الأسئلة الحديثية

هل اتفاق الحفاظ على تصحيح الحديث أو تضعيفه يكون حجة؟ وهل هم داخلون تحت حديث: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»؟

هل اتفاق الحفاظ على تصحيح الحديث أو تضعيفه يكون حجة؟ وهل هم داخلون تحت حديث: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»؟

لا شك أنَّ اجتماعهم على شيء يكون حجة، كما صرح بذلك أبو حاتم الرازي، ونقله عنه ابنه في «المراسيل»، وإذا اتّفق الحفّاظ على ذلك فهم داخلون في هذا الحديث؛ لأنّ معنى الحديث أن لا يجتمع أهل الشأن من أهل العلم على ضلالة، فلو جئنا مثلاً إلى علم الحديث: فلسنا في حاجة إلى تضعيف أو تصحيح واحد ما يعرف علوم الحديث، ولسنا أيضاً في حاجة إلى اجتماع العامة، فالعامة في هذا هم تبٌ للعلماء، والمتخصصون في هذا الشأن إجماعهم حجة على غيرهم، وليس إجماعهم كإجماع الأمّة كلّها فقهائها، ومحدِّثيها، وعوامها، وعلمائها، ليس هذا الإجماع في النفس كإجماع الآخرين، إلا أن المتخصصين في الشأن حجة على غيرهم، فإذا اتّفق أهل الحديث على إعلال حديثٍ ما، وجاء الفقهاء أ, الأصوليون بخلاف ذلك، ما قُبل كلام الفقهاء والأصوليين، والقول قول أهل الشأن، وكذلك إذا كان القراء قد اتفقوا على قبول قراءة معيّنة أو حرف معين، أو على الحكم بشذوذ حرف معين، فلا نسمع كلام رواة الأحاديث الذين هم ليسوا من أهل الشأن؛ لأنَّه كم من حامل للعلم وهو غير فقيه، «ورب حامل فقه غير فقيه»([2])، وكم من محدث ناقل فقط، لا يعرف ماذا في المتن الذي يحمله، فهناك علوم رواية، وعلوم دراية، وعلوم الدراية للعلماء والنقاد، ونحن طلاب العلم نرجع في كل علم إلى أهله، فاتفاقهم على شيء نقبله، دون أن نفتح باب الزعزعة في اتفاقهم، لكن إن اختلفوا رجعنا إلى القواعد، وعملنا بالقاعدة الراجحة في موضعها، مع العلم بأنَّهم لا يتفقون على تضعيف الحديث عن هوى!! فكيف اتفقوا وكل واحد منهم في بلد، هذا في مصر وذلك في خراسان، وذلك في الشام، وذاك في اليمن وذاك في الحجاز، وهؤلاء في عصر، وأولئك في عصر آخر، وجميعاً تتواتر كلمتهم، فكثير منهم ما تقابلت وجوههم، ومع ذلك تتفق كلمتهم، فدلّ على أنَّ هذا الكلام ما جاء عن هوى، ولا خرج عن استحسان، وإلا فلو استحسنوا لاختلفوا، ولكن نظروا في الحديث على أساس قواعد محكمة متقنة، فاتّفقت كلمتهم على اختلاف أعصارهم وأمصارهم وبلدانهم ومذاهبهم، والله أعلم([3]).




([2]) متفق عليه، وقد تكلّمت على طرقه بتوسع في «تحفة القاري بدراسة وتحقيق فتح الباري» كتاب العلم برقم: (62) المؤلف.

([3]) قال ابن أبي حاتم في أول كتاب «الجرح والتعديل» (1/349-350): سمعت أبي يقول: جاءني رجل من جلة أصحاب الرأي، من أهل الفهم منهم ومعه دفتر، فعرضه عليّ، فقلت في بعضه: هذا حديث خطأ، قد دخل لصاحبه حديث في حديث، وهذا باطل، وهذا منكر، وسائر ذلك صحاح، فقال: من أين علمت أنَّ ذاك خطأ وذاك باطل، وذلك كذب؟ أأخبرك راوي هذا الكتاب بأنّي غلطتُ، أو بأني كذبت في حديث كذا؟

قلت: لا، ما أدري هذا الجزء من راويه، غير أنّي أعلم أن هذا الحديث خطأ وأنّ هذا الحديث كذب، فقال: تدّعي الغيب؟ قلت: ما هذا ادِّعاء غيب، قال: فما الدليل على ما قلت؟ قلت: سَلْ عمَّا قلت: من يحسن مثلَ ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنّا لم نجازف، ولم نقله إلا بفهم، قال: من هو الذي محسن مثل ما تُحسن؟ قلت: أبو زرعة، قال: ويقول أبو زرعة كقولك؟ قلت: نعم، قال: هذا عجبُ قال: فكتب في كاغد ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إليَّ وقد كتب ألفاظ ما تكلّم به أبو زرعة في تلك الأحاديث فقال: ما قلت أنّه كذب، قال أبو زرعة: هو باطل، قلت: الكذب والباطل واحد، قال: وما قلت: إنَّه منكر، قال: هو منكر، كما قلت وما قلت إنّه صحيح، قال: هو صحيح، ثم قال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأةٍ فيما بينكما، قلتُ: فعند ذلك علمت أنا لم نجازف، وأنّا قلنا بعلم ومعرفة قد أوتيناه والدليل على صحة ما نقوله: أنّ ديناراً بهرجاً يحمل إلى الناقد، فيقول: هذا بُهرج فإن قيل له: من أين قلت: إن هذا بهرج؟ هل كنت حاضراً حين بُهرج هذا الدينار؟ قال: لا، وإن قيل: أخبرك الذي بهرجَه؟ قال: لا قيل فمن أين قلت؟ قال: عِلماً رزقنا معرفة ذلك وكذلك إذا حُمل إلى جوهري فصّ ياقوتٍ وفصّ زجاج، يعرف ذا من ذا، ويقول كذلك وكذلك صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون كلام النبوة، ونعرف سقمه، وإنكاره بتفرد من لم تصلح عدالته. اهـ.

للتواصل معنا