الأسئلة الحديثية

قول أحدهم في راوٍ: «مشهور بالطلب»، هل هو مدح، أو قدح؟ وإذا لم نجد في الترجمة إلاّ هذه العبارة، فما حال صاحب الترجمة؟

قول أحدهم في راوٍ: «مشهور بالطلب»، هل هو مدح، أو قدح؟ وإذا لم نجد في الترجمة إلاّ هذه العبارة، فما حال صاحب الترجمة؟

نص كثير من علماء الحديث على أن من قيل، فيه: مشهور بالطلب، فالأصل في حديثه الصحة؛ لأنَّ الكلام في الرواة جرحاً، أو تعديلاً، ناتج عن كون الأئمة تتبعوا الرواة، وحكموا عليهم حسب ما بلغهم من العلم بأحوالهم، والرجل المشهور بالطلب؛ معروف بسبب شهرته ورحلته، فلماذا لم يتكلّموا فيه بالجرح؟ فإذا رأينا المحدثين لم يجرِّحُوه، مع شهرته، دلَّ ذلك على توثيقه، وكثير من العلماء أو من الرواة عُدِّلوا من قبيل الشهرة، وكثرة الثناء عليهم، وإن كانت الشهرة وحدها ليست كاجتماع الشهرة مع الثناء، والمشهور بالطلب يحمل حديثه على الصحة حتى يثبت خلاف ذلك.

ذكر ذلك ابن الصلاح والحفاظ الذهبي والمزي، وابن حجر، والسخاوى – رحمهم الله – وممكن أن تراجع هذه المسألة في «فتح المغيث» للسخاوي([1]).

واعلم أن الاشتهار بالطلب، أو كثرة الاشتغال بجمع الحديث، يؤدي ذلك بدوره إلى الضبط والإتقان، فمن هنا عُدِّل من كان هذا حاله، لكن يخشى أن تكون هذه مسألة نظرية، ليس لها واقع عملي، فينظر هل هناك مشهور بالطلب، ولم يوثق، ولم يجرح؟ وإن وجد فهو نادر، وهم الذين يقال فيهم: «رحال أو محدث» ونحو ذلك، والله أعلم.



([1]) قال الخطيب رحمه الله تعالى -: حدثني محمد بن عبيدالله المالكي أنّه قرأ على القاضي أبي بكر محمد بن الطيب قال: «والشاهد والمخبر إنّما يحتاجان إلى التزكية» متى لم يكونا مشهوري العدالة والرضا، وكان أمرهما مشكلاً ملتبساً، ومجوزاً فيه العدالة وغيرها.

قال الخطيب: والدليل على ذلك أن العلم بظهور سترهما، واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة في تعديله وأغراض داعية لهما إلى وصفه بغير صفته وبالرجوع إلى النفوس يعلم أن ظهور ذلك من حالة أقوى في النفس من تزكية المعدل لهما فصح بذلك ما قلناه، ويدل على ذلك أيضا أنّ نهاية حال تزكية المعدّل أن يبلغ طهور ستره، وهي لا تبلغ ذلك أبداً، فإذا ظهر ذلك فما الحاجة إلى التعديل، أخبرنا عبدالرحمن بن عثمان الدمشقي في كتابه إلينا قال أنا أبو الميمون البجلي قال: ثنا أبو زرعة عبدالرحمن بن عمرو، قال: أخبرني عبدالرحمن بن إبراهيم، عن الوليد بن مسلم، قال ابن جابر: لا يؤخذ العلم إلا عمن شهد له بالطلب، قال أبو زرعة: فسمعت أبا مسهر يقول: إلا جليس العالم، فإن ذلك طلبه.

قال الخطيب: أراد أبو مسهر بهذا القول: أن من عرفت مجالسته للعلماء وأخذه عنهم أغنى ظهور ذلك من أمره أن يسأل عن حاله والله أعلم «الكفاية» (ص:148-149).

هذا وقد يحمل كلام الخطيب رحمه الله على من استفاضت عدالته والله أعلم.

وقال السخاوي رحمه الله في «فتح المغيث» (1/322-328): وقال الذهبي رحمه الله -: أنَّه حق ولا يدخل في ذلك المستور فإنه غير مشهور بالعناية بالعلم فكل من اشتهر بين الحفاظ بأنّه من أصحاب الحديث وأنّه معروف بالعناية بهذا الشأن، ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تبيناً، ولا اتفق لهم علمٌ بأن أحداً وثقه فهذا الذي عناه الحافظ، وأنّه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح… إلخ اهـ.

للتواصل معنا