الأسئلة الحديثية

هل صحّ عن شعبة أن قال: لأن أزني أحب إليَّ من أن أدلس؟

هل صحّ عن شعبة أن قال: لأن أزني أحب إليَّ من أن أدلس؟

نعم، هذا القول مشهور عنه، ولا أعلم فيه طعناً([1])، وجاء في بعض الراويات لأن أربي بالراء المهملة، والباء الموحدة، أي: لأن أقع في الربا أحب إليّ من أن أدلس، والظاهر أنّه تصحيف، فإن ذاك هو القول المشهور عنه، ولعلّ البعض يسأل ويقول: كيف يقول هذه المقالة والزنا كبيرة من الكبائر، والتدليس ما وصل إلى هذا الحد؟

والجواب: أنَّ الظاهر أنَّه خرج مخرج الذم والتنفير وإظهار مدى عيب التدليس، والكلمة ليست مقصودة في حقيقتها، ولكن المقصود منها: التنفير وبيان قبح التدليس في نظر السامعين([2])، والله أعلم.([3])



([1]) جاء في «الكفاية» للخطيب رحمه الله (ص:508) «باب الكلام في التدليس وأحكامه»: أخبرنا أبوبكر البرقاني قال أنا محمد بن عبدالله بن حمرويه الهروي، قال: أنا الحسين بن إدريس، قال: ثنا ابن عمار، قال: سمعت المعافى يقول: سمعت شعبة يقول: «لأن أزني أحب إليّ من أن أدلس، فقلت له: يا أبا مسعر! ما تقول أنت في التدليس؟ قال: أدنى ما فيه التزين. اهـ وإسناده: صحيح.

وجاء في «المجروحين» لابن حبان (1/92): أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، قال: سمعت محمد بن منصور قال: سمعت عفان يقول: سأل رجل شعبة عن حديث فقال: لأن أخر من السماء أحبُّ إليّ من أن أدلس. اهـ وإسناده صحيح.

وانظر «سير أعلام النبلاء» (7/210) والله أعلم.

([2]) قال ابن الصلاح رحمه الله تعالى في «مقدمته» (ص:170): وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير، وتعقبه البلقيني فقال: والذي قاله شعبة ظاهر فإنَّ آفة التدليس لها ضرر كبير في الدين وهي أضر من أكل الربا، وقد جاءت أحاديث محتج بها تدل على أنَّ أكل درهم ربا أشر من الزنا على وجوه مروية… إلخ.

أقول: والصواب ما قاله ابن الصلاح رحمه الله لأنَّ التدليس قد فعله أئمة كبار وأكثروا منه ولم يزحزحهم ذلك عن مكانتهم فضلاً عن تجريحهم أو تفسيقهم، إلا أن يحمل كلام البلقيني على نوع خاص من التدليس من بعض الرواة المجروحين أصلاً أو يحمل على تصرف بعض المدلسين الذين يعرفون ضعف مشايخهم ومع ذلك يسقطونهم ليروجوا روايتهم الضعيفة والساقطة والله أعلم.

([3]) هذا ومع ذم شعبة الشديد للتدليس إلا أنّه لم يسلم من التهمة بذلك وقد دافع عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث قال في «النكت» (2/628-630):

قال القاضي أبو الفرج المعافي النهرواني في «كتاب الجليس والأنيس» له في المجلس الثالث والخمسين منه: كان شعبة ينكر التدليس ويقول فيه ما يتجاوز الحد مع كثرة روايته عن المدلسين ومشاهدته من كان مدلّساً من الأعلام، كالأعمش والثوري وغيرهما إلى أن قال: ومع ذلك فقد وجدنا لشعبة مع قوله في التدليس تدليساً في عدة أحاديث رواها وجمعنا ذلك في موضع آخر. اهـ.

قال الحافظ: وما زلت متعجبِّباً من هذه الحكاية شديد التلفت إلى الوقوف على ذلك ولا أزداد إلا استغراباً لها واستبعاداً إلى أن رأيت في فوائد أبي عمرو بن أبي عبيد بن مندة وذلك فيما قرأت على أم الحسن بنت المنجا ثم ساق السند إلى شعبة قال: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت فقال: أبو قزعة حدّثني مهاجر المكي أنّه سأل جابر بن عبدالله الحديث .

ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي قزعة بأربعة أحاديث هذا أحدها يعني ليس فيه عمرو بن دينار، قال الحافظ قلت: هذا الذي قاله أحمد على سبيل الظن وإلا فلا يلزم من مجرد هذا أن يكون شعبة دلس في هذا الحديث لجواز أن يكون سمعه من أبي قزعة بعد أن حدّثه عمرو عنه، ثم وجدته في «السنن» لأبي داود عن يحيى بن معين عن غندر عن شعبة، قال: سمعت أبا قزعة:… فذكره فثبت أنَّه ما دلّسه، والظاهر الذي زعم المعافي أنّه جمعه كله من هذا القبيل وفي «طبقات المدلّسين» وكيف يظن بشعبة التدليس وهو القائل: لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أقول: عن فلان ولم أسمعه منه، وهو القائل: لأن أزني أحب إليّ من أن أدلّس. اهـ (ص:185).

للتواصل معنا