ما هي الفائدة من قول العلماء: «هذا السند أصح الأسانيد عن فلان»؟
مسألة أصح الأسانيد كما قال بعضهم: «إنّه لا يمكن الحكم على إسناد بأنَّه أصح الأسانيد مطلقاً، وقد خاض في ذلك جماعة من أئمة الحديث، فاختلفت كلمتهم»(1)، والحكم بأصح الأحاديث مطلقاً كما يقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى -: «ما تكلّم فيه أحد من علماء الحديث(2)؛ لأنَّ صحة الإسناد، وكون أن الإسناد من أصح الأسانيد، لا يلزم من ذلك أن يكون المتن من أصح المتون، لأنَّ المتن المخالف قد يكون له متابعات، أو خالياً من الاضطراب، أو خالياً من الاختلافات، أو غير ذلك.
فالشاهد: أنَّ الخلاف بين العلماء وقع في أصح الأسانيد، ولم يقع في أصح الأحاديث، ومع جزم بعض العلماء بعدم إطلاق أن السند الفلاني أصح الأسانيد،
فما هي الفائدة التي نأخذها من هذه التراجم التي وصفت بأنها أصح الأسانيد؟
أجاب على هذا السؤال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – بأنَّ التراجم التي وصفت بأنَّها أصح الأسانيد، لا تخلوا من فائدة، وذلك بأنَّها تكون أقوى من معارضيها، إذا لم يكن معارضها من أصح الأسانيد، فتحتاج إليها عند الترجيح، فإذا عارضها إسناد ليس مذكوراً في هذه السلاسل، أو ترجمة ليست مذكورة في هذه التراجم، قدمنا ما ذكر في أصح الأسانيد، فمثلاً نرجح مالك عن نافع عن ابن عمر، ونستطيع أن نقول: إن أثبتَ تلامذة نافع هو مالك؛ لأنّه ذُكِرَ في أصح الأسانيد، فإذا خالف مالكاً رجلٌ آخر في نافع قدمنا مالكاً؛ لأنّه مذكور في أصح الأسانيد، وإن كان المخالف له ثقة(3).
([1]) انظر عبارة ابن الصلاح في «مقدمته» (ص:83).
([2]) انظر «النكت» على ابن الصلاح (1/247-248) قلت: وممن جزم بذلك أيضاً الحافظ العلائي
وقد خالف ذلك، حيث قال في حديث رواه أحمد عن الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر: «أنّه أصح حديث في الدنيا»، نقل ذلك عنه السيوطي في «تدريبه» (1/77).
([3]) جاء ذلك في «النكت» للحافظ ابن حجر (1/288) ونقله السيوطي عنه في «تدريبه» (1/76).