لماذا عيب على حماد بن سلمة جمعه للروايات؟
مسألة جمع الراويات عبارة عن قول الراوي: حدّثني فلان، وفلان، وفلان، وهذا لا يقبل من الراوي إلا إذا كان ثقة حافظاً، فإذا كان من الحفّاظ الأثبات قُبِلَ منه جمعه للروايات، أمّا إذا كان صاحب أوهام، فقد يكون هذا من أوهامه، وحمّاد بن سلمة على إمامته، وشهرته في الفضل والثقة، إلا أنّه قد تكلّم فيه بعض الأئمة من قبل حفظه، وهذا يدل على أنّهم لا يقبلون منه، إذا قال: حدّثني فلان، وفلان، أي إذا جمع؛ أمّا إذا قال: حدّثني فلان فقط، فهذا يدل على تثبّته([1])، والحفّاظ لا يضرهم الجمع في الراويات – كما سبق -.
ألا ترى أن الإمام مسلم بن الحجاج – رحمه الله تعالى – في «صحيحه» قد يقول: حدّثني فلان، وفلان، وفلان، وقد يعد خمسة من المشايخ، ويقول: قال فلان: حدّثنا، وقال الآخرون: أخبرنا، فهذا من تمام الثقة والضبط والإتقان، فإنه يحفظ الحديث عن عدّة مشايخ، ثم يفصل عبارات التحمل وهي قول المحدث: «حدّثنا»، و«أجبرنا»، فيفصل ألفاظ كل راوٍ عن الآخر([2]).
والعلّة في الجمع أنَّ صاحب الأوهام قد يجمع الشيخ مع بعض المشايخ، ويقول: حدّثني فلان، وفلان، وفلان، وهذا الجمع فيهم الثقة، وفيهم الضعيف، ثم يسوق حديثهم سياقة واحدة، وقد يكون أحد الضعفاء الذين أخذ الحديث عنهم قد تفرد بلفظه ينبني عليها حكم، فحين ساق الحديث سياقه واحدة عن عدة مشايخ فيهم الثقة وفيهم الضعيف، أصبحنا في ريبة من أمره، وما ندري هل هذا اللفظ من رواية الثقة، أو من رواية الضعيف؟ وأيضاً قد يكون صاحب الأوهام لم يتأكد من ذا الذي حدّثه بهذا الحديث؟ فيتوهم أنّه فلان، ثم يتوهّم أنَّه آخر، فيجمع بين المشايخ، فحين ذاك لا يقبل هذا إلا من الإمام المتقن؛ لأنه مميز لرواية فلان عن غيره، ويميز رواية الثقة عن غيره.
وليس حماد بن سلمة وحده هو الذي يتكلّم فيه الأئمة من قبل هذا الشيء، فقد تكلّموا في كثير من رواة الأحاديث بذلك، والله أعلم([3]).
الحواشي
([1]) قال أبو يعلى الخليلي في كتابه «الإرشاد» (1/417-418): ذاكرت بعض الحفاظ، قلت: لِمَ لم يدخل البخاري حمّاد بن سلمة في الصحيح؟ قال: لأنّه يجمع بين جماعة من أصحاب أنس، يقول: ثنا قتادة، وثابت، وعبدالعزيز بن صهيب، عن أنس وربّما يخالف في ذلك، فقلت: (أليس) ابن وهب اتفقوا عليه، وهو يجمع بين أسانيد، فيقول: حدّثنا مالك وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، والأوزاعي بأحاديث ويجمع بين جماعة غيرهم؟! فقال ابن وهب: أتقن لما يرويه وأحفظ له اهـ. قال ابن رجب في «شرح العلل» (2/816).
ومعنى هذا: أنّ الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أنّ لفظهم لم يتّفق، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتّفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره… إلخ.
وهذا وقد أخرج البخاري لحماد بن سلمة في «الشواهد» قال الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» (ص:419): حماد بن سلمة بن دينار البصري أحد الأئمة الأثبات، إلا أنّه ساء حفظه في الآخر، استشهد به البخاري تعليقاً ولم يخرج له احتجاجاً، ولا مقروناً، ولا متابعة إلا في موضع واحد… إلخ.
([2]) انظر بعض الأمثلة على ذلك في «شفاء العليل» الباب الثالث (ص:353-354).
[3])) ذكر بعضهم ابن رجب – رحمه الله تعالى – في شرحه لـ «علل الترمذي» (2/816-817).