رجل سمع من محدَّث ذُكر بأنَّه اختلط، كيف نعرف أنّ هذا الرجل سمع قبل الاختلاط أو بعده؟
معرفة هذا تكون بنصوص الأئمة، وبالأقوال الثابتة عنهم، والحمد لله – عزّ وجلّ – فقد صنِّفت كتب في هذا الباب، وبينت الرواة الذين اختلطوا، أو الرواة الذين تغيروا، والتلامذة الذين رووا عنهم في زمن الاستقامة، والتلامذة الذين رووا عنهم بعد اختلاطهم، والتلامذة الذين رووا عنهم في الحالتين، فيرجع في كل ترجمة إلى موضعها من هذه الكتب وهي والحمد لله موجودة ومتداولة([1]).
والعلماء يعرفون استقامة الراوية أيضاً أو اختلاطها بالتاريخ، كأن يكون التلميذ لقي شيخه، وأخذ عنه في سنة كذا، ثم مات التلميذ، أو أنّ الشيخ ما تغير إلا بعد موت هذا التلميذ، وقد ينظرون في روايته فيجدونها صحيحة مستقيمة عنه، فيدل هذا على أنّه حدّث بها أيّام استقامته، وقد يكون المختلط هذا في زمن اختلاطه جاءه أحد الأئمة وقال له: لا أسمع منك إلا من أصولك، فاخرِج ليّ أصولك، أو أخرج ليّ كتبك، والرجل الذي تغير أو اختلط، أو ساء حفظه، أو يقبل التلقين، إنّما يضره أو يضر حديثه إذا حدَّث من حفظه، أمّا إذا حدث من كتابه أو من أصوله، فلا يضر حديثه([2])، كما سيأتي في رواية العبادلة عن ابن لهيعة وغير العبادلة الذين رووا عنه من أصوله([3]).
· بقي أن يقال: هل هناك فرق بين قولهم: «فلان مختلط» و«فلان تغيّر»؟
نعم هناك فرق، فالتغير أخف من الاختلاط، وقد صرّح بذلك الحافظ الذهبي – رحمه الله – عندما ردّ على ابن القطان في كلامه على هشام بن عروة([4])، وبيَّن ذلك أيضاً في رواية معمر بالبصرة، والاختلاط كأن يقلب الإسناد، وأمّا التغير فالراوي يهم في اسم الشيخ فيقلب اسم الأب أو يؤخره عن الجد([5]).
([1]) قلت: ومن الكتب التي صنفت في هذا الباب كتاب «الاعغتباط بمن رمي بالاختلاط» للحافظ سبط بن العجمي، وكتاب «الكواكب النيِّرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال – رحمه الله -.
([2]) قال الشيخ زكريا الأنصاري – رحمه الله – في حاشية «التبصرة والتذكرة» للعراقي (2/264): فما روى لمختلط في اختلاطه أو اشتبه فلم يدر أحدّث بالحديث قبل اختلاطه أو بعده سقط ما رواه مما اعتمد فيه على حفظه بخلاف ما اعتمد فيه على كتابه. اهـ.
([3]) انظر ذلك مفصّلاً في السؤال رقم (40).
([4]) قال الإمام الذهبي – رحمه لله تعالى – في «السير» (6/35-36) ترجمة هشام بن عروة: «قلت: الرجل حجة مطلقاً ولا عبرة بما قاله الحافظ أبو الحسن القطّان من أنّه هو وسهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيّرا، فإنّ الحافظ قد يتغيّر حفظه إذا كبر وتنقص حدَّة ذهنه فليس هو في شيخوخته، كهو في شيبته، وما ثمّ بمعصوم من السهو والنسيان وما هذا التغير بضارٍ أصلاً؛ وإنّما الذي يضر الاختلاط، وهشام فلم يختلط قط، هذا أمر مقطوع به، وحديثه محتجٌّ به في «الموطأ» و«الصحاح»، و«السنن» فقول ابن القطّان: «أنه اختلط» قول مردود، مرذول، فأرِني إماماً من الكبار سلم من الخطأ والوهم فهذا شعبة وهو من الذروة له أوهام، وكذلك معمّر، والأوزاعي، ومالك – رحمة الله عليهم – اهـ وله في «الميزان» (7/85-86) قال:
هشام بن عروة أحد الأعلام – حجة إمام لكن في الكبر تناقص حفظه، ولم يختلط أبداً، ولا عبرة بما قاله أبو الحسن القطّان من أنّه وسهيل بن أبي صالح اختلطا، وتغيّرا؟! نعم، الرجل تغيّر قليلاً، ولم يبقَ حفظه كهو في حال الشبيبة، فنسي بعض محفوظه أو وهم، فكان ماذا؟! أهو معصوم من النسيان؟!
ولما قدم العراق في آخر عمره حدّث بجملة كثيرة من العلم، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجوّدها، ومثل هذا يقع لمالك، ولشعبة، ولوكيع، ولكبار الثقات، فدع عنك الخبط وذرْ خلط الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلطين، فهشام شيخ الإسلام ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطّان… إلخ. اهـ.
وانظر الفرق بين الاختلاط والتغيير بتوسع أكبر في «شفاء العليل» (ص:440-442)، وكذلك «المقترح» لشيخنا مقبل بن هادي – رحمه الله – في السؤالين (61، 166) والله أعلم.
([5]) الاختلاط لغةً: قال في «اللسان» (7.294-295): اختلط فلان؛ أي: فسد عقله، ورجل خلط بين الخلاطة أحمق مخالط العقل، ويقال: خولط الرجل فهو مخالط، واختلط عقله فهو مختلط إذا تغير عقله.
واصطلاحاً: قال السخاوي في «فتح المغيث» (3/366): وحقيقته: فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال، إمّا بخرف أو ضرر أو مرض من موت ابن وسرقة مال كالمسعودي، أو ذهاب كتب كابن لهيعة، أو احتراقها كابن الملقن. اهـ.