الأسئلة الحديثية

ما هو التعريف الصحيح للحديث الشاذ؟ وما هو انتقاد أهل العلم لهذا التعريف القائل: «الشاذ: مخالفة الثقة

ما هو التعريف الصحيح للحديث الشاذ؟ وما هو انتقاد أهل العلم لهذا التعريف القائل: «الشاذ: مخالفة الثقة للثقات»؟

ج الحديث الشاذ من جملة الحديث الضعيف، والقول المقبول فيه: «هو مخالفة المقبول لمن هو أوثق منه»، ولكننا نجد في بعض كتب المصطلح قول بعضهم: «هو مخالفة الثقة للثقات»(1)، وهذا التعريف فيه خلل في موضعين:

أولاً: قولهم: «مخالفة الثقة» يرد على ذلك رجال الحديث الحسن الذين يقال في أحدهم: «صدوق، أو لا بأس به»، وهم ليسوا ممن يصح أن يطلق عليهم كلمة: «ثقة»، مع أنهم مقصودون في التعريف وكما قالوا: إنَّ التعريفات لا بد أن تكون جامعة مانعة، جامعة لجميع أوصاف الشيء المراد تعريفه، ومانعة من دخول أي وصف غريب مع هذه الأوصاف، وإلا فلا فائدة من التعريف.

ثانياً: أنَّ قولهم «الثقات» جمع ثقة، وهم لا يشترطون عند المخالفة أن يخالف جمعاً من الثقات، بل إنَّه إذا خالف رجلاً واحداً أوثق منه، فإنّ الحفاظ يحكمون عليه بالشذوذ، على تفاصيل في ذلك، ولذلك كان هذا التعريف الذي سألتَ عنه مدخولاً من هاتين الجهتين، والتعريف الصحيح: هو «مخالفة المقبول لمن هو أوثق منه»(2).

فكلمة: «مخالفة» تخرج من ذلك التفرد، والموافقة، و«المقبول» كل من يقبل للاحتجاج به، سواء كان من رجال الصحيح أو الحسن، وليس «المقبول» كل من يقبل للاحتجاج به، سواء كان من رجال الصحيح أن الحسن، وليس «المقبول» هنا على تعريف الحفاظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – في «التقريب» الذي هو مَنْ ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يُتْرك حديثه من أجله، وإليه الإشارة بـ «مقبول»، حيث يتابع وإلا فليِّن الحديث، هذا تعريفه في مقدمة «التقريب» الطبقة السادسة، والمقبول الذي أعنيه بالحديث هنا: هو المقبول عند أ÷ل العلم خلاف المردود، سواء كان مردوداً ردّاً مؤقتاً أي: أنَّه يصلح في باب الشواهد والمتابعات، أو مردوداً رداً نهائياً، وهو من أهل الرد والترك فالمقبول إذن: هو الذي يُقبل في الاحتجاج به، فقولنا: «مخالفة المقبول لمن هو أوثق منه» يدخل في ذلك إذا كان المخالف واحداً ولكنه أوثق من المخالَفِ، فالتعريف يكون جامعاً له، وهذا تعريف الحافظ – رحمه الله -، والله أعلم.

«تنبيه»:

فهم كثير من طلبة العلم أن المراد بالمخالفة هنا: أن يروي الراوي رواية لا يمكن الجمع بينها وبين رواية من هو أوثق منه، وهذا ليس بسديد على طريقة الحذاق من أهل الحديث، والمتتبع لصنيعهم يجدهم يطلقون الشذوذ على أحاديث لا تكاد تحصى، مع إمكان الجمع على طريقة الفقهاء، فالمراد بالمخالفة أي زيادة في اللفظ تحمل زيادة في المعنى، فعند ذاك تُحكّم القواعد، لينظر المحفوظ من الشاذ، والله أعلم.

فائدة في أحوال الرواة:

الرواة لهم أربع حالات أو هم أربع أقسام:

1 – من الرواة من يُحتج به وإن خالفه غيره، أي: وإن كان المخالفون له ثقات، وهؤلاء هم الأئمة الحفاظ المشاهير كالإمام أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني(3) – رحمهما الله تعالى -، ومن جرى مجراهما في الشهرة بالأمانة والضبط والتحري واليقظة، فهؤلاء الأئمة الكبار ليس من السهل أن يُرَدَّ عليهم حديثهم، فليس من الهين – مثلاً – أن يقال: «شذَّ أحمد، أو شذّ علي بن المديني» إلا أن يكون المخالفون لأحد الحفاظ أئمة حفّاظاً، فعند ذلك نقول: «وهِمَ فلان»، فمن الرواة من يُحتج به وإن خالف، وهذا على سبيل الأغلبية، وليس في كل الحالات.

2 – من الرواة من يُحتج به إذا تَفَرَّدَ، ولا يُحتج به إذا خالف، وهؤلاء غالب رواة الحديث الصحيح أو الحسن، فيحتج بهم عند التفرد، لكن إذا خالفوا من هو أوثق منهم يُرد عليهم4.

3 – ومن الرواة من يحتج به إذا توبع، أمّا إذا انفرد – فضلاً عن المخالفة – فلا يحتج به، وهؤلاء أهل الشواهد والمتابعات.

4 – ومن الرواة من لا يحتج به وإن توبع، وهؤلاء أهل الترك، والرد، والتهمة، والكذب، والفسق، والعياذ بالله.


الحواشي



1 قال القسطلاني: الشاذ ما خالف الراوي الثقة فيه جماعة الثقات بزيادة أو نقص فيظن أنَّه وهم فيه، انظر معجم «مصطلحات توثيق الحديث» (ص:41-42) د علي زوين وفيه من الاعتراضات ما ذكره الشيخ حفظه الله -.

2 في «النزهة»: «ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه، قال الحافظ: وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح» (ص:98).

3مثال ما جاء في «التتبع» في قصة المسيء صلاته، وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ارجع فصل فإنّك لم تصل» رواه يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة به، قال الدّارقطني وخالف يحيى أصحاب عبيدالله كلهم فهم أبو أسامة وعبدالله بن نمير وعيسى بن يونس وغيرهم ورووه عن عبيدالله عن سعيد عن أبي هريرة فلم يذكروا أباه… قال يحيى ويشبه أن يكون عبيدالله حدّث به على الوجهين والله أعلم (ص:177) قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى في «المقترح» هاب الدّارقطني أن يقول إنَّ يحيى بن سعيد شاذ والله أعلم (ص:124).

وانظر «سنن الترمذي» (3/428).

والعلل للدارقطني (3/155 رقم 325) و«فتح الباري» لابن حجر (2/277 رقم 793).

4مثاله ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه «النزهة (97-98).

وهو ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن عوسجة، عن ابن عباس رضي الله عنهما -، أنَّ رجلاً توفي في عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يدع وارثاً إلا مولئ هو أعتقه… الحديث.

وتابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره وخالفهم حمّاد بن زيد فرواه عن عمرو بن دينارٍ عن عوسجة ولم يذكر ابن عباسٍ.

قال أبو حاتم: «المحفوظ حديث ابن عيينة». اهـ كلامه.

فحمّاد بن زيد من أهل العدالة والضبط، ومع ذلك رجّح أبو حاتم رواية من هم أكثر عدداً منهُ وعرف من هذا التقرير أنَّ الشاذ ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح. اهـ.