الأسئلة الحديثية

ذكروا أن ابن حبان متشدد في التجريح، ومتساهل في التوثيق، فكيف يجمع بين التشدد في هذا والتساهل في ذلك، مع أنّ ظاهره الجمع بين النقيضين؟

ذكروا أن ابن حبان متشدد في التجريح، ومتساهل في التوثيق، فكيف يجمع بين التشدد في هذا والتساهل في ذلك، مع أنّ ظاهره الجمع بين النقيضين؟

هذا راجع إلى قاعدة التزمها ابن حبان في التوثيق، وصلت به إلى هذا، حين قال: إنّ الرجل يكون ثقة أو صدوقاً، إذا روى عنه ثقة، وروى هو عن ثقة، ولم يرو منكراً، هذا تعريفه للثقة، وقد بينت قبل أن هذا غير صحيح([1]) فذكرت أنّ رواية الراوي عن الثقة لا تنفعه، إنّما ينفعه إذا كان تلميذه ثقة، وكونه أيضاً يقول: «روى عنه ثقة» هذا أيضاً ينفعه، إلا إذا روى عنه ثقات، فالثقة الواحد يروي عن رجل، ومع ذلك لا يرفع جهالة عينه، إذا انفرد بذلك، فهذه النقطة الثانية، وقوله: «لم يرو منكراً» لا يُفيد التوثيق، لأنّه قد يكون مقلا، وليس معه إلا هذا الحديث، وقد يكون كذَّاباً سارقاً، ومعه حديث صحيح، ومن المعلوم أنَّ الكذاب أو السارق، قد يسرق أحاديث صحيحة، أو يكذب في أحاديث صحيحة، ومتونها مشهورة، فكون هذا الرجل لم يرو منكرا، ما أفادنا شيئاً يُذْكَر، إلا إذا كان مكثراً، فتعريف ابن حبان للثقة تعريف فيه تساهل، ولو كان الأصل في المسلمين العدالة في باب الراوية، ما احتاج العلماء أن يقولوا في تعريف الحديث الصحيح: «الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله»، وما احتاجوا إلى قولهم: «يتصل إسناده» لأنّه ما أخذه إلا عن مسلم ولا بد، وإن كان معضلاً، وما أخذه عن يهودي أ, عن نصراني، وهذا أيضاً مذهب ابن خزيمة ومذهب الحاكم([2])، ومن هنا دخل التساهل عليهم حين عرفوا الثقة: «بأنّه من لم يُجرح» وانتفاء التجريح لا يلزم منه ثبوت التعديل، ولكن أهل الحديث قالوا: لا بد أن نتأكد من أنّه عُدِّل، ولا نكتفي بأنه لم يجرح، على تفاصيل أهل العلم في ذلك وفي الجهة الأخرى عُرف بالاستقراء، ومن صنيع ابن حبان؛ أنّ الراوي إذا أخطأ خطأُ يسيراً محتملاً، تكلّم هو فيه بشدة، فيكون الخطأ قليلاً، وعبارة التجريح شديدة، فمن هنا قيل عنه: إنَّه متشدد في التجريح، فجمعه الآ، بين التساهل في التوثيق، والتشدّد التجريح لم يتواردا على محل واحد، حتى نقول: إنَّ هذا جمع بين المتناقضين، ولكنَّ المحلَّيْن مختلفان، فبينما نراه يعرف الثقة تعريفاً فيه تساهل، نراه خدش في الثقة لوجود الخطأ في حديثه، فهناك كان يحمل حديثه في الصحة؛ لأنّه ما رأى فيه منكراً، لكن لما رأى الخطأ هنا جرَّحه بعبارة شديدة، والله أعلم.



([1]) انظر السؤال رقم (8) والكلام على شرط ابن حبان.

([2]) نص على تساهل ابن خزيمة الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في مقدمة «اللسان» (ص:14) وأمّا عن الحاكم فقد سبق النص على تساهله في السؤال رقم (8) فليراجع.

للتواصل معنا