الأسئلة الحديثية

نريد مثالاً لبعض المتساهلين في الجرح والتعديل، إذا انفردوا لا يعتد بتوثيقهم، وكذلك لبعض المتشددين إذا انفردوا لا يؤخذ بتضعيفهم؟

نريد مثالاً لبعض المتساهلين في الجرح والتعديل، إذا انفردوا لا يعتد بتوثيقهم، وكذلك لبعض المتشددين إذا انفردوا لا يؤخذ بتضعيفهم؟

كلام أئمة الجرح والتعديل([1]) في الرواة يقبل بشروط منها:

أن يكون المتكلّم معتدلاً، ليس متشدداً، ولا متساهلاً، فالمتشدد مُتَوَّقف في نقده، لا سيّما إذا عارضه معتدل، والمتساهل متوقِّف أيضاً في نقده، لا سيّما إذا عارضه معتدل، والأئمة في هذا الباب على مراتب متفاوتة، فمنهم المتشدد، ومنهم المتساهل ، ومنهم المعتدل، ولا شك أن الذي يقبل كلامه من هؤلاء جميعاً هو المعتدل كما سبق بيانه.

وكل طبقة من طبقات الأئمة فيها المتشدد، وفيها المعتدل، وقد يكون أيضاً فيها المتساهل([2])، فمثلاً من المتشددين ابن حبان – رحمه الله – أعني أنّه المتشددين في الجرح، والعجب أنّه أيضاً من المتساهلين في التوثيق، فجمع بين الأمرين، جمع بين التشدد في الجرح، وبين التساهل في التوثيق، أعني: توثيق المجاهيل، وإلا فإنّ توثيقه على مراتب قد بيّنها الشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني – رحمه الله تعالى – في كتابه «التنكيل»([3])، وسأتكلّم عليها في موضعها – بإذن الله عزّ وجلّ -.([4])

المهم أنَّ ابن حبان – رحمه الله – يسرف في الجرح، فقد يكون الرجل قد وهم في بعض الراويات، فيتكلّم عليه بعبارات شديدة الجرح، فيقول: يأتي عن الثقات بالمعضلات، ولا يشبه حديثه حديث الإثبات، فيستحق الترك، ولذا يقول الحافظ الذهبي – رحمه الله تعالى -: «إنّ ابن حبان صاحب تهاويل»([5]).

أيضاً: من المتشددين أبو حاتم الرازي – رحمه الله تعالى – فإنّه يتعنت ويحكم على بعض الناس الذين أخطئوا خطأً محتملاً بالضعف ([6]) ، ولك أن تعرف مدى تشدده حيث حكم على مسلم بن الحجّاج النيسابوري – رحمه الله تعالى – بأنّه صدوق ومسلم إمام من الأئمة، أعلى من هذه الكلمة بكثير([7]).

وذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله – أنَّ الجوزجاني – أبا إسحاق السعدي – متشدد أيضاً، لا سيّما على الشيعة – شيعة الكوفة([8])؛ لأنّه كان متّهماً برأي النواصب وهم يتكلمون في شيعة علي – رضي الله عنه فكان كلامه شديد اللهجة على المتشيعة، فتراه إذا ترجم لرجل شيعي قال: «زائغ، أو مائل عن الحق، أو جائر» إلى غير ذلك من العبارات. لكن لّمّا نظرتُ في كتابه «أحوال الرجال» لم أجد أنّه متشدد، بمعنى أنّه يرد رواية الثقة لتشيعه، فالشيعة الثقات وثّقهم من جهة الراوية، وضعّفهم من جهة العدالة، وهذا أمر لا يُطعن عليه فيه، لأنّه يتكلّم في الرجل من جهة العدالة أنّه صاحب بدعة، وبدعته كذا، لكن من جهة الضبط والإتقان، فإنّه ضابط لحديثه، متقن له، فالجوزجاني صاحب «أحوال الرجال» قد شاع عند كثير من العلماء، وكثير من طلبة العلم أنّه متشدد، فأنا أقول: «إن كان تشدده بمعنى أنّه شديد النفس على المتشيِّعة من جهة العدالة، لا من جهة الراوية فنعم، أمّا إن كان بمعنى أنّه يرد رواية الثقة، فأين هذا في كتابه «أحوال الرجال» وترجمة واحدة أو نحوها لا تدل على هذا، لأنّه ما من إمام إلا وقد خولف، فأحمد بن حنبل – رحمه الله – وهو من المعتدلين قد يضعّف رجلاً ويوثقه غيره، وأبو رزعة – رحمه الله – وهو من المعتدلين قد يضعف رجلاً ويوثقه غيره، وابن عديّ – رحمه الله – وهو يُعّدُّ من المعتدلين أيضاً – وإن كان فيه تساهل في بعض المواضع – قد يضعف رجلاً ويوثقه غيره.

ففي الحقيقية لم يظهر لي تشدد الجوزجاني، بمعنى أنّه يرد رواية الثقة الضابط لأنّه شيعي، نعم يتكلّم على الشيعة بكلام شديد، لبدعتهم: والمقام يحتاج إلى مزيد بحث وتحرير والله أعلم([9]) .

أيضاً فقد ذكروا من المتشددين ابن الجوزي – رحمه الله – فابن الجوزي يذكر في كتابه «الموضوعات» أحاديث بعضها في «صحيح مسلم»، وبعضها في «مسند الإمام أحمد»، وبعضها صحيح، وكثيراً ما يحكم على الحديث الضعيف بأنّه موضوع([10]).

ومنهم من عدّ شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – متشدداً في بعض تصانيفه، فيذكر بعض الرواة، ويتكلّم عليهم بشدة، وهم في الحقيقة ليسوا كما يقول، فلعله كتب هذا من حفظه، وما استحضر كل الكلام في الرواة ([11])، ومنهم النسائي – رحمه الله – فقد يكون له بعض المواضع يتعنت فيها([12])، وليس في كل المواضع بل ذكره الشيخ المعلمي – رحمه الله – في «التنكيل»، وضمّ إليه ابن معين – رحمه الله -، وجعلهما ممن يوثق المجاهيل، وذكر بعض الأمثلة في كتاب «التنكيل» فلتراجع([13]).

ومن المتشددين أيضاً شعبة([14]) ، وابن معين – رحمهما الله – فابن معين له كلام شديد في الرواة([15]) وكذا يحيى بن سعيد القطان([16]) فهذه أمثلة للمتشددين أو للذين عندهم تعنت في بعض المواضع وأمّا المتساهلون فمنهم ابن حبان – رحمه الله -،

وهنا يبرز سؤال:

كيف يكون الراوي متشدداً، متساهلاً؟.

والحقيقة أنّ التشدد والتساهل ليسا في محل واحد، حتى نقول: إنّه قد جمع بين النقيضين؛ فالتشدد جاء في جهة، والتساهل جاء في جهة أخرى، فتساهل ابن حبان – رحمه الله – ناتج عن كونه التزم قاعدة الفقهاء والأصوليين في توثيق الرواة، فعنده أن الراوي إذا لم يُجَرَّح فهو عدل، وأيضاً سلك هذا السبيل الحاكم[17] – رحمه الله – فعندهما أن الراوي إذا لم يجرح فهو عدلٌ؛ لأنّ عندهما أنّه إذا انتفى النقص ثبت الكمال، وفي هذا نظر، والعلماء لم يروا أن الراوي يكون ثقة بذلك، ولكن قالوا: يشترط أن يكون عدلاً ضابطاً، وتكلّموا في العدالة، ومنها أ، يكون سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، ومنهم من قال: أن لا يكون مصرّاً على صغيرة، ولا مجاهراً بكبيرة.

ففي الحقيقة أنّ العلماء لم يكتفوا بمجرد سلامة الرجل من الجرح، ويكون بذلك ثقة عندهم، ولكن اشترطوا أن يكون ضابطاً، وأن تكون عدالته قد عُلِمت عند الأئمة أو بعضهم حتى يثبت التوثيق له.

فابن حبان مذهبه أن الراوي إذا روى عنه ثقة، وروى هو عن ثقة ولم يُجّرَّح، وكذا أيضاً، أن لا يكون روى منكراً، فيحصل بمجموع هذا توثيق الراوي عند ابن حبان – رحمه الله – وهذه القاعدة كنت قد أمليت على بعض إخواني وجهة النظر والخلل فيها، فقلت: وفي هذه الأمور.. تأمُّل.

فالشرط الأول: كون شيخة ثقة، لا يؤخذ منه مدح للراوي؛ لأنّ المشايخ الثقات لا يعترضون غالباً على التلاميذ وإن كانوا متروكين، لكن ينفعه حقاً رواية الكبار عنه، أمّا كون أنّه يروي عن ثقة فماذا نستفيد من ذلك؟

والشرط الثاني: كون تلميذه ثقة، أو أنّه روى عنه الثقة، ينظر هل الثقة هنا بتعريف ابن حبان – رحمه الله – وعلى نظرته هو، أم أنّه بتعريف الأئمة الآخرين؟ وأيضاً ما يكفي رواية ثقة واحد بل ينفعه إن كثر عددهم([18]).

والشرط الثالث: كون الراوي لم يرو منكراً، لم ينفعه هذا إذا كان مقلاً، وقد سبق بيانه في الكلام على الجهالة، بل لا بد أن يكون مكثراً، وهو لم يشترط الكثرة، فكونه يروي حديثاً واحداً ليس منكراً لا يعتبر هذا في توثيقه؛ لأنّه كما سبق بيانه في بداية الكلام على أ، الراوي المقل لا يتأتى للأئمة الحكم عليه بالثقة أو الضعف، أمّا كونه يقول: إن الراوي لا يكون مجرحاً، فلا يلزم منه التوثيق إلا على قاعدة الفقهاء، أمّا المحدثون فيشترطون ثبوت العدالة في الدين، وذلك بالتزكية، أو بالشهرة.

فعلى هذا تكون الشروط التي ذكرها في اعتبار الراوي الثقة أو الصدوق ليست بكافية، فالمقصود أن ابن حبان – رحمه الله – متساهل([19])، والحاكم أيضاً متساهل، وكذا الإمام الترمذي – رحمه الله – يتساهل كثيراً، وقد نصَّ الذهبيّ – رحمه الله – على هذا بأنَّ الأئمة ردوا تحسينه لما حسن حديث: «الصلح جائز بين المسلمين»([20])، بل ذكر حديثاً، وبيّن أنّه منقطع ثم قال: حسن غريب،)[21]) ومن المتساهلين – أيضاً – ابن سعد؛ فإنّه يوثق كثيراً ممن لم يوثقه غيره من الأئمة([22]).

وكذا العجلي صاحب كتاب «الثقات»([23]).

وكذا ابن شاهين أيضاً فيه تساهل ([24]).

هذا ما أستحضره الآن، وقد يسأل سائل فيقول: فلان هل هو متشدد أو متساهل؟ وأنا أجيب عليه، فابن معين: متشدد، والدّارقطني: أظن أنه معتدل لكنّه يصحح ويحسن في (السنن) ما لا يثبت، وكتابه (السنن) فيه غرائب كثيرة([25])، ويحيى بن سعيد القطان: متشدد، وعبدالرحمن بن مهدي: معتدل([26])، وشعبة: متشدد، والثوري: معتدل([27])، وأبو حاتم: متشدد، وأبو زرعة: معتدل([28])، وابن عيينة: ليس له كلام كثير في الرواة، وعلى بن المديني: الظاهر أنّه معتدل([29]) أيضاً، والذهبي: ما له كثير نقد مستقل بل هو ناقد مجتهد في كلام الأئمة، وله مواضع يكون لسانه شديداً على بعض العلماء ككلامه في وكيع في «النبلاء» وكلامه في العقيلي، وابن القطان، ومع ذلك فهو قد يتساهل في الحكم على الرواة وتلخيصه لكلام الأئمة في الراوي([30])، وأما الخطيب فهو إلى التساهل أقرب، ومنهم من يعتمد كلامه ولا يعترض عليه، أمّا أنا فأجد كثيراً من المواضع التي يوثق الخطيب فيها الرجل، فيترجم له الحافظ بقوله: «صدوق»([31])، وابن حجر – رحمه الله -: مجتهد أيضاً في نصوص الأئمة، ومن جهة تصحيح الأحاديث والكلام عليها، فهو إلى التساهل أقرب، وقد بان هذا ليّ جليّاً عند تحقيقي «للفتح» فكم من حديث يضعف صاحبه في «التقريب»، ومع ذلك يحكم على سند الحديث وهو من طريقه بأنّه حسن، أو صحيح، أذكر الآن حديث: «من استجمر فليوتر» متّفق عليه، وقد تكلّمت على طرقه بتوسع في «تحفة القاري بدراسة وتحقيق فتح الباري» الوضوء برقم:(30، 31) المؤلف. ذكر أنَّ أبا داود زاد زيادة: «ومن لا فلا حرج» قال: وإسنادها حسن، مع أنّه ترجم في «التقريب) لرجلين من إسناد هذه الزيادة بأن كلاً منهما مجهول جهالة العين، ويكون أيضاً الحديث شديد الضعف، فيأتي له بعبارة خفيفة الضعف، كقوله في حديث: «أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من فضل طينة أبيكم آدم» قال: «وهو لم يثبت»، مع أنَّ الحديث شديد الضعف… وكلمة: «لم يثبت» إنّما تقال في حديث الرجل الضعيف، ما تقال في حديث الرجل الواهي الساقط، والحافظ ابن حجر – رحمه الله – على سعة اطلاعه، وكثرة استفادة طلبه العلم منه ومن كتبه، يتساهل، وقد يحكم على الرجل في «التقريب» – مثلاً – بأنّه صدوق، ويحكم عليه في «التلخيص الحبير» بأنّه ضعيف جداً، أو ضعيف، أو غير ذلك، فلو جمعنا بين كلامه في «التلخيص» وفي «الدراية»، وفي «الفتح»، وجدناه يخالف كلامه في «التقريب» في مواضع كثيرة، وعند الاختلاف في الكلام على الرواة، فيقدم من كلام الحافظ ما في «التقريب» لأنه حكم عام، بخلاف كتبه الأخرى، فإن الحكم قد يكون مقيداً بحال الراوي في الحديث، وهناك مواضع لا نجد بُدَّا من متابعة الحافظ على قوله، والله أعلم([32]).

بعد معرفة المعتدل والمتشدد والمتساهل لابد أن يعلم أنّ كلام المتشدد والمتساهل لا يُهدر بالمرة إذا انفرد بالكلام على الراوي، والمتأمل في صنيع الحافظ الذهبي وابن حجر يجد اعتمادهما كلام المتشدد أكثر من المتساهل، إنما يُرد كلام المتشدد أو المتساهل إذا عارضه معتدل ولم يظهر للمتشدد دليل([33]).

بقي الكلام في الرواة، وهذا إن شاء الله يكون في موضعه من «شفاء العليل» حول الراوي الذي يقبل قوله، والذي لا يقبل قوله في الرواة، ومن ذلك معرفة سنة ميلاد ووفاة كل من المتكلَّم والمتكلَّم فيه لنعرف هل إمام الجرح والتعديل هذا عاصر الراوي الذي تكلّم فيه، أم أنّه تأخر عنه؟ لأنّه عند التعارض يقدم كلام المعاصر على كلام المتأخر.

وأيضاً فلا بد أن نعرف البلد، هل هو بلديُّ الراوي المترجم له، أو أنّه غريب عنه؟ فإن كلام البلديِّ مقدّم على كلام الغريب، فلعل الغريب قد رأى حديثاً صحيحاً من الرجل فوثقه، أو لعل الغريب رأى حديثاً ضعيفاً من الرجل فأنكره، وضعّفه، أمّا بلديّ الرجل فأعرف به، ولذلك ترجح لديَّ في محمد بن حميد الرازي كلام أهل بلده، فهناك من الأئمة من وثّقه، وهناك من الأئمة من ضعّفه، وأمّا أهل بلده كأبي حاتم، وابنه، وأبي زرعة، ومحمد بن مسلم بن وارة وهؤلاء الرازيون فقد اتهموه، وشدوا النكير عليه، وكلام أهل بلده مقدم على كلام غيرهم([34])، وكلام المعاصر مقدم على كلام البلدي المتأخر، وكل هذا يستثنى منه كلام الأقران في بعضهم، وكذلك يُقدم كلام الغريب إذا كان أعلم بهذا الفن وبالراوي من بلديه.

أيضاً لا بد من معرفة المذهب الاعتقادي للإمام المتكلِّم في الرواة، والراوي المتكلَّم فيه؛ لأنّ الشيعي يتكلّم في الناصبي والعكس.

فالشاهد أنّ الكلام في الرواة يُنظر فيه من جهات كثيرة، ليس فقط من باب التساهل، والتشدّد، والاعتدال، ولكن من باب البلد، والمعاصرة، والمذهب.

ويرد على ذلك سؤال وهو: إذا كنت تقول: إنَّ بلديِّ الرجل أعرف، وإن المعاصر أعرف من المتأخر، فلماذا يردون كلام الأقران في بعضهم، كما تكلّم مثلا مطيِّن في محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وتكلّم محمد بن عثمان بن أبي شيبة فيه، والنسائي في أحمد بن صالح المصري، وهكذا كلام الأقران في بعضهم؟

والجواب: أنّه إذا ظهر لنا من الترجمة أنّ بينهما تنافساً، وأنّهما قد جاءتهما حظوظ البشرية، وحظوظ النفس، التي لا يسلم منها إلا من عافاه الله، فحين ذاك نحن نقف في كلام كل منهما في الآخر وعند ذلك نقول: كلام الأقران يُطوى ولا يُروى، والله أعلم([35]).

 

 

 

الحواشي

[1])) الجرح في اللغة: بالفتح التأثير في الجسم بالسلاح.

والتعديل في اللغة: التسوية وتقويم الشيء وموازنته بغيره، انظر «لسان العرب» (2/422) مادّة جرح (11/432) مادّة عدل وفي الاصطلاح قال ابن الأثير في «جامعه»: الجرح وصف متى التحق بالراوي، والشاهد سقط الاعتبار بقوله وبطل العمل به.

قلت: وكلام ابن الأثير محمول على من اشتد جرحهم.

قال: والتعدريل وصف متى التحق بهما اعتبر قولهما وأخذ به. اهـ.

وهذا أيضاً عنه محمول على رجحان جانب التعديل. انظر «جامع الأصول» (1/126).

[2])) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «النكت» (1/482): وذلك أن كل طبقة من نفاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط:

فمن الأولى: شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه.

ومن الثانية: يحيى القطان وعبدالرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبدالرحمن.

ومن الثالثة: يحيى بن معين، وأحمد، ويحيى أشد من أحمد.

ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري. اهـ.

([3]) قال العلامة المعلمي رحمه الله تعالى في أثناء ردّه على أباطيل الكوثري: «هذا وقد أكثر الأستاذ من رد توثيق ابن حبّان والتحقيق أنَّ توثيقه على درجات:

الأولى: أن يصرح به كأن يقول: «كان متقناً» أو «مستقيماً) أو نحو ذلك.

الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخيرهم.

الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يعلم أنَّ ابن حبان وقف على أحاديث كثيرة.

الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنّه قد عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.

الخامسة: ما دون ذلك.

فالأولى: لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلّها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل، والله أعلم.

قلت: ثم تكلّم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الحاشية وأثنى على صنيع المؤلف، ثم قال: غير أنّه قد ثبت لدينا بالممارسة أنَّ من كان منهم من الدرجة الخامسة فهو على الغالب مجهول لا يعرف، يشهد بذلك صنيع الحفّاظ كالذهبي، والعسقلاني، وغيرهما من المحققين. اهـ.

([4]) انظر السؤال رقم (201).

([5]) ذكر نحو ذلك الحافظ الذهبي في «ميزانه» (4/8) ترجمة محمد بن الفضل السدوسي عارم، قال الدّارقطني: تغيّر بآخره، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر وهو ثقة، فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله، فأين هذا القول من قول ابن حبان: الخساف المشهور في عارم، فقال: اختلط في آخر عمره وتغيّر، حتى كان لا يدري، ما يحدث به ومثله في ترجمة أفلح بن سعيد المدني: «فلهذه الشدة توقف العلماء عن قبول جرح ابن حبان، إذا عارضه توثيق غيره من الأئمة، وقال رحمه الله تعالى في ترجمة العلاء بن زهير الأزدي: «وثّقه يحيى بن معين» وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات، قلت: العبرة بتوثيق يحيى «الميزان» (3/101) .

([6]) قلت: وممن وصفه بالتعنت الحافظ ابن حجر في مواضع من كتابه «هجي الساري» وكذلك الذهبي قال في «السير»: «إذا وثّق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله فإنّه لا يوثّق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا ليَّن رجلاً، أو قال فيه: لا يحتج به فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثّقه أحد فلا تبني على تجريح أبي حاتم فإنّه متعنَّت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي، أن نحو ذلك، «السير» (13/260) وقال المعلمي في «تنكيله» (ص:547) أو حاتم معروف بالتشدد قلّما وجدته يقول في رجل: صدوق، إلا وقد وثّقه غيره. اهـ.

([7]) قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/82-83): مسلم بن الحجاج… وكان ثقة من الحفاظ له معرفة بالحديث سئل عنه أبي فقال: «صدوق».

([8]) قال الحافظ في «هدي الساري»: الجوزجاني كان ناصبياً منحرفاً عن علي فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان، والصواب موالاتهما جميعاً ولا ينبغي أن يُسمع قول مبتدع في مبتدع (390) وفي (446) الجوزجاني قلنا غير مرة: أنْ جرحه لا يقبل في أهل الكوفة لشدة انحرافه ونصبه. اهـ.

[9])) قلت: ويؤيد هذا المعلمي رحمه الله تعالى في «تنكيله» حيث قال:

وقد تتبعت كثيراً من كلام الجوزجاني في المتشيعين فلم أجده متجاوز الحد وإنّما الرجل لما فيه من النصب يرى التشيع مذهباً سيئاً وبدعة ضلالة وزيغاً عن الحق وخذلاناً… وقال في موضع آخر، وأمّا حط الجوزجاني على الشيعة واتضح أنّه لا يجاوز الحد وليس فيه ما يسوغ اتهامه بتعمد الحكم بالباطل… إلخ «التنكيل» (ص:245، 246، 296) وانظر كذلك كلام المؤلف حفظه الله في السؤال رقم (68).

وقال الذهبي رحمه الله في «ميزان الاعتدال» (1/76) ترجمة أبي إسحاق الجوزجاني قال: وقال ابن عدي في ترجمة إسماعيل بن أبان الورّاق، كما قال فيه الجوزجاني: «كان مائلاً عن الحق ولم يكن يكذب…» قال الذهبي فقوله في إسماعيل: مائلاً عن الحق يريد به ما عليه الكوفيون من التشيع. اهـ.

([10]) قلت: وممن نص على ذلك أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى قال في «مقدمته»: «لقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلّدين فأودع فيهما كثيراً مما لا يدل دليل على وضعه، وإنّما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث «الضعيفة». اهـ (109) وممن أشار إلى شدته في الرجال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في «ميزان الاعتدال» في ترجمة أبان بن يزيد العطّار، قال: قد أورده العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في «الضعفاء» ولم يذكر فيه أقوال من وثّقه وهذا من عيوب كتابه يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق وقال العلامة المعلمي رحمه الله تعالى -: إننا عرفنا من ابن الجوزي تسرعه في الحكم بالوضع والبطلان وترى إنكار أهل العلم عليه في كتب المصطلح في بحث الموضوع.

قال: ومن جملة ما أورده في الموضوعات وحدها أكثر من ثلاثين حديثاً رواها الإمام أحمد في «مسنده» ولعله أورد في (الواهيات» أضعاف ذلك… إلخ «التنكيل» (ص:343) وكذا في (ص:430) ففيها عدّ الشيخ رحمه الله تعالى جملة من أوهامه فلتراجع وانظر «السير» (11/26) و«تدريب الراوي» للسيوطي (1/278-279).

([11]) قال الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان»: طالعت الرد المذكور أي: «منهاج السنة، فوجدته كما قال السبكي في الاستيفاء لكن وجدته كثير التحامل إلى الغاية في  رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات لكنه ردّ في ردِّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حاله التصنيف مظانها لأنّه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره والإنسان عامد للنسيان. اهـ (6/319).

وهناك من ينفي تشدد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما تراه في كتاب «شيخ الإسلام ابن تيمية وجهوده في الحديث وعلومه» لمؤلفه عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي وقد ذهب إلى القول بتوسطه رحمه الله ونفى عنه التشدد، فليراجع (1/63-70) وانظر «الدرر الكامنة» (2/71) والله أعلم.

[12])) صرّح بذلك الحافظ رحمه الله تعالى في «لسان الميزان» ترجمة أحمد بن عيسى التستري قال: «قد احتج به النسائي مع تعنته» (1/387) وكذا في كتاب «موافقة الخبر الخبر» (ص:522) مجلس (128).

([13]) قال المعلمي في «التنكيل» (ص:255-256): «… فابن حبان قد يذكر في «الثقات» من يجد البخاري سماه في «تاريخه» من القدماء، وإن لم يعرف ما روى وعمّن روى ومن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربّما تعنّت فيمن وجد في روايته ما استنكره وإن كان الرجل معروفاً مكثراً؟ والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء وكذلك ابن سعد وابن معين والنسائي، وآخرون غيرهما يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد… إلخ. اهـ.

هذا وقد قرن الذهبي رحمه الله تعالى في «موقظته» (ص:79) بين النسائي وابن حبان في الاحتجاج برواية المجهول، فقال: «مجهول لا يلزم منه جهالة عينه فإن جهل عينه وحاله فأولى أن لا يحتجّ به وإن كان منفرداً عنه من كبار الأثبات فأقوى حاله ويحتج لمثله جماعة كالنسائي وابن حبان. اهـ.

([14]) صرح بذلك السّخاوي رحمه الله في «فتح المغيث» (1/293): ومن الأمثلة على تشدده ما ذكره الخطيب في «الكفاية» (ص:182-185)، وانظر «الميزان» (4/192) ترجمة المنهال بن عمرو الأسدي.

([15]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (24/349): وابن معين وأبو حاتم من أصعب الناس تزكية.اهـ.

([16]) قال الذهبي رحمه الله في «السير» (9/183): «كان يحيى بن سعيد متعنتاً في نقد الرجال فإذا رأيته قد وثق شيخاً فاعتمد عليه، أمّا إذا لين أحداً فتأنى في أمره حتى ترى قول غيره فيه… إلخ.

وقال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص:424) ترجمة عثمان بن فارس، ونقل البخاري عن علي بن المديني أنّ يحيى بن سعيد احتج به، ويحيى بن سعيد شديد التعنت في الرجال لا سيّما من كان من أقرانه. اهـ.

([17]) أقول: والدليل على ذلك ما قاله رحمه الله في «مستدركه» (1/216، 274) تعليقاً على حديث أبي هريرة مرفوعاً: «من أدرك الركوع أدرك الصلاة» صحيح الإسناد، ويحيى بن أبي سليمان من ثقات المصريين، وهو شيخ من أهل المدينة سكن مصر، ولم يذكر يجرح.

قال الشيخ الألباني رحمه الله في «الإدواء» (4/260) معلقاً على ذلك: لو سلم له ذلك فهل يلزم منه أنّه ثقة في حديثه؟ كلا، لكن مثل هذا القول من الحاكم يشعر اللبيب أنّ مذهبه في التوثيق كمذهب ابن حبان.

وقال الشيخ في «الضعيفة» (1/32-33): «أن ابن حبان متساهل في التوثيق فإنّه كثيراً ما يوثق المجهولين حتى الذين يصرح هو نفسه أنّه لا يدري من هو ولا من أبوه؟ كما نقل ذلك ابن عبدالهادي في «الصارم المنكي» ومثله في التساهل الحاكم كما لا يخفى على المتضلِّع بعلم التراجم والرجال فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن… إلخ.

أقول: وانظر من الأمثلة كذلك على تساهله رحمه الله ما وقع في «مستدركه» (1/119) قال في هذا حديث صحيح فإن كثيراً كوفي سكن البصرة، روى عنه يحيى بن سعيد وعيسى بن يونس، ولم يذكر بجرح، وكذا في (ص: 220، 222).

(تنبيه):

ذكر الشيخ المعلمي رحمه الله في «تنكيله» (ص:693): أن ذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بـ «المستدرك» دون كتبه في «الجرح والتعديل» اهـ.

قلت: وصنيع بعض العلماء يدل على إطلاق تساهل الحاكم رحمه الله كما مر معنا من كلام الشيخ الألباني رحمه الله إلا أنّ المعلمي رحمه الله قد عرف بالاستقراء والنقد التّام فالأمر يحتاج آلى مزيد بحث وتوسع، والله أعلم.

([18]) قال الخطيب رحمه الله في «الكفاية» (150): احتج من زعم أنّ رواية العدل عن غيره تعديل له بأن العدل لو كان يعلم فيه جرحاً لذكره، وهذا باطل؛ لأنّه يجوز أن يكون العدل لا يعرف عدالته، فلا تكون روايته عنه تعديلاً ولا خبراً عن صدقه، بل يروى عنه لأغراض يقصدها، كيف وقد وجد جماعة من العدول الثقات رووا عن قوم أحاديث أمسكوا في بعضها عن ذكر أحوالهم مع علمهم بأنّها غير مرضية، وفي بعضها شهدوا عليهم بالكذب في الراوية، وبفساد الآراء والمذاهب فمن ذلك… ثم ذكر رحمه الله أمثلة على ذلك، والله أعلم.

([19]) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة «لسان لميزان» (1/107):

قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلّته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر، ولو كان ممن يروي المناكير، ووافق الثقات في الأخبار لكان عدلاً مقبول الراوية؛ إذ الناس في أقوالهم على الصلاح والعدالة، حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، هذا حكم المشاهير من الرواة، فأمّا المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء، فهم متروكون على الأحوال كلها.

قلت الحافظ -: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة، إلى أن يتبين جرحه، مذهب عجيب، والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب «الثقات» الذي ألفه فإنّه يذكر خلقاً ممن ينص عليهم أبو حاتم وغيره على أنّهم مجهولون، وكأن عند ابن حبان جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور، وهو مذهب شيخه ابن خزيمة، ولكن جهالة حاله باقية عند غيره، وقد أفصح ابن حبان بقاعدته فقال:

العدل من لم يعرف فيه الجرح، إذ التجريح ضد التعديل، فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه، إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم.

وقال في ضابط الحديث الذي يحتج به: إذا تعَرَّى راويه من أن يكون مجروحاً أو فوقه مجروح أو دونه مجروح، أو كان سنده مرسلاً أو منقطعاً، أو كان المتن منكراً هكذا نقله الحافظ شمس الدين عبدالهادي في «الصارم المنكي» من تصنيفه، وقد تصرف في عبارة ابن حبان لكنه أتى بمقصده. اهـ وسيأتي الكلام حول ابن حبان ومنزلته في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل في الجزء الثاني السؤال الأول، والله أعلم.

([20]) روى الترمذي في «جامعه»: قال: «ثنا الحسن بن علي الخلال، ثنا أبو عامر العقدي، ثنا كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحلّ حراماً…» الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. اهـ «جامع الترمذي» (ص:253) باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصلح بين الناس، قال الذهبي في «الميزان» وكثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف بن زيد المزني المدني، عن أبيه، عن جده، وعن محمد بن كعب ونافع… قال ابن معين: ليس بشيء، قال الشافعي، وأبو داود: ركن من أركان الكذب وضرب أحمد على حديثه، وقال الدّارقطني وغيره متروك، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال مطرف بن عبدالله المدني: رأيته وكان كثير الخصومة، لم يكن أحد من أصحابنا يأخذ عنه، وقال ابن عمران القاضي: يا كثير! أنت رجل بطّال، تخاصم فيما لا تعرف وتدّعي ما ليس لك، وما لك بيِّنة فلا تقربني إلا أن تراني تفرغت لأهل البطالة، وقال ابن حبان: له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، وأمّا الترمذي فروى من حديثه: «الصلح جائز بين المسلمين» وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي. اهـ (2/354-355) قلت: وقد ذكره كذلك في جملة المتساهلين في رسالته «ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل» لأبي غدة (ص:172).

([21]) مثال ذلك ما جاء في باب (ما جاء في الوقت الأول من الفضل) حدّثنا قتيبة، ثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، عن إسحاق بن عمر، عن عائشة قالت: ما صلّى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة لوقتها آخر مرتين حتى قبضه الله، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب وليس إسناده بمتّصل. اهـ (1/328) رقم (174) لكن سيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك في السؤال (224) والله أعلم.

([22]) قال المعلمي في «تنكيله» (ص:255): والعجلي قريب من ابن حبان في توثيق المجاهيل من القدماء وكذلك ابن سعد وابن معين والنسائي وآخرون وغيرهما يوثقون من كان من التابعين، أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابعة أو شاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد… اهـ.

قلت: ويستدل على تساهله أيضاً بما جاء في ترجمة إبراهيم بن سالم بن أبي أمية، وثّقه ابن سعد وابن حبان، وقال الحافظ في «التقريب»: «صدوق» وصنيعه هذا يدل على تساهلهما، ومع ذلك فتضعيف ابن سعد فيه نظر لاعتماده على الواقدي.

قال المعلمي رحمه الله تعالى في «تنكيله» (ص:290): فليس ابن سعد في معرفة الحديث ونقده ومعرفة درجات رجاله في حد أن يقبل منه تليين من ثبته غيره على أنّه في أكثر كلامه إنّما يتابع شيخه الواقدي والواقدي تالف، وفي «مقدمة الفتح» في ترجمة عبدالرحمن بن شريح: «شذ ابن سعد، فقال منكر الحديث، ولم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا فإن مادته من الواقدي في الغالب، والواقدي ليس بمعتمد، وفي ترجمة محارب بن دثار قال ابن سعد: لا يحتجون به، قلت: بل احتج به الأئمة كلهم… ولكن ابن سعد يقلد الواقدي، وكذا في ترجمة نافع بن عمر الجمحي، والله أعلم.

([23]) قال المعلمي رحمه الله تعالى في «الأنوار الكاشفة»: وتوثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع. اهـ (ص:82) وللمؤلف تفصيل في ذلك وسيأتي إن شاء الله في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

([24]) قلت: ومما يستدل على ذلك توثيق لمحمد بن قاسم الأسدي، والرجل لا يسلم من «الضعف الشديد» وترجم له الحافظ بقوله: «كذّبوه» كما في «تقريبه» وكذا فقد وثق محمد بن أبي حميد، وقال: ثقة لا شك فيه، حسن الحديث روى عنه أهل المدينة، قلت: «والرجل أيضاً شديد الضعف لا يحتج به» وهناك غير ذلك من التراجم التي تدل على وجود شيء من التساهل فيه رحمه الله تعالى ولكن فيما ذكرته كفاية إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

([25]) قال الزيلعي في «نصب الراية» (1/356): «سنن الدارقطني مجمع الأحاديث المعلولة، ومنبع الأحاديث الغريبة، وقال في موضع آخر: والدارقطني في موضع آخر ملأ كتابه من الأحاديث الغريبة والشاذّة  والمعلة وكم من حديث لا يوجد في غيره (1/360).

قلت: ومما يعتبر نوع تساهل من الدارقطني مذهبه في قبول مجهول الحال مطلقاً وقد صرح بذلك رحمه الله تعالى في «سننه» (3/174) قال: وأهل العلم بالحديث لا يحتجون بخبر ينفرد بروايته رجل غير معروف وإنّما يثبت عندهم العلم بالخبر إذا كان راويه مشهوراً أو رجل قد ارتفع اسم الجهالة عنه، وارتفاع اسم الجهالة عنه أن يروي عنه رجلان فصاعداً فإذا كان هذه صفته ارتفع اسم الجهالة عنه وصار حينئذ معروفاً، وقلت: ولذلك عده الذهبي في «الموقظة» من المتساهلين وقد قيد ذلك فقال: ولكن في بعض الأوقات (ص:83).

([26]) ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «المتوسطين» انظر «النكت» (1/482).

[27])) انظر المصدر السابق.

([28]) انظر «الموقظة» للذهبي (ص:13).

([29]) أقول: وكنت أميل من قبل إلى القول بتشدده وذلك لقول ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» في ترجمة فضيل بن سليمان النمري سئل أبو زرعة عن فضيل بن سليمان فقال: «لين الحديث» روى عنه علي بن المديني، وكان من المتشددين (7/72) ثم أفادني الشيخ حفظه الله تعالى أن المراد من التشدد في هذه الترجمة ليس في باب الجرح والتعديل وإنّما يعني بذلك عدم الراوية عن الضعفاء وقد يشهد لكلام الشيخ ما جاء في ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي أبو عبدالله، ويقال أبو الحسن المدني، قال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد محمد بن عمرو كيف هو؟ قال: تريد العفو أو التشدد؟ قلت: لا بل أشد، قال: ليس هو ممن تريد. اهـ. فهذا يشهد لما ذكره من أن التشدد المذكور هنا هو عدم الراوية عن الضعفاء والله أعلم.

([30]) ومثاله ما ذكره الذهبي في «الميزان» ترجمة سليمان بن عبيدالله أبي أيوب الرقي وذكر قول ابن معين: سليمان بن عبدالله الرقي ليس بشيء، وذكر قبله بتراجم سليمان بن عبدالله أبو الوليد الرقي قال ابن معين: ليس بشيء تعقبه ابن حجر في «اللسان» في هذا فقال: ما أعلم أنَّ هذا غير أبي أيوب أم لا؟ بل لعله هو فقد ذكر المؤلف في ترجمته قول ابن معين هذا، قال المعلمي رحمه الله تعالى -: في «تنكيله» وابن حجر واسع الاطلاع وقد استدرك على الذهبي عدة أوهام. اهـ ثم اعتذر له بقوله: ويظهر أن الذهبي كان إذا ظفر باسم في مطالعاته قيّده في مذكراته ليلحقه في موضعه في «الميزان» فقد يقع التصحيف والوهم إما من المأخذ الذي نقل عنه الذهبي وإمّا من سرعة كتابة الذهبي في مذكراته وسيأتي تفصيل ذلك في السؤال رقم (102) إن شاء الله تعالى فليراجع. وانظر «التكيل» (479-480).

([31]) مثال ذلك ما جاء في ترجمة جعفر بن محمد الواسطي قال فيه الخطيب: ثقة، ولم يعتمد الحافظ على قوله، وقال: «صدوق» وكذا في أحمد بن حسين بن خراش وكذا في حمدان بن عمارة البغدادي وغيرهم كثير والله أعلم -.

([32]) قال شيخنا مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى في «مقترحه» (ص:38) السؤال رقم (32): والذي تحصل لي أن «التقريب» يحتاج إلى نظر ونحن لا نرجع إلى «التقريب» إلا إذا رأينا للعلماء المتقدمين عبارات مختلفة لا نستطيع التوفيق بين عباراتهم، نرجع إلى «التقريب» ونأخذ عبارة صاحب «التقريب» والله أعلم.

([33]) وانظر ذلك في السؤال رقم (50).

([34]) انظر السؤال رقم (134) فهو خاص بمحمد بن حميد الرازي والكلام عن حاله، والله أعلم فليراجع.

وانظر «الكفاية» (ص/175) قال حماد بن سلمة بلدي الرجل أعرف بالرجل. اهـ.

([35]) قال الذهبي رحمه الله في «ميزان الاعتدال» (1/111): كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به لا سيّما إذا لاح لك أنّه لعداوة، أو لمذهب أو لحسد وما ينجو منه إلا من عصم الله وما علمت عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين ولو شئت لسردت في ذلك كراريس اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. اهـ.