الأسئلة الحديثية

بقيّة بن الوليد يدلّس عن سعيد بن عبدالجبّار الزبيدي، وزرعة بن عمر الزبيدي، موهماً أنّه محمد بن الوليد صاحب الزهري، ويقول: حدّثني الزبيدي، وسعيد بن عبدالجبار وزرعة كلاهما ضعيف، فكيف نعرف الثقة من الضعيف؟

بقيّة بن الوليد يدلّس عن سعيد بن عبدالجبّار الزبيدي، وزرعة بن عمر الزبيدي، موهماً أنّه محمد بن الوليد صاحب الزهري، ويقول: حدّثني الزبيدي، وسعيد بن عبدالجبار وزرعة كلاهما ضعيف، فكيف نعرف الثقة من الضعيف؟

هذا من تدليس الشيوخ: أن يأتي الشيخ المدلّس إلى شيخه ويعمي أمره على الناظر فيه، فيذكره بغير ما اشُتهِرَ به، وقد يكون للمدلّس شيخان باسم واحد، ويشتركان أيضاً في اسم الأب، ويفترقان في اسم الجد،

وهذه مسألة كنت ألقيتها على الأخوة كسؤال، فقلت لهم: مدلّس روى الحديث عن شيخه بصيغة السماع، قال: حدّثني فلان، عن فلان، ومع ذلك لا يزال العلماء يقولون: إنّه مدلس، مع أنّه قد صرّح بالسماع، وهذا شيخه معروف بالراوية عنه، كيف يعد مدلّساً وقد صرّح بالسماع؟

الجواب على ذلك: أنّ المدلّس له شيخان يشتركان في الاسم، واسم الأب، ويختلفان في اسم الجد، وأحد الشيخين ثقة، والآخر ضعيف، فيأتي المدلس هذا ويقول: حدّثني فلان بن فلان، ولا يقول الفلاني، أو ابن فلان فلا يذكر اسم الجد، ولا البلد التي يتميّز بها الثقة من الضعيف، فلا يزال مدلساً مع أنّه قد صرّح بالسماع، فمِنْ هذا فِعْلُ بقية المسؤول عنه، وقد تكلّم على ذلك الشيخ المعلمي – رحمه الله تعالى – في تحقيقه «الفوائد المجموعة» للشوكاني – رحمه الله – فلتراجع – والعلم عند الله تعالى ([1]).

وبالنسبة لما ورد في السؤال فالطريق إلى التمييز يكون بالرجوع للمطوّلات من كتب الجرح والتعديل، فإن ظهر لنا شيء عملنا به، وإلا فنقف من أجل صنيع المدلس الذي وعّر علينا الطريق، والله أعلم.

 

 

الحواشي



[1])) قال الشيخ المعلمي رحمه الله تعالى تعليقاً على حديث: «من حدّث حديثاً فعطس عنده فهو حق»، قال: وهو منكر جداً سنداً ومتناً، ولبقية شيخان، أحدهما: معاوية بن يحيى الصدفي، «هالك»، والآخر: معاوية بن يحيى الأطرابلسي ذهب الأكثر إلى أنّه أحسن حالاً من الصدفي ووثّقه بعضهم، وعكس الدّارقطني وذكر أنَّ مناكيره أكثر من مناكير الصدفي، وأيهما الواقع في السند؟ ذهب جماعة إلى أنّه الأطرابلسي لأنّه قد عرف له الراوية عن أبي الزناد وذهب آخرون إلى أنّه الصدفي لأنّ هذا الخبر أليق به، ولأنّه كان يشتري الصحف فيحدّث بما فيها غير مبال أسَمِعَ أم لم يسمع، ويقوي هذا؛ أنّ بقية مدلس، ولا يجهل أن الأطرابلسي عند الناس أحسن حالاً من الصدفي، فلو كان شيخه في هذا الخبر هو الأطرابلسي لصرح به. اهـ «الفوائد المجموعة» (ص:224-225).

ويتلخص لنا من كلام المعلمي السابق أننا نستطيع التفرقة بين شيخي المدلس بأمور. منها:

أولاً: بالنظر في ترجمة الشيخين المختلف عليهما فأيهما أدرك شيخه أو سمع منه فهو المقدم.

ثانياً: النظر في صفة تحمل المدلس فإن عنعن فالظاهر أنّه ما عنعن إلا عن الضعيف، إذ لو كان الثقة لصرّح به وأظهر أمره.

ثالثاً: ينظر في حال الخبر فإن كان في الخبر نكارة فالظاهر أنّها ما أتت إلا من قبل الضعيف، وقد عقد الخطيب البغدادي رحمه الله باباً في ذلك فقال في «الكفاية» (ص:528-529) باب (0القول في الرجلين يشتركان في الاسم والنسب، فتجيء الراوية عن أحدهما من غير بيان وأحدهما عدل والآخر فاسق» ثم قال: مثال ما ذكرناه: إسماعيل بن أبان الغنوي شيخ كان بالكوفة «غير ثقة» وإسماعيل بن أبان الوراق كان بها أيضاً «ثابت العدالة» وقد ذكرهما يحيى بن معين… وكان يعقوب بن شيبة بن الصلت قد كتب عنهما جميعاً، فلو ورد حديث ليعقوب عن إسماعيل بن أبان لم يبين في الراوية، أي الرجلين هو، ولا عرف السامع ما تمييز ذلك من جهة العلم بشيوخهما، والاستدلال بروايتهما، وجب التوقف فيه، وترك العمل به، لأنّه لا يؤمنَ أن يكون رواية الغنوي الذي ثبت جرحه. ثم ذكر رحمه الله أمثلة أخرى. اهـ.