الأسئلة الحديثية

لماذا لا نقول هنا بقاعدة المثبت مقدم على النافي؟

لماذا لا نقول هنا بقاعدة المثبت مقدم على النافي؟

إذا اتفق أهل الحديث على شيء، فالقول قولهم([1])، بل وإن كان بعضهم يصرح بعدم السماع، فأنا لا تطمئن نفسي إلى مجرد تصريح راوٍ في «مسند الإمام أحمد» مثلاً بأنّه قد سمع؛ لأن هناك فرقاً بين تصريح راوٍ بالسماع، وبين نقد إمام من الأئمة، فتصريح الراوي هذا محتمل أن يكون قد تصحف، ومحتمل أن يكون من وهم التلامذة، ومحتمل أن يكون من رواية التلامذة بالمعنى، فظنّوا أنَّ العنعنة لا تضر؛ لأنّ الرجل غير مدلس، فحملوها على السماع، فصرَّحوا بالسماع بينه وبين شيخه، أو لكونهم لا يعرفون طبقات الرواة وسماعاتهم، فوقع ما وقع منهم دون تنبه لذلك.

وهذا يختلف عن تصريح إمام من الأئمة بالسماع، فحين ذاك يتنزل قولهم: المثبت مقدم على النافي.

أمّا تصريح راوٍ مع مخالفة أئمة النقد الذين أفنوا أعمارهم في معرفة هذا الشأن، ويأتي راوٍ في «مسند الإمام أحمد»، أو في «السنن»، أو في «مصنف ابن أبي شيبة» أ, في غيره من الكتب، ويقول: حدّثني فلان، فهذا لا تنزل عليه قاعدة: المثبت مقدم على النافي، لأننا نقول: إنّ النافي أعلم بهذا الشأن من المثبت، والأمر الثاني: أن احتمال التصحيف والراوية بالمعنى كل هذا يضعف جانب الإثبات.

ولو نظرنا في «شرح علل الترمذي» للحافظ ابن رجب([2]) – رحمه الله – لوجدناه قد نقل نصوصاً كثيرة للعلماء، في رد تصريحات كثيرة من الرواة بالسماع في بعض الأسانيد، والله أعلم.



([1]) قال أبو حاتم: الزهري لم يسمع من أبان بن عثمان شيئاً، لأنّه لم يدركه وأدرك من هو أكبر منه، ولكن لا يثبت له السماع منه، كما أن حبيب بن أبي ثابت لا يثبت له السماع من عروة بن الزبير وهو قد سمع ممن هو أكبر منه، غير أنَّ أهل الحديث قد اتفقوا على ذلك واتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة. اهـ «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص:192) رقم (703).

([2]) انظر «شرح الععل لابن رجب» (2/590-596) وقد سبق نصه قبل تعليقتين.

للتواصل معنا