – لأن الصحيح حَسَنٌ وزيادة – بلا عكس(3).
وقال ابن الوزير مدافعًا عن ابن الصلاح : ” لا اعتراض على ابن الصلاح ؛ فإنه لا يلزمه أن يحدَّ الضعيف على رأَيْ غيره ، وإنما كان يلزمه لو كان يرى أن كل صحيح حسن” اهـ(4).

قلت : مما سبق في تعريف الصحيح والحسن عند ابن الصلاح نعلم أنه يرى أن الصحيح حسن وزيادة ، فتمّ الإيراد عليه ، ولذلك فقد ذكر الصنعاني كلام ابن الصلاح في بعض المواضع ، ثم قال : ” . . . . وهذا مع ما فصّله هنالك يقضي بأن ابن الصلاح رأْيُه رأيُ من يقول : بأن كل صحيح حسن ، فيتم الاعتراض عليه ” اهـ(5).

2- أن قوله:” لم تجتمع فيه صفات الصحيح” لا يُخْرِج الحديث الحسن، فقد لا يتوافر الضبط التام، ويتوافر الضبط الخفيف ، وهذا من صفات الحديث الحسن(6).

وعندي : أن هذا الاعتراض غير وجيه – ولعل منشؤه الذهول والسهو من قائله – لأن ابن الصلاح اشترط أيضاً انتفاء صفات الحسن، فكيف يدخل الحسن في التعريف مع هذا الشرط(7)؟ .
3 – واعترض الحافظ بأنه لو قال ابن الصلاح : ” كل حديث لم تجتمع فيه صفات القبول ” لكان أسلم من الاعتراض و أخصر اهـ(8)
قلت : أما كونه أخصر ؛ فنعم .
وأما كونه أسلم من الاعتراض ؛ فلا : لأنه يقال : وصفات القبول تشمل صفات الصحيح والحسن ، وقد سبق عن الحافظ أن انتفاء صفات الحسن يستلزم انتفاء الصحيح وزيادة ، فقد وقع الحافظ فيما أنكره على ابن الصلاح ، ولا زال الاعتراض قائمًا ، والله أعلم .

__________
(1) ” علوم الحديث ” مع ” التقييد ” ( ص 63 ) .
(2) والمعتذر هو الزركشي في ” النكت ” ( 1 / 389 – 390 ) .
(3) انظر معنى ذلك في ” النكت ” ( 1 / 491 ) .
(4) انظر ” توضيح الأفكار ” ( 1 / 247 ) .

(5) انظر ” توضيح الأفكار ” ( 1 / 247 – 248 ) .

(6) قاله بمعناه الحافظ في ” النكت ” ( 1 / 492 ) ولعله ذهل عن شرط ابن الصلاح في عدم اجتماع صفات الحسَن أيضًا ؛ فإن مثل ذلك لا يفوت الحافظ ، لاسيما وقد سبق أن نقل كلام ابن الصلاح بذلك ، وعاب عليه ترْكه الاختصار فقط ، فجَلَّ من لا يسهو، والله أعلم .
(7) وانظر ” البحر الذي رخر ” للسيوطي ( 1 / 1286 ) .
(8) ” النكت ” ( 1 / 492 )

للتواصل معنا